مذبحة النرويج 2011- فيلمان عن نفس الحادث الدموي واختلافات كثيرة

تاريخ النشر: الاثنين، 22 أكتوبر، 2018 | آخر تحديث:
فيلمان عن مذبحة النرويج

الأحداث السياسية على مدار التاريخ تعتبر مادة خصبة بالنسبة لصناع الأفلام يرغبون في تناولها وعرض وجهة نظرهم عنها. ويعد عام 2011 من الأعوام التي شهدت أحداثا كثيرة في مختلف أنحاء العالم؛ ففي الوقت الذي انطلقت فيه ثورات الربيع العربي في الشرق، كان الغرب يعيش حالة من الصعود المتنامي لقوى اليمين المتطرف خاصة مع زيادة نسبة المهاجرين إلى أوروبا.

وقد كان من بين الأحداث المأسوية التي عرفها العالم في العام المذكور، حادث الهجوم الإرهابي الذي نفذه اليميني المتطرف أندريس بهرنج بريفيك في النرويج، وراح ضحيته 77 قتيلا فيما أصيب أكثر من 200 شخص بإصابات بالغة الخطورة.

بالطبع، حرص كثيرون من صناع الأفلام التسجيلية على تناول المأساة من جوانب مختلفة تتعرض إلى تفاصيل الحادث والأسباب التي دفعت بريفيك إلى ارتكابه، ومسؤولية الحكومة ومدى كفاءتها في التعامل مع الأعمال الإرهابية، إلى جانب توثيق روايات الناجين وأسر الضحايا وأصدقائهم.

خلال العام الجاري، تم إنتاج فيلمين روائيين عن الحادث لكل منهما أسلوب ووجهة نظر مختلفة. الأول يحمل اسم Utøya: July 22 للمخرج النرويجي إريك بوبا، وقد شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي في دورته الـ68. الفيلم الثاني يعرف بـJuly 22 للمخرج البريطاني بول جرينجراس، وكان بين أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي في دورته الـ75.

الاختلاف بين الفكرتين

الأول ناطق باللغة النرويجية، يبدأ بلقطات سريعة لتفجير سيارة مفخخة تركها بريفيك قرب مجمع المكاتب الحكومية في وسط أوسلو، ونتج عنها مقتل 8 أشخاص، ثم ينتقل مباشرة إلى الحدث الرئيسي المعروف باسم مجزرة أوتويا. يركز الفيلم على فتاة في عمر المراهقة تدعى "كايا"، تحاول النجاة بحياتها والعثور على شقيقتها الصغرى أثناء التعرض للهجوم المسلح.

الفيلم الثاني الناطق بالإنجليزية من توزيع شبكة Netflix، ويعتمد على ممثلين من النرويج. تنطلق أحداثه من ليلة 21 يوليو 2011، ويرصد تحركات المتطرف اليميني بداية من تحضيره للمتفجرات في العربة المفخخة وتركها في اليوم التالي في العاصمة أوسلو، مرورا بتسلله في زي شرطي إلى المعسكر الصيفي السنوي الذي ينظمه حزب العمال الحاكم في جزيرة أوتويا وإطلاقه الرصاص على المراهقين، ثم القبض عليه وتفاصيل محاكمته حتى صدور الحكم النهائي. ذلك بالتوازي مع تتبع حياة أسرة من أسر الناجين من المجزرة، حيث يحاول الأب والأم مساعدة نجليهما على تحمل الأضرار الجسدية والنفسية المؤلمة ومواجهتها.

تباين الأسلوب

تميز تصوير فيلم Utøya: July 22 بأنه مكون من لقطة واحدة ممتدة ترصد الأهوال التي وقعت على الجزيرة في ذاك اليوم واستمرت لمدة 72 دقيقة. اهتم المخرج بنقل حالة الهلع التي انتابت المراهقين منذ سمع طلقات الرصاص التي لا يعرفون مصدرها، ثم محاولاتهم للبحث عن أماكن للاختباء وراء الأشجار أو ناحية الماء.

تجنب بوبي ظهور بريفيك بوضوح أمام الكاميرا، ربما لرغبته في التركيز على الضغوط النفسية والعصبية التي عاشها كل من تواجد على أرض الجزيرة في هذا اليوم المشؤوم. ومن المحتمل أيضًا أن يكون محاولة لتجاهله عن قصد بعدما نال قدرا كبيرا من الاهتمام الإعلامي في السنوات الأخيرة. في كلتا الحالتين، ساعد الأمر على زيادة معدل الخوف والقلق، لأن في أحيان كثيرة إخفاء مصدر الخطر يضاعف من حجم تأثيره على النفس.

