الفيلم السوري "يوم أضعت ظلي".. عندما يفقد المرء روحه

تاريخ النشر: الأحد، 23 سبتمبر، 2018 | آخر تحديث:
فيلم "يوم أضعت ظلي"

منذ اندلاع الحرب في سوريا قبل 7 سنوات، أصبح من المعتاد طرح أفلام تسجيلية وروائية تتناول حالة الرعب والدمار التي يعيشها السوريون في كل لحظة، وترصد التغيرات التي طرأت على حياتهم وحولتها إلى مجموعة من المواقف القاسية والمآسي المستمرة. وقد اختار كثيرون من صناع السينما السورية أن يعبروا عن واقعهم الأليم من خلال الصورة، سواء بأسلوب مباشر أو رمزي.

هذا العام، يعد الفيلم الروائي الأول للمخرجة سؤدد كعدان، "يوم أضعت ظلي"، من أبرز الأفلام التي تستعرض الأوضاع في سوريا من منظور إنساني شاعري بعيد عن المبالغات الفجة. أهمية الفيلم غير قاصرة على كونه متوج بجائزة أسد المستقبل في الدورة الأخيرة لمهرجان فينيسيا السينمائي، وإنما لأنه يستند على تجربة شخصية لمخرجته التي غادرت موطنها الأصلي في 2012 وانتقلت للعيش في بيروت.

عتمة الحرب

يتخلى الظل عن الجسم في الظلام إذا كان في منطقة مُعتمة خالية تماماً من الضوء. هذه القاعدة المعروفة كانت الفكرة الرئيسية التي بنت عليها المخرجة فيلمها لتوضح تأثير الحرب وأهوالها على من يعيشونها. في هذا الفيلم، يختفي ظل الأشخاص مع مرورهم بمأساة كبرى تقتل النور بداخلهم، وتجعلهم في حالة من الضياع والتيه غير قادرين على مواصلة الحياة كأن شيئا لم يكن.

اختارت كعدان أن تجعل أحداث فيلمها تدور في نفس العام الذي تركت فيه سوريا، وركزت على "سنا" أم شابة تتولى رعاية طفلها بمفردها، في مدينة دمشق التي باتت محرومة من الخدمات الأساسية. تخرج باحثة عن أسطوانة غاز لإطعام ابنها، وتنطلق في رحلة خطرة بصحبة فتاة وشقيقها بين المدن السورية التي دمرتها الحرب.

قبل رحلتها التي استمرت لمدة 3 أيام بعيدا عن منزلها وابنها، كانت "سنا" تقاوم بكل قوتها تقبل فكرة نشوب الحرب، بل وتحاول التغلب على المعوقات التي تواجهها يوميا على أمل تحسن الأحوال، غير عابئة باتخاذ موقف سياسي يناصر أحد الأطراف. لكنها تصطدم بالواقع في النهاية، وتعرف أن ما حدث ترك أثرا لن يمحى من ذاكرتها.

جميع الشخصيات التي تلتقي بها خلال رحلتها، تخرج إلى الطرقات غير آمنة، لتواجه مصيرا مجهولا مهما تباين سبب الخروج. أحيانا قد يبدو الدافع بسيطا كالحصول على أسطوانة غاز، وأحيان أخرى يصبح خطيرا مثل توصيل مقاطع مصورة لمظاهرات حاشدة، أو المشاركة في مسيرة رافضة للقمع والظلم.

تأثير الظل

رغم تماسك الفكرة الأساسية وإنسانية مضمونها، فإن الفيلم نفسه في بعض المشاهد لا يدفعك إلى التأثر بأحداثه، بل يجعل منك فقط مراقبا لحياة ناس آخرين يواجهون ظروفا عسيرة. لا تتورط كليا مع حكايات الشخصيات أو تنشغل بما تعرضوا له في الماضي. ربما لأن الجميع عدا البطلة الرئيسية لا تتغير تصرفاتهم من البداية حتى النهاية، ومن السهل توقع خطوتهم التالية ورد فعلهم تجاه مختلف الأمور.

وصحيح أن فكرة اختفاء الظل في حد ذاتها تبدو شاعرية للغاية وتعبر ببساطة عن موت الروح قبل موت الجسد في بلد يواجه الرصاص من كل الاتجاهات، فإن أحداث الفيلم، تحديدا في نصفه الثاني، غير آسرة وجدانيا، بل يبقى الشعور المسيطر هو التعاطف مع أزمة نعرفها جيدا من قبل مشاهدة العمل.

لكن يحسب للمخرجة أنها حافظت على الحالة الناعمة التأملية لفيلمها ولم تسع إلى الزج بمشاهد أصبحت معتادة في مثل هذه النوعية من الأفلام مثل التعذيب والاغتصاب.

في النهاية، يبقى الفيلم واحدا من الأفلام الجيدة التي تعبر عن واقع أليم لأناس يفقدون تدريجيا كل شيء من حولهم ويخوضون يوميا معارك كبرى للحصول على أبسط حقوقهم في الحياة. كما يؤكد أن مخرجته لديها بصمة خاصة تمكنها من صناعة عالم يمزج بين الخيال والواقع.

يشارك فيلم "يوم أضعت ظلي" في المسابقة الرسمية لمهرجان الجونة السينمائي في دورته الثانية المنعقدة من 20 إلى 28 سبتمبر الجاري.


اقرأ أيضًا:
لا يفوتك في الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي- 15 فيلما يرشحها لك "في الفن"

الجونة السينمائي 2018- فيلم The Freshman.. الصداقة تنتصر على ضغوط الحياة