فيلم افتتاح مهرجان دبي السينمائي: "غرفة".. ثلاث حكايات وثلاث نقاط تميز

تاريخ النشر: الخميس، 10 ديسمبر، 2015 | آخر تحديث:
مشهد من فيلم "غرفة"

بعد حفل أنيق شهد تكريم أربعة ممثلين كبار يتقدمهم النجم المصري عزت العلايلي، انطلقت فعاليات الدورة الثانية عشر من مهرجان دبي السينمائي بعرض فيلم "غرفة Room)" للمخرج الأيرلندي ليني أبراهامسون، المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتبة إيما دونو، حققت نجاحًا ضخمًا وترشحت ضمن القائمة القصيرة لجوائز مان بوكر العالمية عام 2010. الفيلم نال شهرة بسبب الرواية أولاً، وبسبب نيله لجائزة اختيار الجمهور من "مهرجان تورنتو السينمائي" قبل شهرين.

تعرف على أبرز الأفلام المعروضة في أيام وليالي مهرجان دبي السينمائي 2015

اهتمام أبراهامسون بنقل رواية دونو إلى الشاشة يتفق مع نوعية الحكايات التي يفضل تقديمها في أفلامه، والتي تنطلق من حكاية غريبة لتطرح ما يتعلق بمشاعر وأفكار الملايين ممن يستحيل أن يتعرضوا لما يمر به أبطال أفلامه. أمر يمكن تطبيقه على أفلام مثل "جراج Garage" الذي قدمه عام 2007، وبشكل أوضح على فيلمه السابق "فرانك Frank"، الذي عُرض العام الماضي حول حكاية مغن موهوب يرتدي بشكل دائم رأساً صناعية ضخمة بسبب عجزه عن الظهور بوجهه الحقيقي للعالم.

من الطبيعي إذن أن يهتم أبراهامسون بالرواية التي تسرد حكاية فتاة يقوم رجل باختطافها وحبسها في غرفة مغلقة لا يدخلها إلا هو، لتظل سبع سنوات كاملة يقوم خلالها باغتصابها حتى تلد ابنا، يعيش معها خمس سنوات داخل الغرفة التي لم ير من العالم سواها، فيعتقد أنها هي كل العالم، وأن ما يراه على شاشة التلفزيون الصغير الموجود بالغرفة هو مجرد خيال لا وجود له على أرض الواقع.

ثلاث حكايات على الأقل
الرواية تقدم هنا مادة خصبة لثلاث حكايات على الأقل كل منها يصلح أن يكون فيلماً مستقلاً بذاته، الأولى هي حكاية المرأة وابنها الذي يعرف الحياة فقط من خلال ما تقدمه له، ولكنه رغم عالمه الضيق يتمتع بقدر لا بأس به من السعادة بحكم افتقاده لما يمكن أن يقيس عليه، وهي حكاية وحدها تقارب عوالم المخرج اليوناني يورجوس لانثيموس الذي قدمها بتمرس في "الناب Dogtooth" و"سرطان البحر The Lobster".

الحكاية الثانية أقرب لعوالم التشويق وهي محاولات الأم أن تخدع مختطفها بواسطة الابن كي تتمكن من إيصال مكان احتجازها للعالم (جمهور الافتتاح تجاوب بالتصفيق مع لحظة النجاح في الهرب). أما الحكاية الثالثة والأكثر زخماً ـ وتكميلاً لما زرعه ما سبق ـ فهي محاولات الأم والابن للتعايش مع العالم الفعلي بعد أعوام الاحتجاز وتغير المفاهيم، وهو الجزء الذي تشتبك فيه الكاتبة ـ والفيلم بالتبعية ـ مع مفاهيم يعتبرها البعض مسلم بها لكنها في حقيقة الأمر تحتاج للنظر، وعلى رأسها علاقة الوالدين بالابناء، ومدى اعتماد كل طرف نفسياً على الآخر من أجل الحفاظ على تماسكه وسلامته النفسية.

الأصل متوافر إذن لما يكفي ويزيد عن حاجة الفيلم من دراما. تعدد المراحل الدرامية كان سبباً رئيسياً في الشعور العام بطول زمن الفيلم، خاصة في فصله الثالث الذي بالرغم من أهمية محتواه، فقد امتد أكثر مما يحتمله فيلم بهذا الازدحام، وبشكل عام يمكن القول بأن رغبة الروائية (التي كتبت السيناريو بنفسها) في نقل الحد الأقصى من أحداث الرواية إلى الشاشة، كان طموحاً أثر بشكل سلبي على إيقاع العمل، الذي يمتلك لحظات ممتعة ولاهثة، وأخرى مترهلة بلا طائل.

