الليلة انطلاق "مالمو للسينما العربية".. عيد السينما العربية في أوروبا

تاريخ النشر: الجمعة، 6 أكتوبر، 2017 | آخر تحديث: الجمعة، 6 أكتوبر، 2017
مالمو

هناك شيء حميمي في الوصول للمهرجانات السينمائية قبل انطلاقها، في بداية عهد أي منا بحضور ومتابعة المهرجانات غالباً ما يُفكر في أن الوصول صباح الافتتاح هو الاختيار الأفضل على مستوى حسن إدارة الوقت والمال والمجهود. لكن ومع التجربة ندرك تدريجياً أن المدن كالبشر، تحتاج إلى سلام ومعانقة ودردشة هادئة قبل القفز إلى معمعات العمل.

سيطر هذا الشعور على المجموعة التي وصلت صباح الخميس 5 أكتوبر إلى مدينة مالمو، عاصمة إقليم سكانيا قاع الجنوب السويدي ودرة تاجه. المدينة التي تشير الأرقام لكونها خامس أكبر مدينة اسكندنافية، والتي خلق منها موقعها على حافة بحر الشمال في مواجهة كوبنهاجن (لا يفصلهما سوى جسر أوريسوند العابر للبحر بطول 16 كيلومتراً)، مدينة ذات طابع دولي منفتح، سويدية الهوية دنماركية الهوى. ثم جائت موجات الهجرة العربية لتثريها بمزيد من التنوع والتناغم الثقافي، كان أحد أبرز نتائجه مهرجان مالمو للسينما العربية، والذي أتينا لحضور دورته السابعة (6-10 أكتوبر).

من المبادرة إلى الاعتراف

إيقاع الشارع الاسكندنافي يحتاج وقتاً لهضم هدوئه المهيمن رغم الوجود العربي، لاسيما على الآت من مدينة مجنونة كالقاهرة. نسير في شوارع وسط المدينة المحيطة بفندق راديسون بلو مقر المهرجان، ثم نلج إلى الفندق لنجد العمل على قدم وساق لبث الدينامية في السكون، ورفع الرايات العربية على الشمال بأحسن الصور وأكثرها تحضراً: بالسينما والفنون والحضور الثقافي، لا بالاحتقان والشبهات والتزمت.


مهرجان مالمو قطع بالفعل كل الخطوات الضرورية للانتقال من تشكك البيروقراطية الاسكندنافية في جدوى التنظيم، إلى الدعم غير المحدود لاحتفالية صارت علامة سنوية مميزة للمدينة التي تفخر بتنوعها العرقي الكوزموبوليتاني. ولأول مرة منذ أطلق المخرج والمنتج الفلسطيني السويدي محمد قبلاوي مبادرته عام 2011، تُرفع اثنتي عشرة راية تحمل شعار المهرجان لتحيط بتمثال كارل جوستاف العاشر في ساحة المدينة الرئيسية، في اعتراف لا يمكن نفيه بأن مالمو صارت عاصمة رسمية للسينما العربية في أوروبا.

استفاد قبلاوي بالتأكيد من إمكانيات دول الرخاء ودعمها للمشروعات الثقافية، لكن الدعم لا يكفي بلا رؤية رُسمت ليكبر الحدث عاماً بعد عام، وتتحول العلاقة مع الجهات السويدية من ممول يراقب للتأكيد فيما أنفق فيه ماله، إلى شراكة استراتيجية واحتفاء رسمي من المدينة بضيوفها العرب، في زمن التشكك وفحص جوازات السفر والبحث عن تاريخ المغادرة قبل سبب الزيارة.

افتتاح يعكس أثراً

مساء الجمعة ينطلق المهرجان بعرض الفيلم التونسي "على كف عفريت"، فيلم المخرجة كوثر بن هنية المشارك في مسابقة "نظرة ما" بمهرجان كان السبعين، والذي دعمه المهرجان مادياَ من خلال سوق مالمو للإنتاج المشترك الذي مد الجسور بين المنتجين السويديين والأفلام العربية. "عندما اشترط الممولون أن تمتلك المشروعات المتقدمة للدعم منتجاً سويدياً اعتبرت الأمر في البداية شرطاً تعجيزياً، ثم أثبتت التجربة أن وجود الدعم يأتي بالمنتج، وسريعاً ما صار من الطبيعي أن نجد في كل عام ثمانية مشروعات عربية لدى كل منها منتج مشارك سويدي"، رواها قبلاوي لي العام الماضي موضحاً كيف دعم سوق مالمو السينما العربية بطريقة ربما لم تكن مخططة، لكن للنوايا الطيبة دائماً مفعول السحر.


