أحمد شوقي
أحمد شوقي تاريخ النشر: الجمعة، 13 مايو، 2016 | آخر تحديث:
جورج كلوني وجوليا روبرتس

بدأت الفعاليات الحقيقية لمهرجان كان السينمائي التاسع والستين في يومه الثاني أمس الخميس 12 مايو، فبعد يوم أول اقتصر على عرض فيلم الافتتاح وآخر من المسابقة للصحافة، بدأت كل القاعات في استقبال آلاف المشاهدين بداية من الصباح الباكر وحتى ما بعد منتصف الليل.

وعلى جانبي شارع الكروازيت بدأ الظهور المعتاد للمئات من محبي السينما الذين يبتكرون طرقاً متنوعة من أجل أن يوافق أحد ضيوف المهرجان ويعطيهم دعوة لحضور أحد الأفلام، في أطرف حالة تسوّل يمكن مشاهدتها، سواء في طبيعة الغرض الذي يتسوله الشخص أو في طريقة طلبه له.
محبي نجوم هوليوود كان موعدهم مع فيلم خارج المسابقة هو "وحش المال Money Monster" من إخراج النجمة جودي فوستر، والتي سارت على السجادة الحمراء بصحبة بطلي فيلمها جورج كلوني وجوليا روبرتس، ليتزاحم المئات من المصورين والجماهير لإلقاء نظرة على نجومهم المفضلين.


بشكل عام هناك شعور بأن هناك مهرجانين متوازيين: واحد على هامش المسابقة يستضيف نجوم هوليوود المشاهير (طاقم فيلم وودي آلان بالأمس وفيلم فوستر اليوم وفي الطريق فيلم ستيفن سبيلبيرج وفيلم شين بليك بطولة راسل كرو وريان جوسلنج)، وهم من يعطون للمهرجان لمعان النجومية الأمريكية. أما المهرجان الثاني فهو المسابقات المختلفة، والتي تعرض أفلام إما النجم الأول فيها هو المخرج أو لا نجوم فيها على الإطلاق.

حضور عربي ممتاز

اليوم شهد عرض فيلمين عربيبن الهوية، وإن كان واحد منهما فقط عربي الجنسية. الفيلم العربي بالطبع هو "اشتباك"، فيلم محمد دياب الذي افتتح قسم "نظرة ما" بعرضين، أحدهما في الصباح للصحافة والآخر مسائي سبقه سجادة حمراء وتقديم للفيلم، وفي المرتين تم استقبال الفيلم (الذي كتبنا عنه بشكل تفصيلي هنا) استقبالاً إيجابياً، يتوائم مع جدية الفيلم وإتقانه على المستوى البصري بالإضافة بالطبع للموضوع المثير الذي يتناوله.
الفيلم العربي الآخر يحمل رسمياً الجنسية الإسرائيلية، طبقاً لجهة الإنتاج وهي صندوق الفيلم الإسرائيلي الذي موّل فيلم "أمور شخصية" للمخرجة مها حاج، والمعروض أيضا في قسم نظرة ما. بخلاف التمويل هذا فيلم عربي قلباً وقالباً، بحكم مخرجته وأبطاله ولغته وموضوعه، وبالطبع زاوية تناوله للحياة في فلسطين المحتلة، وبالتحديد داخل وسط مسيحيي فلسطين، العالم الذي يبدو أنه بدأ يفرز سينماه الخاصة سواء بفيلم مها حاج أو قبلها بفيلم سها عرّاف "فيلا توما".

"أمور شخصية" يستلهم الكثير من سينما المخرج الكبير إيليا سليمان، سواء في شكل بعض المشاهد المعتمدة على تحويل اللقطة إلى خشبة مسرح ثابتة يتحرك خلالها الممثلين لخلق ميزانسين مسرحي داخل الكادر، أو في الحس الكاريكاتوري القائم على تكرار بعض الأفعال والعبارات، أو في فكرة المقارنة بين الأجيال الثلاثة (جيل النكبة والأبناء والأحفاد).

لكن تأثر مها حاج بسليمان يتوقف عند ما سبق، لتبني فيلمها على العكس من سينماه التفكيكية التي لا تعتمد على خط درامي متماسك، وتقوم بسرد خطوط درامية واضحة تقوم بالأساس على شخصيات مبنية بعناية وعذوبة، على رأسها شخصية الرجل الفلسطيني الذي يستعد لأن يصير أباً، لكنه لم يشاهد البحر من قبل بسبب عدم التصريح له بالخروج من مدينته، ليتحول عرض يأتي له من الممكن أن يغيّر حياته، إلى مجرد وسيلة يمكنه من خلالها أن يرى البحر. "أمور شخصية" فيلم كثيف هناك الكثير يمكن أن نقوله عليه بالتفصيل لاحقاً، لكن الأهم هو الإشارة لقيمة الفيلم الذي لن ينال في أغلب الأحوال أي فرصة للعرض في مهرجان عربي بسبب مصدر تمويله، وهي أزمة أزلية لا يبدو أننا سنراها تُحل في أعمارنا.