نقاط تميز واضحة
هل يعني هذا أن "غرفة فيلم سيئ؟ بالقطع لا، بل أنه يحتوي على عدة نقاط تميز قد تكفل له التواجد بقوة خلال موسم الجوائز الأمريكي الذي ينطلق مع بداية العام، وعلى رأسها الأداء المبهر من بطله الطفل جاكوب تريمبلاي (كان عمره الفعلي ثماني سنوات خلال تجسيده الدور)، والذي يجسد دوراً مركباً من الصعب العثور على طفل قادر على إداءه، دور جاك الذي لم ير من العالم سوى أمه، فصار يحاكيها في شعره الطويل وحركاته ذات الحس الأنثوى، حتى أن الأمر يلتبس على المشاهد خلال الدقائق الأولى للفيلم فيظن أنه فتاة ويتسائل لماذا تحادثها والدتها بصيغة المذكر. قبل أن يتعرض جاك لصدمة الخروج للعالم والمقارنة بين صخبه وبين الحياة الهادئة التي عاشها داخل الغرفة.

نقطة التميز الثانية هي المصور داني كوهين، الذي قام عمله الرئيسي على مهمة شاقة هي قضاء نحو 45 دقيقة داخل غرفة ضيقة يعيش فيها شخصين يزورهما ثالث أحياناً، مع التلاعب بالمنظورين الخطي واللوني كي نشاهد المكان من عيني الطفل جاك، بما يعنيه هذا من انعدام للمقارنة وبالتالي الإدراك الخاطئ للمكان المحدود مكانياً، باعتباره عالم متسع مليئ بالتفاصيل. المشاهد هو الآخر يتعرض لحدث مشابه لجاك، عندما يعود البطلان في نهاية الفيلم لزيارة الغرفة التي تم احتجازهما فيها، فيجدها جاك ـ ونجده معه ـ مجرد كوخ ضيق لا يتناسب إطلاقاً مع ذكرياته عنه، في صورة نموذجية لقدرة الكاميرا على التعبير عن مشاعر البشر وإدراكهم لمحيطهم.

نقطة التميز الثالثة هو ذلك الطرح لفكرة دور الأبناء في حياة آباءهم؛ فبينما يسلّم الجميع بأن الأطفال كائنات ضعيفة تحتاج لرعاية الآباء كي تبقى على قيد الحياة وتصبح يوماً قادرة على الاعتماد على نفسها، فإن الفيلم يعرض الأمر من زاوية أخرى هي أن الابن هو الآخر يقوم برعاية والديه على المستوى النفسي، وجوده يدعمهما ويعطي معنً لما يواجهانه من متاعب (ولو بلغت الاختطاف والاغتصاب)، بينما غيابه قادر على تقويض أي علاقة أو صحة نفسية.

وفي النهاية
"غرفة فيلم مهم على مستوى الصنعة والطرح، قد يكون الازدحام بالأفكار والأحداث جعله يعاني من بعض الترهل خاصة في فصله الأخير، إلا أنه إجمالاً عمل يستحق المشاهدة والنقاش، وهو ما حدث بالفعل بمجرد انتهاء عرضه في افتتاح مهرجان دبي السينمائي الثاني عشر.

شاهد- الإعلإن الدعائي لفيلم "غرفة"

طالع أيضا
باسم يوسف ولميس "التركية" وأبلة فاهيتا في افتتاح مهرجان دبي السينمائي 2015
مهرجان دبي السينيمائي يعلن أعضاء لجان تحكيم مسابقات "المهر" في الدورة الـ 12
الممثلة الفرنسية كاترين دونوف تتسلّم جائزة "تكريم إنجازات الفنانين" من "مهرجان دبي السينمائي الدولي"
"قبل زحمة الصيف".. محمد خان يعود إلى مهرجان دبي السينمائي الدولي
تعرف على تفاصيل مهرجان دبي السينمائي الدولي 2015 قبل انطلاقه.. أبرز أفلامه والنجوم الحاضرين
آخر أفلام عمر الشريف يُعرض للمرة الأولى عالميا في مهرجان دبي السينمائي 2015