12 فيلما يجب مشاهدتها في أيام قرطاج السينمائية 2017

تاريخ النشر: الخميس، 2 نوفمبر، 2017 | آخر تحديث:
أفلام أيام قرطاج السينمائية 2017

بإدارة جديدة تعود الأيام السينمائية، وبتوجه جديد يستعيد تقاليد المهرجان العريق، فيضع السينما العربية والأفريقية في بؤرة الاهتمام بعد أعوام سعى المهرجان خلالها لصياغة أكثر دولية، جعلته موضعاً لبعض الانتقادات من المعتزين بهوية المهرجان الذي كان وظل هدفه الأساسي هو الانتصار للسينما المجهولة والمظلومة والمغايرة.

كالعادة وللعام الرابع على التوالي نضع هذه القائمة التي تضم ترشيحات شخصية قائمة على المشاهدات في مهرجانات سابقة، وعددها في أيام قرطاج السينمائية هذا العام أثني عشر فيلماً، لا يجب أن تضيع مشاهدتها على من يحضر الأيام السينمائية الممتعة.

قضية رقم 23 The Insult (لبنان)

بيان يغاضب يُطالب بحذف فيلم زياد دويري من قائمة أفلام الأيام السينمائية جعله يصعد لصدارة هذه القائمة، بعد أن صار ـ حرفياً ـ هو الفيلم المشكلة أينما ذهب. ربما لم يتوقع صاحب "بيروت الغربية" أن يعُاد فتح ملف تصوير بعض مشاهد فيلمه السابق "الصدمة" في إسرائيل من أجل المطالبة بمقاطعة ومنع فيلمه الجديد. لكنه بالتأكيد كان يعلم أن "قضية رقم 23" سيكون فيلماً إشكالياً بغض النظر عن سيرة مخرجه؛ فالفيلم يفتح جرحاً يحاول الجميع إقناعنا ـ كذباً ـ إنه قد اندمل، بينما تقطع كل الشواهد وردود الأفعال أن النار لا تزال تحت الرماد بين مسيحيي لبنان والفلسطينيين المقيمين بها. ماض مخيف مسكوت عنه يفتحه شجار بسيط بين رجلين يحمل كلاً منهما على ظهره صليب ذكريات الدم والرصاص.

فيليستي Félicité (السنغال)

العام السينمائي افتتح بمفاجأة تتويج المخرج السنغالي الفرنسي الآن جوميس بدب برلين الفضي عن فيلمه الجديد، الذي زار فيه كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية ليروي فيها حكاية من جزئين عن فيليسيتي، المرأة القوية التي تعمل مغنية في حانات محلية، وتنقلب حياتها رأساً على عقب عندما يأتيها خبر تعرض ابنها الوحيد لحادث مروع يحتاج مبلغ طائل للعلاج من تبعاته. الجزء الأول من الفيلم تشويقي استكشافي، تتنقل فيه البطلة في المدينة طارقة كل الأبواب الممكنة من أجل إنقاذ وحيدها، مستكشفة كينشاسا كمدينة قاسية بما تضمه من فساد ومصاعب وهموم لا تنته. قبل أن يتغير شكل السرد في النصف الثاني ليصير أكثر شعرية وأخف ظلاً، بعدما يعود الصبي إلى المنزل تزامناً مع تقرب رجل لفيليسيتي ومحاولته لكسر الحاجز النفسي الذي ضربه الصبي حول نفسه بعد الحادث.

