الجونة السينمائي 2018- فيلم The Freshman.. الصداقة تنتصر على ضغوط الحياة

تاريخ النشر: الجمعة، 21 سبتمبر، 2018 | آخر تحديث:
لقطة من فيلم The Freshman

"إذا كنت سأصنع فيلما عن حياة شخص ما، فهو بالنهاية سيكون عن حياتي"، هذه واحدة من المقولات الشهيرة التي قالها المخرج الإيطالي فيدريكو فيلليني، الذي يعد واحدا من أكثر السينمائيين عرضا لتفاصيل من حياتهم الشخصية على الشاشة.

يسير المخرج الفرنسي توماس ليلتي على نفس النهج في صناعة أفلامه، وكأنها انعكاس لخلاصة تجاربه كطبيب درس لمدة 10 سنوات، وأصبح ملما بكافة المراحل التي يمر بها من يعملون في مثل هذا المجال. فقد قرر بداية من فيلمه الروائي الطويل الثاني Hippocrates: Diary of a French Doctorأن يقتحم عالم الأطباء العاملين في المستشفيات العامة من خلال عيون متدرب يستكشف هذا المجتمع. ثم خرج من أروقة المباني إلى حياة الريف مع فيلمه الثالث Irreplaceable ليقدم حكاية طبيب مصاب بالسرطان يعثر على طبيبة حديثة التخرج كي تساعده في علاج مرضاه وتحل محله فيما بعد. في أحدث أفلامه The Freshman يعود المخرج إلى سنوات الدراسة ومعاناة المذاكرة التي تتطلب هضم أكبر قدر من المعلومات في وقت قصير.

الفيلم الذي وقع الاختيار عليه ليكون فيلم الافتتاح في الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي، يعرض علاقة صداقة تنشأ بين طالبين في بيئة تنافسية ضاغطة للأعصاب، تنبذ المتكاسلين وأصحاب العزائم الضعيفة، وتدفع المرء إلى الانغلاق على نفسه واعتزال الحياة الاجتماعية حتى الحصول على تقييم عال يؤهل للالتحاق بكلية الطب البشري. البطلان هما "أنطوان" و"بينجامين"، الأول يخوض الاختبارات للمرة الثالثة آملا في أن يصبح واحدا من المتفوقين الذين يقبلون من بين 2500 متقدم، والثاني يجري محاولته الأولى متبعا خطى والده الجراح.

الضغوط التي يتعرض لها البطلان في الفيلم متعددة الجوانب؛ أولها وأوضحها ضغوط الدراسة المتمثلة في الوقوف بالساعات في صفوف للحصول على مقعد جيد في القاعة، وتدقيق المحاضرين في مواعيد دخول المعامل، والامتحانات التجريبية التي تزيد من معدل القلق والتنافس. ثانيها الضغوط العائلية التي يعاني منها الاثنان وسعيهما لإثبات قدراتهما ونفسيهما أمام ذاويهم خوفا من الفشل، إلى جانب الضغوط النفسية التي تصل بـ"أنطوان" حد الانهيار العصبي والدخول إلى المستشفى، فيما يتهرب منها "بنجامين" بتناول الكثير من الطعام محاولا الحفاظ على هدوئه.

تبدو قاعات الدراسة والامتحانات وكأنها أشبه بمعسكر صارم في قوانينه ينفس من خلاله الطلاب عن ضغوطهم بالصيحات العالية والهتافات. يبذل الجميع قصارى جهودهم للالتزام باللوائح، لأن لا يوجد تهاون في الخطأ. فكل شخص يتعرض للطرد، يقدم للآخرين فرصة الاقتراب خطوة نحو الحلم. في هذا الفيلم، كما في الحياة، الشغف ليس كافيا لتحقيق الآمال، الأهم متابعة السير والمثابرة وراء الهدف، لأن الرغبة في الوصول إلى شيء ما لا تعني إدراكه. يقاتل "أنطوان" حتى يلتحق بكلية الطب، فيما يجتهد "بنجامين" كي ينال إعجاب والده دون إلحاح داخلي بامتهان هذا المجال. تسبب المنافسة في ابتعادهما لفترة عن بعضهما، ثم تنتصر صداقتهما في النهاية. لذا، يمكن بسهولة اعتبار هذا الفترة الدراسية الشاقة بمثابة نموذج مصغر لصراعات الأشخاص على المنافع المختلفة في المجتمع، وأن روابطهم الإنسانية هي السبيل الوحيد الذي يحميهم من الحقد والغيرة.

الفيلم الحافل بالمصطلحات الطبية يحمل لمحة كوميدية ذكية؛ تظهر في بعض الأحيان خلال الألعاب التي يبتكرها الطالبان لتحميس نفسيهما تجاه المذاكرة، وتأتي في أحيان أخرى على شكل أغنية إباحية يغنيها المحاضر في قاعة الدراسة. لكن استخدامها في الأساس يظهر مدى حاجة الطلاب لحياة اجتماعية سوية في ظل ضغوط الدراسة.

حرض ليلتي على التصوير من زوايا عالية في قاعات الدراسة والاختبارات ليكشف عن حجم المنافسة وصعوبتها بين المتقدمين. كما استخدم رياضة الركض كعنصر يظهر من خلاله فكرة المنافسة بين الطالبين وكيف أن مساندة أحدهما للآخر في الدراسة قللت من مساحة الفجوة بينهما في الخطوات.

يقدم الفيلم تحية إلى علاقات الصداقة التي في أحيان كثيرة تكون أقوى من رابطة الدم، في إطار حكاية تمس للجميع بدرجات متفاوتة. ليؤكد أن الأفلام الجيدة لا تحتاج إلى قصص مبهرة أو مواضيع صعبة الشرح، لكن يكفي أن تتمتع بالبساطة والصدق في تفاصيلها.

اقرأ أيضًا:
لا يفوتك في الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي- 15 فيلما يرشحها لك "في الفن"

بالصور- إطلالات يسرا ونادية الجندي ودرة وبوسي شلبي في حفل عشاء مهرجان الجونة السينمائي