أمل مجدي
أمل مجدي تاريخ النشر: الخميس، 11 مايو، 2017 | آخر تحديث:
بيزنس كالعادة

مصطلحات رنانة مثل صراع الثقافات بين الشرق والغرب والبحث عن هوية والصدامات الفكرية والدينية تتحول ببراعة إلى صورة حية متجسدة في شخص حائر يحاول اكتشاف ذاته وعائلته الممزقة بين أم هولندية وأب تونسي، وذلك على يد المخرج أليكس بيتسترا من خلال فيلمه التسجيلي "بيزنيس كالعادة"، الذي يعرض ضمن مهرجان أيام القاهرة السينمائية بسينما زاوية.

تظهر أولى علامات أزمة الهوية التي يعيشها بيتسترا مع بداية الفيلم وظهور الأسماء عندما يكتب على الشاشة اسمه " كريم الكسندر بن حسن" وهو الاسم الذي اختاره له والده، ثم يحذف اسم "كريم بن حسن" ويصبح "أليكس بيتسترا" نسبة إلى اسم عائلة والدته.

يأخذنا المخرج في رحلة من هولندا إلى تونس، حيث يلتقي والده الذي لم يراه منذ أن كان طفلًا. فيذهب إلى سوسة المدينة التونسية الساحلية التي كانت بداية كل شيء قبل 25 عامًا، عندما التقى والده "محسن" سائحة هولندية جاءت في عطلة للتغلب على مأساة زواجها الأول وحرمانها من طفليها. يصطحبها إلى كل الأماكن السياحية وتنشأ بينهما علاقة ويسافران معًا إلى هولندا ولكن سرعان ما تظهر الاختلافات بينهما وينفصلا بعد تدخل الشرطة.

يكشف لنا بيتسترا عن نوع من التجارة الرابحة التي تعيش عليها عائلته التونسية الكبيرة وعدد من العائلات الفقيرة التي تعمل بالسياحة؛ فالهدف هو أن يلتقي الشباب بالسائحات الأوروبيات ويخرجون معهن وتنشأ بينهم علاقة جنسية مقابل الحصول على الهدايا والأموال، ومن هم أفضل حظًا ينالون فرصة السفر إلى الخارج. الغريب في الأمر هو أن سيدات هذه العائلات يوافقن على ما يفعله أشقائهن بل يتمنين أن يحظى أولادهن من الذكور بفرص مماثلة.



"أنا نتاج هذه العلاقة!"، هكذا يصف بيتسترا شعوره تجاه أسرته وتحديدًا والده، الذي لديه ابنة أخرى تدعى "ياسمين" أنجبها من سائحة سويسرية التقى بها بنفس الطريقة، لكن حظها كان أسوأ لأنه عندما سافر معها إلى بلدها أساء معاملتها؛ إذ بدأ في ضربها وفرض عليها أسلوب حياة بدائي مثل أن يتناول الطعام هو أولًا ثم تأكل هي بعده متحججًا أن هذه عادات إسلامية يجب أن تتبعها.

يسعى المخرج طوال الفيلم إلى التركيز على التناقضات التي تحملها شخصية "محسن" وتحديدًا تدينه الزائف، فمثلا يحاول إقناعه بالتحول إلى الإسلام معتمدًا على أساليب ساذجة، لكنه لا يجد حرج في عمله هو وأشقائه والكثير من أصدقائه، بل يتباهون بأنهم صادقوا الكثير من السائحات وأنجبوا منهن الأولاد.

يمنحك الفيلم لحظات من الاستبصار تظهر الاختلاف في الموروثات الثقافية والفكرية بين الأوربيين والعرب، ويدلل على ذلك من خلال عدد من المواقف منها عندما يصرح الأب بأنه لا يرى أزمة في طلب المال أو المساعدة من أولاده لأن هذا واجبهما!، فيما تختلف معه ابنته السويسرية وتقول "هذا ليس من شأننا، في بلادنا عليك أن تفكر أنت في مستقبلك وأيامك الأخيرة".

يفهم بيتسترا مع الوقت أن علاقته هو شقيقته بوالدهما تقوم على أساس المنفعة والحب المشروط؛ فهما بالنسبة له حساب في بنك أوروبي فتحه منذ سنوات كثيرة ويرغب الآن في استعادة مدخراته، صحيح أنه يحسن معاملتهما عندما يزوراه لكنه أيضًا تواصل معهما في الأساس لرغبته في الحصول على أموال وهدايا له ولعائلته.

استخدم المخرج عناصر حقيقية منحت الفيلم الكثير من المصداقية وساعدت على إظهار حيرته وتشتته تجاه طبيعة علاقته بوالده على مدار السنوات العشر الأخيرة، لكن كان من الأفضل أن يركز على هذه العلاقة والموضوعات الجدلية التي تثيرها بصورة أعمق دون الغوص في لم شمل باقي أفراد العائلة من الأوروبيين.

اقرأ أيضًا:
مهرجان أيام القاهرة السينمائية- تعرف على عروض سينما زاوية والمحافظات اليوم.. لقاء مع المخرج يسري نصر الله

"نحبك هادي".. عندما تنتقل الثورة إلى حياتنا

فيلم "نحبك هادي" يفتتح مهرجان أيام القاهرة بسينما زاوية