شيخ جاكسون (مصر)

فيلم المخرج عمرو سلامة الخامس هو إنتاجات السينما المصرية للعام الحالي بلا جدال. فهو الفيلم المصري الوحيد الذي تم اختياره في برنامج رسمي لأحد المهرجانات الدولية الكبرى باختتامه عروض مهرجان تورنتو الخاصة، وهو المرشح المصري للأوسكار، وهو العمل الذي انقسمت الآراء حوله كثيراً بين مغرم وكاره. لكن الأهم من كل ما سبق هو الفيلم نفسه، فهو أفضل وأنضج أعمال مخرجه على الإطلاق، على مستوى تعامله الناضج مع فكرة قد توحي للوهلة الأولى بالسطحية (شيخ سلفي يستعيد ذكريات مراهقة كان متيماً فيها بمايكل جاكسون)، ومزجه بين الخاص والعام في حكاية تمتلك كل سمات الذاتية لكنها لا تصرح بذلك أبداً، ودخوله الكاشف ـ والمتفهم ـ لعالم السلفيين الكاريكاتوري الذي نشاهد حقيقته على الشاشة للمرة الأولى بلا تكليش أو نظرة سياحية.

المُربع The Square (السويد)

لا يمكن بالطبع ألا يوضع الفيلم المرصع بسعفة كان الذهبية ـ أرفع الجوائز السنوية تقديراً ـ في هذه القائمة. الإسباني الكبير بيدرو ألمودوفار رئيس لجنة تحكيم مهرجان كان الأخير وصف الفيلم بعدما توجته لجنته بالسعفة بأنه "فيلم عن ديكتاتورية الصواب السياسي، السلاح الشنيع والمخيف الذي يقمع أي رأي مخالف". عبارة تلخص بشكل كبير جوهر فيلم السويدي الموهوب روبن أوستلوند المُقسم لما يشبه الفصول، أو الاسكتشات المشهدية الطويلة التي توضع فيها إنسانية الشخصيات ـ وعلى رأسها البطل مدير المتحف ـ على المحك. النتيجة هي سخرية بعد حداثية من مجتمع ما بعد الحداثة، من إنسانية مدعاة يرفعها الكوكب شعاراً له تسقط عند أول اختبار حقيقي، ومن توحش فطري ينتظر الفرصة ليقفز في الوجوه مطيحاً بكل أقنعة التمدن والحضارة.

على كف عفريت (تونس)

أهم الأفلام التونسية التي عُرضت خلال العام الحالي وأكثرها إثارة للجدل، فقد تم اختياره للمشاركة في مسابقة "نظرة ما" بمهرجان كان السبعين، ودار نقاش كبير ليس فقط عن حكايته المأخوذة عن واقعة حقيقية عن تعرض فتاة جامعية للاغتصاب من قبل رجال أمن، ولكن أيضاً على مستوى اختيار المخرجة كوثر بن هنية أن تروي حكايتها في صورة تسعة لقطات طويلة يُشكل كل منها مشهداً أو تتابعاً. اختيار له بالتأكيد قيمة وتأثير على شكل التفاعل الذي يخلقه الفيلم مع المشاهدين، بما يجعل من "على كف عفريت" تجربة سينمائية تستحق النقاش سواء على صعيد المحتوى أو الصناعة والشكل السينمائي، في أي مكان بالعالم وفي تونس تحديداً.

الجانب الآخر للأمل The Other Side of Hope (فنلندا)

رغم إنه أحد أهم وأنضج الأفلام التي تناولت قضية اللاجئين، إلا أن فيلم المخضرم آكي كوريسماكي المتوج بجائزة الإخراج في برليناله ليس بالضبط عن اللاجئين، بل هو بالأساس عن الإنسانية التي لا ينبغي أن نسمح للمتغيرات السياسية أن تفقدنا إياها. مهاجر سوري غير شرعي يصل هلسنكي داخل شحنة فحم، يُرفض طلبه باللجوء فيهرب ليساعده رجل فنلندي ستيني ترك مهنته وقرر أن يشتري مطعماً ليديره. وعبر الصداقة غريبة الأطوار التي تنشأ بين المهاجر خالد ورب العمل ويكستروم وأربع شخصيات أخرى، يستخدم المخرج المخضرم لغته السينمائية المعتادة بمواقفها الكوميدية الهادئة والهازئة بالعالم، بتكويناته وديكوراته التي تعيد العالم كله ثلاثة عقود للخلف. ليصنع كوريسماكي فيلماً السياسة داخله بشكل عضوي طبقاً لموضوعه، لكنه لا ينشغل بها قدر انشغاله بالبشر، تماماً ككل أفلام مخرجه.