في المقابل، فيلم 22 July المستند على كتاب يحمل اسم One of Us: The Story of Anders Breivik and the Massacre in Norway، اختار إلقاء نظرة أشمل وأكثر تقليدية على الحادث. فقد صور المجزرة نفسها وكأنها لم تستغرق سوى 20 دقيقة، وآثر التركيز على تبعات المأساة وكيف تعايش الجميع في النرويج معها.

فضل جرينجراس أن يمنح لبريفيك صوتا للتعبير عن أفكاره المتطرفة محاولا البحث عن إجابات تفسر سبب قيامه بهذا الفعل الدموي. كما انشغل بتوضيح أثر هذه المعتقدات على حياة الآخرين، يتخلى ذلك في مشهد لجلسة استماع يتحدث فيها أحد الناجين عن الألم الذي يعانيه يوميا منذ الحادث.

المختلف في الفيلم الثاني دور المحامي المنوط بالدفاع عن الجاني، الذي -وفقا للفيلم- لا يمكنه رفض طلب موكله. هذا الرجل يصبح في حالة صراع دائمة. فهناك صراع داخلي بين رفض ما فعله بريفيك وبين الواجب المهني، وصراع خارجي متعلق بحماية أسرته ومواجهة التهديدات التي يتلقاها من قبل الغاضبين. وبالتالي، يثير تساؤلات حول أحقية المجرم في منظومة عادلة تضمن له حقوقه، منظومة في الأساس يحاربها ويحاول تدميرها، ويدفع إلى التفكير في حجم الضغوطات التي يفرضها المجتمع أحيانا على شخص بسبب عدم توافق موقفه ظاهريا مع رأي الغالبية.

موقف الناجين من الحادث

أكد مخرج Utøya: July 22 أن أحداث الفيلم مستندة على حوارات أجراها مع عدد من الناجين من الحادث. وربما لهذا السبب، فضل غالبيتهم الفيلم الأول على الثاني.

قالت إيما مارتينوفيك، أصيبت برصاصة في ذراعها آنذاك، إن فيلم جرينجراس لم ينجح في التعبير عن الإرهاب الذي وقع في ذاك اليوم، كما أنه قدم عددا من المعلومات الخاطئة.

وذكرت خلال حوارها مع موقع News.com الأسترالي أن الحادث يبدو في الفيلم كأنه استغرق 10 دقائق فقط وأن الشرطة وصلت سريعا، وهذا لم يحدث في الواقع.

وشددت على أنها متفهمة تماما لطبيعة العمل السينمائي، لكن ذلك لم يمنعها من التساؤل هو سبب استبعاد تفاصيل مهمة. ولفتت إلى أنها لن تسمح لأولادها بمشاهدة الفيلم قبل أن يعرفوا جيدا حقيقة ما حدث في الواقع.

لارا رشيد، ناجية فقدت أختها الكبرى بانو، تحدثت عن موقفها من الفيلمين مع صحيفة The Observer، موضحة أنهما أغفلا أجزاء مهمة من الحدث الحقيقي. لكن في الوقت نفسه، أشادت بتركيزهما على خطورة الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة على المجتمعات.

انتقدت رشيد فيلم المخرج بول جرينجراس، لعدم اهتمامه بالتنوع العرقي في اختيار شخصياته الأساسية، إلى جانب تجاهل نقطة كره بريفيك للنساء، وكيف أثرت شهادة بعض الفتيات في الحكم عليه بأقصى عقوبة في القانون النرويجي. جدير بالذكر أن فيلم july 22 يتضمن وجود شخصية لفتاة مهاجرة ناجية من الحادث، تدلي بشهادتها ضد الجاني خلال جلسة استماع.

وأضافت رشيد أن فيلم بوبا أقرب إلى الحقيقة لأنه عبر عما عاشته في هذا اليوم العصيب، كما أبدت إعجابها بتركيزه على الضحايا أكثر من الجاني.
واختتمت حديثها أن هذه الذكرى الأليمة يجب أن تظل حية حتى لا ينساها الناس مع مرور الزمن، لأن على الجميع معرفة أن الإرهاب غير قاصر على دين بعينه.

في النهاية، يقدم كل من الفيلمين معالجة مختلفة لحدث خطير، لكن تتفوق النسخة النرويجية الخالصة نظرا لتركيزها على فكرة محددة متبعة أسلوب سينمائي مميز، على عكس النسخة البريطانية الأمريكية التي حرصت على عرض كافة وجهات النظر دون بوصلة واضحة.

اقرأ أيضًا:

افتتاحية Halloween ترعب شباك التذاكر الأمريكي.. برادلي كوبر يتفوق على توم هاردي لأول مرة

اختيارات النقاد- ما هو أفضل فيلم سيرة ذاتية في التاريخ؟ (2)