سباق النمر (2): قصة حب مع فتاة عروض جنسية وجدة عجوز تشعل البلدة في مسابقة روتردام

تاريخ النشر: الجمعة، 1 فبراير، 2019 | آخر تحديث:
فيلم "شينا 667"

اكتمل نصاب الأفلام الثمانية المشاركة في مسابقة النمر، كبرى مسابقات مهرجان روتردام السينمائي الدولي الثامن والأربعين، والتي كنا قد قدمنا عرضًا نقديًا لنصفها الأول في رسالة سابقة ( تفاصيل أكثر)

وها نحن نستكمل تحليل الأفلام الأربعة التي تُمثل النصف الثاني للمسابقة، والتي يترقب متابعو المهرجان والمهتمين بالأصوات السينمائية الصاعدة نتائجها التي سيتم الإعلان عنها بعد ساعات.

شينا 667 Sheena667 (روسيا)

كيف يمكن لرجل أن يقرر ترك زوجته من أجل فتاة لا يعرف عنها سوى أن اسمها "شينا 667"، الاسم والأرقام التي تستخدمها في غرفة البث المباشر التي تقوم فيها بتقديم عروض إباحية مقابل المال، وأنها تعيش في جورجيا التي كان محتارًا في البداية إذا ما كانت الدولة أم الولاية الأمريكية!

التجربة الإخراجية الأولي للممثل الروسي الشهير جريجوري دوبريجن تأخذنا في كوميديا غير متوقعة، لا يفوق طرافتها سوى قسوة الحقيقة التي ترتكز عليها: شبكة الأنترنت صارت قوة خارقة يمكنها أن تقلب حيوات البشر، قوة ذات طابع إدماني لا سيما لمن لا يمتلك خبرة كبيرة في عالمها، والذي يسهل في حالة عثوره على ما يجذب انتباهه ويثير مشاعره ويشعره بالنشوة، أن يصير أسيرًا لشاشة الكومبيوتر، تمامًا مثلما صار البطل فاديم (فلاديمير سفيرسكي، الأداء الأفضل بين الممثلين الذكور في المسابقة) مستعدًا للتخلي عن كل شيء من أجل تلك المراهقة المغوية.

يقوم "شينا 667" على ثنائية الواقع والحلم/ الوهم. الواقع الذي يعمل فيه فاديم في ورشة الميكانيكا التي يستأجرها مع زوجته، يقضيان وقتهما يخططان للسفر إلى ألمانيا لشراء شاحنة مستعملة، ويحلمان بالفوز في اليانصيب حتى تتغير حياتهما الرتيبة في قرية روسية نائية، حياة يظللها حب وحميمية وأحلام مشتركة، ويشوبها فقر ورتابة وآمال لا تريد أن تتحقق.

أما الحلم الذي يظهر في حياة فاديم ذات ليلة فيقلبها رأسًا على عقب، هي تلك الفتاة التي لا يمكن نظريًا أن يقع عاقل في حبها، خاصة لو كان تعارفهما قد جرى في غرفة عرض التعري الخاصة بها، لكنها بشكل ما تفتح عينيه على عالم لا يعرفه، عالم يصير مهووسًا بتفاصيله التي بما يكفي لجعله يأخذ أكثر القرارات سخفًا ضد أقرب الناس إليه، باختصار يغدو مدمنًا يمكنه أن يفعل أي شيء مقابل التقرب لفتاة الأنترنت.

في المستوى الأولى هذا فيلم عن كيف يمكن أن يصير وجود الأنترنت كارثة، لكنها تظل قراءة وحيدة في فيلم يحمل ما هو أكثر، وبالتحديد ما يتعلق بتأثير الفرصة والاحتمال؛ فاديم عاش 35 عامًا وفق الاحتمالات المتاحة لا أكثر، فلما لاحت له فرصة وإن كانت جنونية، لم يعد من الممكن أن تبقى الحياة على رتابتها، الرتابة التي يعبر عنها المخرج على مدار الفيلم بالصورة والأفعال الميكانيكية، ليضعنا رغمًا عن إرادتنا موضع البطل الذي تتطور معه الأمور بصورة تؤكد من أن العبثية لا تقتصر عن النفس البشرية بل تمتد لمنطق الحياة بشكل عام.

