رسالة كان- الفيلم المصري "يوم الدين".. رحلة في عالم المهمشين وعيب المباشرة

تاريخ النشر: الاثنين، 1 يناير، 0001 | آخر تحديث:
لقطة من فيلم "يوم الدين"

تجربة صناعة الفيلم الأول تختلف من مخرج إلى آخر، فالبعض يعتبر أعماله الأولى الأكثر تعبيرا عن ذاته وعن نظرته للحياة مثل البريطاني كريستوفر نولان، والبعض الآخر يرى أنها مليئة بالأخطاء والعيوب التقنية مثل الإسباني بيدرو ألمادوفار.

بالنسبة للمخرج المصري أبو بكر شوقي، كانت تجربة "يوم الدين" عمله الروائي الأول المشارك في المسابقة الرسمية للدورة الـ71 لمهرجان كان السينمائي الدولي، مهمة للغاية لأنه خطط لأن تكون في موطنه الأصلي مصر وكان هدفه صناعة فيلم يرغب في مشاهدته دون النظر لأي اعتبار آخر. وقد اقتحم شوقي عالم يعرفه جيدا منذ إخراجه الفيلم التسجيلي "المستعمرة" قبل ما يقرب من 10 سنوات، عندما التقى بمرضى الجذام المنعزلين داخل مستعمرة بعيدا عن أسرهم وتأثر بحكاياتهم وتفاصيل حياتهم الصعبة.

اختار شوقي أن يكون بطل فيلمه الروائي، شخص غير محترف التمثيل متعافي من المرض لكن الأثر لا يزال محفورا على وجهه. راضي جمال الذي يجسد دور "بيشاي"، رجل أسمر، قصير القامة، تضررت ملامحه وتلفت أطرافه بفعل المرض. وبعدما أخذت منه الحياة زوجته، قرر خوض رحلة للبحث عن عائلته في محافظة قنا حتى يجد من يتذكره بعد أن يموت. يشاركه في الرحلة، طفل يدعى "أوباما" تجمعهما حالة الهجر؛ فالأول هجرته عائلته في الصغر أمام مستعمرة الجذام، والثاني هجرته أسرته دون إرادة بسبب الموت فأصبح يتيما. ومعهما حمار هزيل يجرهما بعربة حتى منتصف الرحلة ثم يموت في سلام.

ينجح شوقي في دفعك إلى التعلق بـ"بيشاي" وعدم الشعور بأي شيء سلبي تجاه مظهره الخارجي، كما أنه لا ينزلق في فخ استدرار التعاطف، لأنه يقدم بطله في إطار الرحلة الخطرة غير محسوبة النتائج التي قرر خوضها بمحض إرادته حتى وأن كانت التجربة تتضمن تفاصيل مؤلمة. ليخفف من حدة الموضوع الجاد وليبتعد أيضًا عن الشكل الوثائقي، قرر الاعتماد على مواقف كوميدية يتعرض لها البطلان خلال الرحلة. هذا الاختيار جعل بعض الأحداث متوقعة، صحيح أنها لم تقلل من الحماس تجاه متابعة البطل في مغامرته إلا أنها أضعفت من حالة التلامس والتماهي مع القصة.

مع ذلك، لم يكتف شوقي بحالة التهميش التي يعاني منها بطليه، واختار أن يجعل كل ما يحيط بهما مثلهما. فتشابهت الأماكن التي تردد عليها الشريكان في الرحلة مع وضعهما؛ فهي أماكن تعاني من الإهمال والفقر لدرجة أن الأشخاص الأصحاء الذين يتمتعون بحياة أكثر طبيعية يظهرون في حالة سيئة ومزرية، لكن كل منهم يشعر بأهميته عن الآخر وكأنهم يستمدون قوتهم من الأضعف والأقل حيلة. في المقابل، شعر بمأساتهما رجال يعانون مثلهما من اضطهاد المجتمع وتهميشه بسبب عدم تمتعهم بالشكل الخارجي المثالي.

رغم قوة الموضوع وجرأة تناوله، حافظ الفيلم على البعد عن جمل الوعظ والمباشرة في الرسالة حتى الربع الأخير منه. لكن مع قرب انتهاء الرحلة، بدأ الحوار يتخذ منحنى يشرح الفكرة ومعنى المساواة بين البشر جميعا وتقبل الاختلافات مهما كانت، وكأن أحداث الفيلم واسمه الذي يشير إلى تحقق المساواة والعدالة بين الناس في يوم الحساب، غير كافيين لفهم المعنى المقصود.

في المجمل، فيلم "يوم الدين" عمل يؤكد أننا أمام مخرج لديه مشروع سينمائي قوي ومختلف عن الرائج في الوقت الحالي، لأنه تمكن من صناعة فيلم مصري للغاية يحمل الكثير من التفاصيل المحلية، لكنه قادر على الوصول إلى محبي السينما ومتابعيها في مختلف دول العالم.

اقرأ أيضًا:
الفيلم المصري في مهرجان كان: "يوم الدين".. في عذوبة السينما ومدح المنبوذين

رسالة كان- تفاصيل صناعة الفيلم المصري "يوم الدين".. الرفض من مهرجانات كثيرة وقصة حب خلف الكاميرا