نضال لوتش بالسينما

المسابقة الرسمية شهدت عرض ثلاثة أفلام، منها واحد شاهدناه بالأمس في عرض صحفي وكتبنا عنه هو الروماني "سيرانيفادا". أما الفيلمين الآخرين فكان أبرزهم "أنا دانيل بليك I, Daniel Blake" للبريطاني المخضرم كين لوتش، الذي يتسابق في كان للمرة الثانية عشر. قياساً على هذا العدد من المشاركات لا يبدو الفيلم مستحقاً لأن يُدرج في المسابقة الرسمية، فلا هو عمل يحمل أي تجديد أو تجريب، ولا هو أفضل أعمال مخرجه.

هذا فيلم عادي جداً، متقن الصنع بما يليق بفنان من حجم لوتش، لكنه مجرد حكاية نضالية تنتقد نظام إعانات المتبطلين وكبار السن البريطاني، عبر حكاية نجار عجوز يصاب بنوبة قلبية فيترك عمله مجبراً، لكن النظام الورقي القانوني يقول أنه لا يملك الأسباب الكافية للحصول على معونة تقاعد صحي، فيظل يحارب للحصول على حق من الاثنين إما العودة للعمل أو الحصول على المعاش، وفي خضم فشله وسخطه على الروتين يقابل شابة أم لطفلين تعاني هي الأخرى لتنال معاشاً، لتنمو بينهما صداقة بطلها الألم والحاجة.

مستوى الأداء التمثيلي جيد جداً من البطلين ديف جونز وهايلي سكويرز، لكنه أداء لا يصل للإبهار في ظل السيناريو المتوقع والذي يستجيب كين لوتش فيه كلياً لميوله الاشتراكية، مكتفياً بتقديم مقالة سينمائية نضالية، تمس القلوب في بعض لحظاتها من باب الشفقة على الشخصيات، لكنها لا تتمكن إطلاقاً من تحقيق أي أصالة أو مفاجأة سينمائية.

فيلم فرنسي غريب

أما فيلم المسابقة الثالث المعروض حتى لحظتنا فهو "البقاء واقفاً" Staying Vertical للفرنسي آلان جويرود، وهو فيلم بالغ الغرابة نظراً لانقسامه لنصفين يكاد كل منهما يكون عملاً ذو سمات مستقلة. النصف الأول رتيب متثاقل، يروي حكايو أشبه بالأفلام القصيرة المتحذلقة عن مؤلف سينمائي مهووس بالذئاب، يذهب لمنطقة رعوية بحثاً عن ذئب فيقابل راعية أغنام تنشأ بينهما علاقة دون سبب تسفر عن حمل الراعية وولادتها طفلاً، لتصاب الراعية (وهي أم لطفلين سابقين وذات تجربة حياتية) بأزمة وجودية بلا سبب فتكره الطفل وتتركه لوالده وترحل.

النصف الأول يسير في سياق منطقي جاد يجعل كل مفصل درامي غير مفهوم أو قابل للهضم، لكن النصف الثاني ينقلب فجأة عبثياً، لتبدأ الأحداث في التوالي بشكل كوميدي قائم بالكامل على انجذابات جنسية بين الذكور في الفيلم. تغيير في النبرة والإيقاع جعل الضحكات تتصاعد فجأة في مسرح لوميير بعد صمت وهمهمات طوال النصف الأول من الفيلم الذي ينتهي دون الوصول لاستنتاج يبرر شكله، بما يجعله تجربة غريبة يصعب أن يحدد المشاهد موقفاً واضحاً منها.

في الغد نرتقب

خلال اليوم الثالث لمهرجان كان نرتقب عرض فيلمين جديدين من المسابقة الرسمية هما "خليج الركود Slack Bay" للفرنسي المخضرم برونو دومونت، والفيلم الألماني "تون إردمان Ton Erdman" للمخرجة مارين أدي. وكذلك في قسم شهر المخرجين يعرض المخرج التشيلي بابلو لارين فيلمه الجديد "نيرودا Neruda".

اقرأ أيضا
خاص في الفن - رسالة كان (2) : "اشتباك".. الانحياز للحيرة في افتتاح نظرة ما

خاص في الفن - رسالة كان (1): "كافيه سوسايتي".. وودي آلان يفتتح المهرجان بفيلم اعتيادي ومتقن

بالصور- جورج كلوني ينقذ أمل علم الدين في مهرجان "كان"

إشادة نقدية عالمية بفيلم"اشتباك" ورصده لما بعد ثورة 25 يناير
صورة- ابن نيللي كريم وشقيقها يساندوها في مهرجان كان