اختيار الفيلم الافتتاحي يمثل في حد ذاته إعلاناً لأثر المهرجان المقام في المهجر على الصناعة في المنطقة العربية. ويرفع مستوى طموح 14 مشروعاً تتنافس على جوائز الدعم لهذا العام أن يجد أحدها طريقه قريباً لشاشات كان. الدعم في أربعة فئات ثلاث منها لمرحلة التطوير (150 ألف كرون سويدي لفيلم روائي، 50 ألف كرون لفيلم تسجيلي، 30 ألف كرون لفيلم قصير)، بالإضافة لأربعة جوائز خدمية لفيلم تسجيلي في مراحل ما بعد الإنتاج. المشروعات الأربعة عشر كلها لديها منتج سويدي مشارك في رقم لم يحدث من قبل في تاريخ السينما العربية.

مسابقات وعروض وأنشطة

بخلاف الدعم يقدم المهرجان برنامجاً حافلاً بأبرز إنتاجات السينما العربية خلال العامين الماضيين، يُعرض على مدار الأيام الخمسة ليس فقط في مالمو، بل يقام بالتوازي مهرجانين مصغرين مدة كل منهما يومين أو ثلاثة في مدينتي هيلسنبورغ (7-9 أكتوبر) وكرستيانستاد (8-9 أكتوبر) للاستفادة من تواجد صناع الأفلام لعرضها ومناقشتها مع الجمهور في المدينتين.

برنامج المهرجان هذا العام يتضم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة (8 أفلام) والقصيرة (18 فيلماً)، تحكّمهما لجنة مكونة من النجمة الأردنية صبا مبارك والمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي والمنتجة التونسية درة بوشوشة، ويشارك في الروائي الطويل من مصر فيلما "علي معزة وابراهيم" لشريف البنداري و"أخضر يابس" لمحمد حماد، وفي القصير أفلام "صورة سيلفي" لمحب وديع، "كوما" لعمرو علي، "نفس" لسالي أبو باشا.
لجنة تحكيم مكونة من الناقدين المصري طارق الشناوي والكويتي عبد الستار ناجي والمخرجة اللبنانية ديالا قشمر تحكّم مسابقتي الأفلام التسجيلية الطويلة (8 أفلام) منها الفيلمان المصريان "النسور الصغيرة" لمحمد رشاد و"جان دارك مصرية" لإيمان كامل، والتسجيلية القصيرة (8 أفلام) خالية من الأفلام المصرية.


برامج عروض مختلفة خارج المسابقة أبرزها عروض "ليالي عربية" التي تقدم عروضاً مسائية لأفلام ذات طابع جماهيري في حضور صناعها هي أفلام "الأصليين" لمروان حامد، "حرام الجسد" لخالد الحجر، و"الماء والخضرة والوجه الحسن" ليسري نصر الله، والذي يستلم في حفل الافتتاح تكريماً عن مجمل أعماله، قبل أن يُلقي درساً سينمائياً في جامعة مالمو يديره كاتب هذه السطور ويحضره دارسو السينما في المدينة السويدية. ويعرض المهرجان فيلمان لطلبة المدارس هما "لا مؤاخذة" لعمرو سلامة و"أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة" لليمنية خديجة السلامي.

أما آخر الفعاليات المهمة فهي ملتقى "نقاد بلا حدود" المقام على هامش المهرجان، والذي يجمع خمس نقاد مصريين مع خمسة من الدول الاسكندنافية، يناقشون في جلسات على مدار خمس أيام أوراق بحثية كتبوها حول عمل النقاد المعاصرين ووضعهم بين شكلين مختلفين تماماً من العمل النقدي والثقافي.

فعاليات ثرية ومتنوعة تُبشر بدورة يواصل فيها المهرجان خطواته الدائمة نحو الأمام. خطوات جعلت منه حرفياً عيد السينما العربية في القارة الأوروبية.

اقرأ أيضا

تعرف على الممثلين المرشحين لتقديم الجزء الثاني من IT.. أبرزهم إيمي آدامز وكريستيان بيل

تعرف على Breathe فيلم افتتاح مهرجان لندن السينمائي.. تذكير بقوة الحب