هل حاولت يوماً أن تقنع طفلك بقراءة أشعار صلاح جاهين؟ أو أن تدفعه للاستماع لألحان العبقري سيد مكاوي؟ هل كان رد فعله أكثر من التعجب لسؤالك بقوله "مين دول يا بابا"؟!
قليلاً ما نجد قواسم مشتركة بين الأجيال المتعاقبة ، خاصة أنها تتغير بسرعة الصاروخ ، لكن العجيب أنك حينما تتابع عرض لأوبريت "الليلة الكبيرة" سرعان ما تجد هذه القواسم تعود لتظهر على الوجوه.
حضرت مؤخراً أوبريت "الليلة الكبيرة" الذي شهد تعاون بين المبدع صلاح جاهين والعبقري سيد مكاوي ، لأشهد قاعة ممتلئة عن آخرها بالكبار والصغار ، وقد يكون الآباء اصطحبوا صغارهم لمتابعة أشهر أوبريت قدمه مسرح العرائس المصري حتى الآن ، لكن الواقع كان شيئاً آخر.
فحينما بدأت العرائس الصغيرة تظهر على المسرح البسيط الذي أعد في وكالة الغوري بالحسين تكتشف أن الآباء لم يصطحبوا أبناءهم لمشاهدة العرض فقط ولكن ليشاركوهم ذكريات الماضي.
وكالعادة ، ارتسمت الفرحة والسعادة على وجوه الصغار خلال متابعتهم للعرض الراقص للعرائس ، لكن النظرة الأعمق كانت على وجوه الآباء ، نظرات ملؤها الإعجاب والتقدير لفن عاش عبر الأجيال ، والحنين لزمن بعيد يتمنى أن يعود.
قد تكون الفجوة بين الأجيال تتسع يوماً بعد يوم ، لكن أوبريت "الليلة الكبيرة" أكبر دليل على أن الفن الجيد يجمع بين الأجيال ، فعلى الأرجح حينما تعاون سيد مكاوي مع صلاح جاهين في هذا الأوبريت لم يتوقعاً أن يدوم هذا العمل لأكثر من نصف قرن من الزمان.
ولكن حينما ننظر لهذا الأوبريت العظيم نجد أن مسرح العرائس المصري لم يقدم على مدى خمسين عاماً ما يوازي هذا الأوبريت ، وقد يكون هذا راجعاً لقلة الإهتمام بالوسائل الترفيهية للأطفال!
وعلى الرغم من أن البعض قد يرى أوبريت "الليلة الكبيرة" ماهو إلا أوبريت غنائي إلا أنه قدم وصفاً تفصيلياً لواحدة من أهم الظواهر المميزة للشعب المصري ألا وهو "المولد".
ولكن للأسف لم يستمر النشاط الفني لمسرح العرائس في الإستفادة من هذه الطفرة الفنية التي قُدمت له على طبق من ذهب ، آخذاً في التضاؤل بصورة تدريجية حتى أوشك على الإختفاء ، ليقدم عروضاً أقل بكثير من مستوى تفكير الطفل العادي ، الذي جعلها بالتالي آخر إختياراته الترفيهية!
أوبريت الليلة الكبيرة لم يكن مجرد عمل موسيقي حظى بالإعجاب والتقدير من مختلف الأجيال ، لكنه كان نقطة تحول في تاريخ مسرح العرائس المصري ، وفي نفس الوقت كانت للأسف نقطة توقف!