في قلب العالم In The Heart of The World (البرازيل)

يشكل تشابك العلاقات داخل الأحياء الفقيرة وعلاقة الجريمة بها أحد الهواجس دائمة الظهور في السينما البرازيلية الحديثة، وها هو الهاجس يعود مجددًا في فيلم المخرجان جابريل مارتينز وماوريليو مارتينز (لا قرابة بينهما رغب تشابه الألقاب). هذه المرة في حي فقير بمدينة كونتاجيم، حيث ترتبط حيوات البشر ببعضهم البعض، وتجبرهم ظروفهم السيئة على إيجاد وسيلة للتعايش، وإن كانت غير شرعية. مع ظهور واضح لقيمة وتأثير المرأة في هذا العالم. الفيلم ليس نسويًا لكنه يعبر بشكل خافت عن أن المرأة هي القوة المحركة وصانعة القرار الرئيسية في مثل هذا العالم.

موزاييك من الشخصيات يرسمه المخرجان اللذان قاما أيضًا بكتابة السيناريو: صاحبة صالون تجميل تريد أن تعمل كسائقة أوبر في المساء لتحسين دخلها، وحبيبها الذي يتورط شقيقه في جريمة قتل ويطلب منه المساعدة، محصلة تذاكر في حافلة عمومية وحبيبها الذي يعمل مع صديقته السمراء في تصوير طلبة المدارس، قبل أن تأتي الصديقة بفرصة العمر: سرقة منزل في أحد التجمعات السكنية الثرية.

حتى ظهور عملية السرقة في النصف الثاني من الفيلم، يبدو "في قلب العالم" فيلم شخصيات بالأساس، يأخذ وقته في رسم الشخصيات بينما يتعثر الإيقاع في دفع الحكاية للأمام والحفاظ على اهتمام المشاهدين، خاصة مع عدم وضوح خصوصية الحي موقع الأحداث، هو مجرد حي فقير آخر لا يكاد يظهر كثيرًا في المشاهد التي يدور أغلبها في أماكن مغلقة. عمل كبير على شريط الصوت لكنه لا ينعكس كثيرًا على الصورة حتى منتصف زمن الفيلم تقريبًا.

مع ظهور عملية السرقة ودخولها في إطار التنفيذ، تبدأ الأمور في الاستقامة، يبدأ تشابك الشخصيات في التعبير عن شيء ما، ويرتفع الإيقاع ليس فقط في السرقة، ولكن فيما يوازيها من أحداث في الخطوط الدرامية الأخرى. وكما هو متوقع في حكاية كهذه لا بد وأن تتحول المهمة إلى كارثة دموية، لكنها كارثة تحمل هنا نوعًا من التطهير للشخصيات، وتعطي الفيلم معنى يرفع من قيمته؛ فالقاعدة دائمًا أن النهايات الجيدة تجُب عثرات البدايات. لكنه يبقى من أقل أفلام المسابقة طموحًا على مستوى الشكل والمضمون، فحتى مع جودة النصف الثاني يظل عملًا داخل إطار التوقعات بالكامل.

نونا.. إذا أغرقوني سأحرقهم Nona, If They Soak Me, I’ll Burn Them (تشيلي)

المقدمات الجيدة ليس من الضروري أن تأتي بنتائج جيدة، عنوان يصلح لفيلم المخرجة الشابة كاميلا خوسيه دونوسو الأول، والذي استلهمت قصته من جدتها العجوز المتمردة، عن امرأة تدعى نونا، تنتقم من حبيبها لسابق بطريقة عنيفة تجبرها على ترك العاصمة سانتياجو والذهاب للعيش في بلدة صغيرة مملة، لتندلع في البلدة عدة حرائق ضخمة بفعل فاعل، وتبدأ الشكوك في الظهور مع كون منزل الجدة ضمن بيوت معدودة لم تقترب منها النيران.

الحكاية شيقة بالتأكيد، يضاف إليها خيار تقني هو المزج بين المواد المصورة رقميًا بالجودة الكاملة، وبين فيديوهات منزلية مصورة بكاميرات فيديو منخفضة الجودة. لو وضعنا الخيار التقني مع الحكاية سنكون أمام عمل يعد بالكثير على صعيدي الشكل والمضمون، لكن كما قلنا الوعود ليست دائمة قابلة للتحقق.