120 دقة في الدقيقة 120 Beats Per Minute (فرنسا)

عندما تقرأ ملخص فيلم يتحدث عن "آكت أب" أحد أنشط الجماعات التي نشطت في تسعينيات القرن الماضي بفرنسا، للمطالبة بحقوق مرضى الأيدز والتوعية من أخطار المرض، فمن الطبيعي أن تتوقع فيلماً من أفلام القضية التقليدية، لكن مشاهدة فيلم المخرج روبن كامبيلو تؤكد أن التوقعات كثيراً ما تكون عدواً للسينما. الفيلم المتوج بجائزة مهرجان كان الكبرى "جران بري" عمل بالغ الحميمية، متدفق الإيقاع، يمتلك نصاً مؤثراً وفريق ممثلين استثنائي. فيلم خال تماماً من الموائمات الأخلاقية، فرنسي بامتياز، لا يختبأ خلف أقنعة ويقولها بوضوح: من حق الإنسان اختيار ميوله الجنسية، من حق المريض تلقي العلاج، من حق المراهقين أن يوجد من يوجههم للجنس الآمن فلا يجد مراهق نفسه مصاباً بالفيروس المخيف، من حق من تورط في المخدرات أن يعثر على محاقن نظيفة حتى لا يقتله الإيدز قبل الإدمان. من حق الإنسان عموماً ألا يرتبط الحفاظ على حياته بتقييم أخلاقه وتصرفاته، وهذا موقف بالغ النبل لا يبدو أننا سنعيش لنرى من يأمن لإدراجه في فيلم آت من منطقتنا.

اصطياد أشباح (فلسطين)

في فيلمه المتوج بجائزة أفضل وثائقي في مهرجان برلين، يجمع المخرج رائد أنضوني سجناء سابقين في سجن مسكوبية بالقدس، ليعيدوا معاً بناء السجن من ذاكرة تشكلت بينما كان أعين أصحابها مغطاة طوال فترة احتجازهم داخل السجن الاسرائيلي. ليكون الفيلم ليس عن الذاكرة أو عما حدث داخل مسكوبية، وإنما عن تبعات هذا في أرواح الشخصيات، كيف خلقت التجربة شخصية جمعية تضمهم جميعاً، شخصية مرجعها الأول هو التخلي عن كل الأقنعة التي يرتديها البشر ـ والرجال خصوصاً ـ خلال تعاملهم مع الآخرين. داخل السجن تسقط أقنعة الذكورة الاعتيادة وتحل محلها صداقة متينة ممزوجة بالدم والعرق والأنين، مع كثير من المناوشات والسخرية وأحياناً الشجار الذي لا يُفسد الود. استحضار للماضي تتجلى في لحظات صدام ينشب تلقائياً بين بعضهم، لا لشيء إلا لتثبت أن كل التنكيل لم ينجح في أن يكسر نفوس من تعرضوا له.

ابن صوفيا Son of Sofia (اليونان)

عندما منحته لجنة تحكيم مهرجان ترايبكا جائزتها الخاصة وصفت اللجنة فيلم المخرجة إيلينا بسيكو الثاني بأنه "من بين أفلام المسابقة كان العمل الذي دفع اللجنة للتفكير في أنهم لم يروا شيئاً مثله من قبل". المخرجة المختارة من قبل مجلة فارايتي كواحدة من عشر مخرجين أوروبيين يجب متابعتهم تقدم في فيلمها الثاني حكاية تمزج الواقع بالفانتازيا، حول طفل روسي يموت والده ويضطر للانتقال مع والدته إلى اليونان. وبينما تستعد الدولة لاستقبال دورة الألعاب الأوليمبية عام 2004، يشتبك واقع الطفل ميشا الجديد الذي لا يريد قبوله، مع ما يدور في العالم حوله من أحداث ورياضة وموسيقى وتلفزيون، ليتداخل العام في الخاص، ويخوض الطفل تجربة نضج شاقة وشائقة صنعت أحد أغرب التجارب السينمائية في 2017، إن لم تكن الأغرب على الإطلاق.

