محمد الشماع
محمد الشماع تاريخ النشر: الثلاثاء، 11 أغسطس، 2015 | آخر تحديث:
نور الشريف

لم يبالِ نور الشريف بتحذيرات الكثيرين. وضع أمام عينيه هدف واحد. "سأقدم شخصية رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي. شاء من شاء وأبى من أبى"، هكذا كان عزم الراحل في أواخر الثمانينيات. كان نجما فوق العادة وقتها. كان صانع نجاحات "ضربة شمس" و"سواق الأتوبيس" و"العار" و"حدوتة مصرية". أهمل كل ذلك ليقدم مغامرة "ناجي العلي".

يقول نور الشريف في مقال كتبه في ذكرى وفاة رسام الكاريكاتير الفلسطيني إن "(ناجي العلي) هو فيلم الوطن والحرية, الوطن فلسطين وهي القضية القومية الاهم ومحور الصراع العربي الصهيوني, والحرية هي المشكلة المركزية في وضعنا العربي, ومن خلال هذا الفيلم سعينا لطرح رؤية فنية سينمائية شكلا وموضوعاً تحاكي الفكرة جمالا وجدية".

ظل الشريف يجمع المعلومات عن رسام الكاريكاتير الفلسطيني، ويقابل أصدقاءه في الكويت ولندن وعدة عواصم أخرى. حماسه جعله يقرر إنتاج الفيلم بالمشاركة مع الكاتب وليد الحسيني. اختار له واحدا من أهم مخرجي السينما في هذا الوقت وهو عاطف الطيب.

طالع أيضا
وفاة الممثل المصري نور الشريف عن عمر ناهز ٦٩ عاما
محدث باستمرار- أصدقاء وتلاميذ الراحل نور الشريف ينعونه: "وداعا حبيبي دائما"
نور الشريف.. هل حقا تعرف "آخر الرجال المحترمين"؟
أطرف آراء نور الشريف في الفن والحياة والسياسة

لم يساوره شك طيلة أسابيع تصوير الفيلم الطويلة في أنه يقدم عملا مهما سيحكي الجميع عنه. عملا يدخل ضمن أهم أفلام السينما العربية كلها. وقد كان. لكن حلم نور الشريف لم يكتمل. عُرض الفيلم في السينمات، فتعرض لهجوم شرس قادته إحدى الصحف القومية المهمة. لم تتجاوز مدة عرضه أسبوعان، ثم جاء قرار رفع الفيم من دور العرض بفرمانات عليا. تسبب الفيلم في خسارة مادية لنور الشريف كمنتج، ليس هذا فقط، بل خسارة معنوية أيضا.

الهجوم صوره وطاقم العمل وكأنهم مجموعة من الخونة صنعوا فيلماً ضد مصر, حتى أن الأقلام وقتها كتبت لتقول "إن نور الشريف قام ببطولة فيلم الرجل الذي (شتم) مصر في رسوماته". لم يكن ذلك حقيقيا، فالعلي بالفعل انتقد السادات عند زيارته للقدس, وهاجم اتفاقية كامب ديفيد, وهو بالمناسبة موقف كثير من المثقفين المصريين. وهو بالمناسبة الأخرى الموقف الذي دافعت عنه الصحيفة القومية باستماتة.

اتهم بالخيانة العظمى، وصدر قرار سري بألا يتم ذكر اسمه في صحف ومجلات مصر. هكذا عانى نور الشريف في أسوأ فترات حياته، حتى فكر بالفعل فى الهجرة إلى لندن للعمل في الصحافة. ابتعد عنه المخرجون (إلا عاطف الطيب وبعض شركائه في الحلم والضمير). ابتعدت عنه شركات الإنتاج.

فى نفس العام 1990، صدر قرار بمنع عرض جميع أعمال نور الشريف فى الخليج ضمن قائمة من المثقفين والمفكرين المصريين، من بينهم محمد حسنين هيكل ومحسنة توفيق ونادية لطفى، دون أسباب واضحة. ببساطة "قعد في البيت".

لم يستسلم نور الشريف وظل صامدا مصرّا على أن ناجي العلي هو أهم أعماله، حتى بعد أن وجه وزير الإعلام السابق صفوت الشريف بعرض مسلسل "الثعلب" أحد أعمال الجاسوسية التي كان ينتجها التليفزيون في هذا الوقت عليه، كنوع من الاحتواء.

ظل الراحل يفتخر أنه قدم عملا كبيرا عن واحد من القلائل في الوطن العربي الذين دافعوا عن المقاومة والضمير الإنساني بالريشة.