"نونا.. إذا أغرقوني سأحرقهم" مشوق بصريًا بالفعل، ومع أول انتقال بين نوعي الصورة ترتفع درجة الانتباه بحثًا عما وراء هذا الاختيار، وترتفع معه الرغبة في معرفة المزيد عن هذه المرأة المتناقضة، فهي أحيانًا مغرورة متعالية وفي أوقات أخرى ضعيفة رقيقة القلب، وهي تثير بالتأكيد شعورًا بالريبة ورائها، لا تخفيها المخرجة التي تبدأ الفيلم بالجدة تشرح طريقة صنع زجاجات المولوتوف.

لكن اللعب على هذا الوتر لا يمكن أن يستمر للأبد، مع مرور الوقت وعدم تطور ما نراه شكليًا أو موضوعيًا ليفرز عن فكرة أو لحظة تنوير. المخرجة تبدو مهووسة بالشخصية والتقنية أكثر مما ينبغي، وحتى التلميحات عن شيوع العنف في تشيلي وقت حكم بينوشيه والذي يمكن منطقيًا ربطه بموقف الجدة العنيف، تظل مجرد تلميحات لم يتم تعميقها بما يجعلها تسفر عن نتيجة متماسكة.

وإذا كان الفيلم البرازيلي هو أكثر أفلام المسابقة تقليدية فإن هذه التقليدية تظل مقبولة أكثر من شكلانية تهدر فيها فكرة جيدة وشخصية جذابة كالتي كانت المخرجة كاميلا خوسيه دونوسو لكنها أهدرتها في مزيج بين الحذلقة والتسطيح.

الأيام الآتية The Days to Come (إسبانيا)

النموذج العكسي يأتي في فيلم المخرج كارلوس ماركيز مارسيت، الذي ينطلق من فكرة بسيطة لكنه يحولها عملًا كبيرًا. الفكرة هي دراما ترصد تسعة أشهر حمل لامرأة وحبيبها، ما يتطور بينهم من مشكلات وتقارب ومخاوف ومشاعر متضاربة لدى شخصين سيأتيان بإنسان جديد لعالم لا يملكان الكثير من الثقة في مكانهم بين سكانه.

التجربة الفيلمية هنا إنه ليس فيلمًا تسجيليًا، بل هو عمل روائي الخيال فيه أكثر من الحقيقة، لكنه لا يبتعد كثيرًا عنها. الممثلان الرئيسيان دافيد فيرداجير وماريا رودريجيز حبيبان في الواقع، يسلمان نفسيهما للمخرج بمجرد اكتشاف ماريا لحملها، ليحولهما إلى لويس وفير، الحبيبان اللذان يتراجعان عن قرارهما الأول بالتخلص من الجنين، ويقرران استكمال الرحلة بعدما بدأ الأب الأمر بجملة لا تُنسى "لست متأكدًا أنني أريد الطفل، لكني متأكد من أنني لست لا أريده".

وبينما تبدو تجربة الإنجاب بالنسبة للبعض رومانسية حالمة، إلا إنها في واقع الأمر ـ وكما يعلم كل من خاصها ـ ليست كذلك على الإطلاق. هي تجربة بخلاف متاعبها البدنية المفهومة، حمل نفسي كبير، وتيار من المشاعر المتناقضة والهواجس والشكوك التي تجتاح الأب والأم، والتي يتمكن ماركيز مارسيت في تقديمها في فيلمه، عبر لقطات طويلة تقترب من دواخل الشخصيات وتحاول أن تفهم ما يتصارع داخلهم من أفكار.

يستفيد "الأيام الآتية" من كون حكايته هي القصة الأولية الصالحة للتفاعل مع أي مشاهد في أي مكان بالعالم. المخرج يسعى بوضوح لهذا الهدف: ألا ينشغل بغير الفعل الإنساني، لأنها في هذه الحالة تحديدًا كلما كانت القصة أكثر شخصية كلما صارت أكثر عالمية. لذلك فبالمقارنة بجميع أفلام المسابقة، وبينما تبدو قصة "الأيام الآتية" هي الأقل جاذبية عن سماعها ملخصةً، فإن الناتج عنها على يدي المخرج الموهوب واحد من أفضل الأفلام الثمانية المتنافسة على جوائز النمر.

اقرأ أيضا:
كيف تحول مسلسل You من الفشل إلى الشهرة عبر Netflix؟ هذه نقطة قوته

4 نقاط تساعد ريجينا كينج على الهروب من مصير سيلفستر ستالون في الأوسكار