عرق الشتاء (المغرب)

بعد انطلاقه من مهرجان تورنتو العام الماضي قطع المخرج حكيم بلعباس بفيلمه الجديد رحلة ضخمة بين عشرات المهرجانات جعلته أحد أكثر الأفلام العربية جاذبية للمهرجانات خلال العام، والسبب يرجع للفيلم نفسه، ففيه يبرع بلعباس في تقديم ما هو معتاد بصورة غير معتادة على الإطلاق. المعتاد هو حكاية أسرة فقيرة تعيش في قرية مغربية، أب وأم وجد وحفيد مصاب بمتلازمة داون (منغولي)، يعانون من ضيق الحال ودين لابد من سداده، مما يدفع الأب لاتخاذ تضحية كبيرة. بلعباس يبرع في تقديم الحكاية التي شاهدناها من قبل بشعرية بصرية، تحوّل الطبيعة الريفية والجسد البشري موتيفات جمالية مشغولة في لوحات تتبادل بين الواقعي الخشن والسوريالي الحالم، بإيقاع يسير برتابة لا يشوبها الملل، بل هي مستمدة من العالم الفيلمي بمعنييه: عالم الحياة القروية وعالم الشخصيات الداخلي.

أخضر يابس (مصر)

في عروض أيام قرطاج السينمائية الرسمية خارج المسابقة يأتي هذا الفيلم العذب على إيلامه، والذي قام مخرجه محمد حماد بتمويله على نفقته الخاصة ليشق طريقه إلى مهرجان لوكارنو ومنه للتويج بجائزة الإخراج في مهرجان دبي الآخر. في "أخضر يابس" يقدم حماد مرثية رقيقة لطبقة اجتماعية مصرية كاملة، كُتب على أبنائها ـ أو بناتها إن أردنا الدقة ـ أن تتيبسن تدريجياً مع مرور زمن لا يملكن أمامه إلا محاولة النجاة دوم أمل في سعادة أو راحة آتية. هذا فيلم بليغ سينمائياً، يمضي في طريقه بتأنٍ وانضباط، دون أن ينجرف ولو مرة ناحية الابتزاز العاطفي أو المبالغة في قيمة الأحداث درامياً، بل يبقى كل حدث على حدة محتفظاً بحجمه الواقعي: حدث صغير يُحدث ألماً كبيراً في نفس فتاة لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الضربات.

قطار الملح والسكر The Train of Salt and Sugar (موزمبيق)

في أحد الأحاديث الصحافية عدد مدير الأيام السينمائية نجيب عياد أسباب انحسار تأثير الأيام الأفريقية في المهرجان خلال الدورات الماضية وعلى رأسها تناقص الإنتاج الأفريقي الجيد. حسناً، هذا أحد الأفلام القليلة الجيدة بحق. فيلم كبير الإنتاج والطموح استفاد من الإنتاج الأوروبي المشترك لصياغة حكاية مستندة لاصل حقيقي مؤلم. ففي وقت الحرب الأهلية في موزمبيق كان القطار الوحيد الذي يغادر البلاد إلى مالاوي هو قطار نقل الملح والسكر الذي يُمنع دخول المدنيين إليه. رغم ذلك، يغامر المئات يومياً بالتسلل للقطار أملاً في الهرب من واقعهم المؤلم، ليتعرضوا طوال طريق يمتد أكثر من 700 كيلومتر لعقبات ومصاعب متوالية. فيلم طريق متعدد الشخصيات بصبغة أمريكية بعض الشيء، يصنع صورة للسينما الأفريقية عندما تكون ممتعة.

اقرأ أيضًا:
"قضية رقم 23".. المحاكمة داخل الفيلم وخارجه

"شيخ جاكسون".. كيف يفتح الفن جروحنا وكيف يداويها؟