خاص- رسالة مهرجان أجيال (1): "صائدة النسور".. الاختيار الأصوب للافتتاح

تاريخ النشر: الخميس، 1 ديسمبر، 2016 | آخر تحديث: الخميس، 1 ديسمبر، 2016
فيلم صائدة النسور

تقييم خيارات أي مهرجان لا يمكن أن تتم بمعزل عن توجهات الحدث وأهدافه، حقيقة قفزت للأذهان ونحن نتابع افتتاح فعاليات الدورة الرابعة من مهرجان أجيال السينمائي في الحي الثقافي كتارا بالدوحة، وعرض الفيلم التسجيلي المنغولي البريطاني "صائدة النسور" للمخرج أوتو بيل، الذي اختارته إدارة المهرجان ليفتتح أكبر مهرجان عربي موجهة للأطفال والشباب.

الفيلم الذي يُعرض للمرة الأولى في الشرق الأوسط بعدما بدأ عروضه العالمية مطلع العام ضمن مهرجان صن دانس، هو عمل يمكن في أي سياق آخر اعتباره فيلم تسجيلي متوسط المستوى لأسباب سنشرحها بالتفصيل، لكنه هنا في "أجيال" هو بالتأكيد الخيار الأنسب على كل المستويات.

بطلة "صائدة النسور" هي فتاة منغولية في الثالثة عشر من عمرها، ترث حب تربية النسور من والده وتقرر أن تصير أو صائدة ومربية نسور في مجتمعها الذي ظلت هذه المهارة فيه قروناً مقتصرة على الرجال، الذين ينظرون للمرأة بأنها غير قادرة على ممارسة هذا النشاط الصعب والخطير. لكن الفتاة إيشولبان تثبت قدرتها وتنجح ليس فقط في أن تكون أول امرأة تمارس اللعبة، بل أن تتوج أيضاً في مهرجان تربية النسور السنوى وهي أصغر المشاركين فيه عمراً.

فيلم ملائم للأهداف

لدينا هنا كل أسباب الملائمة للمهرجان، البطلة مراهقة من عمر الجمهور المستهدف، موهوبة وإيجابية، تتحدى تقاليد بالية غير منطقية وتتمكن من إثبات خطأ هذه التقاليد بنجاحها الواضح، في نشاط أساسه علاقة مباشرة وحميمية مع الطبيعة متمثلة في أحد أجمل الطيور شكلاً وفي ظروف مناخية بالغة القسوة يعيش فيها الجميع وسط درجات حرارة تصل في الشتاء إلى خمسين درجة تحت الصفر.

كل هذا يتم برعاية مباشرة من والد البطلة الذي يؤمن بموهبتها ويساعدها على الوقوف في وجه الجميع وإثبات جدارتها. وكأن الفيلم قد صُنع خصيصاً ليلائم العرض على جمهور من الناشئة، يروي لهم حكاية فتاة من عمرهم يمكنهم التماهي معها، ويرسخ من قيم الإصرار والدأب وتحدي الأفكار البالية، وسط إعلاء لقيمة الأسرة ودعمها، وكذلك للعلاقة مع الطبيعة والحيوان (وهو أحد التوجهات الواضحة للمهرجان من دوراته السابقة).

الملائمة تفسر الحفاوة الكبيرة الذي قوبل بها الفيلم في نهاية العرض، والتي تكشف عن رجاحة واضحة في الخيارات نتمنى أن تستمر في باقي عروض المهرجان.

على الجانب الآخر

هذا ما يتعلق بوجود الفيلم في مهرجان مثل "أجيال". أما لو تناولنا "صائدة النسور" بشكل مستقل باعتباره فيلماً تسجيلياً يفترض أن يشاهده الكبار أيضاً، فسنلمس عيباً جوهرياً يفقد الفيلم الكثير من قيمته، وهو التناقض بين الشكل الذي يفتقد للتلقائية، والمضمون الخالي من الصراع الدرامي بمعناه الفعلي.

شكلياً ينقسم الفيلم إلا ثلاثة أجزاء كبيرة تمثل أهم أحداثه: قيام الفتاة بصيد نسر صغير من عش نسور كي تربيه ويصير طائرها الخاص، مشاركتها في المهرجان السنوى للنسور وتتويجها في نهايته رغم استهانة الجميع بها، ثم قيامها بصيد ثعلب في أجواء الشتاء القاسية لإثبات جدراتها كمدربة ناجحة حتى في الظروف المناخية السيئة.

الأجزاء الثلاثة تم تصويرها بإحكام شديد، باستخدام كاميرات طائرة ولقطات متابعة tracking shots معقدة جداً، ومونتاج دقيق لمشاهد إما أنها قد تم تصويرها في نفس اللحظة بكاميرات عديدة (وهو ما نفاه المخرج الذي قال قبل العرض أن فريق التصوير لم يتعد ثلاثة أشخاص)، أو أنها مشاهد قد تمت إعادتها أكثر من مرة لتصوّر من كل الزوايا، بما يتنافى مع فكرة الفيلم التسجيلي من الأساس.

في صناعة الفيلم التسجيلي المعاصر لا توجد مشكلة في تخليق الأحداث أو دفع مواقف للحدوث لإكمال البناء الدرامي، لكن المشكلة تكتمل بأن الفيلم ورغم هذه المشاهد المخلّقة والمعادة، يظل شبه خال من الصراع الدرامي الحقيقي؛ فالفتاة إيشولبان لا تلاقي معارضة متوقعة من أهلها ويدعمها والدها بلا حدود، ولا تكاد تلاقي أي فشل بل تسير طيلة الفيلم من نجاح وتفوق إلى آخر، ليخلو الفيلم تقريباً من لحظة انكسار أو تراجع أمام عالم يفترض نظرياً أنه يرفض حلم الفتاة.

هذا التناقض بين المشاهد التي نشهد ببراعة تصويرها الذي يمكن اعتباره أفضل ما في الفيلم، وبين سير رحلة البطلة بشكل سلس ودون مواجهتها لعوائق تذكر، بما ألغى أي صراع نفسي تخوضه الفتاة التي يفترض أنها تواجه رفض عالم بأكمله، هو السبب الذي جعل الفيلم يبدو أنسب للصغار منه للمشاهد البالغ خاصة من يمتلك أبجديات تحليل العمل السينمائي.

لكن يبقى "صائدة النسور" اختياراً ممتازاً في مكانه بمهرجان أجيال، في صورة لمرونة عالم السينما والأفلام، واستيعاب الفعاليات السينمائية المختلفة لتجارب متباينة لكل منها سياق مناسب للعرض.

اقرأ أيضا

شركات ومؤسسات حكومية وخاصة تدعم مهرجان أجيال السينمائي الرابع

ميج رايان تشارك في مهرجان أجيال السينمائي بأولى تجاربها الإخراجية Ithaca

5 أفلام من "كان" و"برلين" بمهرجان أجيال السينمائي بالدوحة