"الناظر".. حين تنجح في تقديم فيلم يصلح لكل جيل

تاريخ النشر: الأحد، 11 فبراير، 2018 | آخر تحديث:
رسمة كاريكاتيرية لشخصيات فيلم "الناظر"

لا يمكننا أن نذكر اسم علاء ولي الدين دون أن نغفل ذكر فيلم "الناظر" الذي يُعد أبرز أفلامه على الإطلاق وأنجحها.. قبل ما يزيد عن 15 عامًا خرج إلى النور فيلم شكّل علامة فارقة في تاريخ الكوميديا المصرية خاصة والسينما المصرية عامة تاركًا وراءه علامة لا تُنسى ولا تزال محفورة في أذهان كل من شاهد الفيلم، لا سيما جيل التسعينات الذهبي الذي نشأ بين شخصيات هذا الفيلم ولم تفارقه حتى تلك اللحظة ... لم يكن مجرد فيلم فحسب بل شكل نقلة نوعية في السينما المصرية ظهر أثرها جليًا في العقد الذي تلا الفيلم سواء على صعيد التأثير الفني في رسم شكل جديد للأفلام الكوميدية أو كونه أصبح بمثابة الشرارة التي انطلق منها نجوم الجيل الجديد لعل أبرزهم أحمد حلمي وكريم عبد العزيز ومحمد سعد.


فيلم يشدك من المشهد الأول

مُقدمة الفيلم كانت مختلفة تمامًا عن أي فيلم كوميدي شاهدته من قبل، اشتملت على كوميديا ساخرة من أحداث تاريخية من عُصور مُختلفة مصحوبة بإيفيهات من الصعب نسيانها فهي تَصلح لكل المواقف في حياتنا اليومية، كُل هذا أوحي للمشاهد بأنه مقبل على فيلم كوميدي خالص من الدرجة الأولى، فيلم يختلف عن الكثير والكثير من الأفلام التي شاهدناها من قبل.

بطولة جماعية حقيقة

علاء ولي الدين الذي خرج لتوه من تجربة ناجحة للغاية "عبود على الحدود" واستطاع أن يبرهن للجميع مدى موهبته وقدراته الفنية لم يقع في فخ الاستحواذ على العمل السينمائي كغيره من أبناء جيله، وعلى الرغم من أداءه لـ 3 شخصيات في هذا الفيلم إلا أنه لم يستئثر أبدًا به بل كان جزءًا من مجموعة عمل -وإن كان هو الضلع الأهم بها- فقدم بنجاح بطولة جماعية حقيقة وهو ما ظهر جليًا في مدى بروز شخصيات الفيلم بغض النظر عن مساحة دورها في نمط مختلف عن البطولات الجماعية التي اعتدناها والتي يعمد فيها المخرجون والمنتجون إلى حشد أكبر عدد من النجوم وتوزيع مساحات الأدوار عليهم بالتساوي بغض النظر عن إضافة الدور أو أهميته، فظهرت لدينا شخصية أحمد حلمي "عاطف" ومُحمد سعد "اللمبي" بالإضافة لحسن حسني وهشام سليم وبسمة الذين احتلوا المساحات الأكبر في الفيلم.

بينما على صعيد آخر نرى أن شخصيات مثل مُحمد يوسف "والد عاطف" وسامي سرحان وحنان الطويل "ميس انشراح" قد أضافت للفيلم نكهة لا يُحتمل الاستغناء عنها بالإضافة إلى شخصيات سليمان عيد وحجاج عبد العظيم، حتى "ميخا" الذي لم يُظهر سُوى في مشهدين لكنك تشعر كما لو أن الفيلم لا يكتمل إلا بهما... ورُبما تجلت عبقرية الفيلم في أن شخصية مثل "زكريا الدرديري" على الرغم من مساحة دورها الصغير للغاية إلا أنها كانت من من أبرز شخصيات الفيلم نظرًا لكونه نموذجًا واقعيًا نراه في حياتنا بصور متعددة لتتحول شخصيته إلى مُجرد فكرة في حد ذاتها وأسلوب حياة للعديد منا نحياه ونراه في حياتنا اليومية.

كوميديا جادة لا تحمل أي إسفاف

الفيلم رغم بساطة رسالته المُقدمه ومواقفه الكوميدية الساخرة للغاية إلا أنه حمل بين طياته قضية حقيقية ناقشت الوضع المُزري الذي وصل إليه التعليم في مصر وعرضها بطريقة ذكية للغاية، فكم من مدارسنا بها ألف مدير متزمت مثل عاشور والد صلاح، وألف فاسد مثل حسن حسني، وألف مدرس مُهمل مثل زكريا الدرديري وانشراح، ومئات الألوف من الطلبة الذين ينظرون إلى التعليم والمدرسة على أنها عقاب إلهي بالنسبة إليهم، رُبما لو فتحنا الأبواب في كل المدارس كما فعل صلاح بطلبة مدرسته لوجدنا كل المدارس بلا طلبة بالفعل، ولعل مشهد هشام سليم مع علاء ولي الدين في مخزن الكتب حين أخبره أن والده ترك له كنزًا قد أوضح أن التعليم قد تحول من التلقين والفهم إلى مُجرد إدارة عسكرية صارمة تحيط بها بوتقة من القوانين الصارمة والعقاب المنتظر للطلبة إذا ما خالفوا التعليمات.


شريف عرفة، وعلاء ولي الدين.. أسباب النجاح الأكبر

يتحمل علاء ولي الدين نصيبًا عظيمًا من نجاح الفيلم بتنازله بذكاء شديد عن الاستئثار بأغلب مساحات الفيلم خاصة الكوميدية منها.. فرغم أداءه لـ 3 شخصيات إلا أنه ترك مساحة إبداع عظيمة لآخرين أخرجت كل طاقتهم الفنية فترك كل شخصية تأخذ حقها في البروز بأكبر صورة ممكنة دون أن يكون جزءًا منها بل كان مُكملًا لها، ولا يمكن أن نغفل أن الكثير والكثير من إيفيهات الفيلم خرجت من أفواه شخصيات أخرى، فلم يقع في الفخ الذي يقع فيه أغلب نجوم الصف الأول حيث استئثاره بأغلب مشاهد الفيلم أو أن تكون مسار الأحداث مرتكزة عليه بالكامل.

بينما على صعيد آخر نجد أن المُخرج المبدع شريف عرفة استطاع صنع أيقونة سينمائية خالدة رغم اندراجها تحت فئة الأفلام الكوميدية بنجاحه في صنع توليفة مميزة للغاية وتوزيع أدوار متناسق تمامًا بالإضافة إلى تمكنه بإقتدار شديد في صنع فريق عمل متكامل رغم كثرة عدد أفراد هذا الطاقم وهو أمر ليس بهين في عالم الإخراج حيث كلما كثر النجوم كلما كثرت المشاكل، بالإضافة إلى إخراجه الفيلم بشكل مختلف ومميز للغاية خاصة في مقدمة الفيلم التي لفتت انتباه كل من شاهد الفيلم ورفعت سقف توقعاته لمشاهدته ومتابعته للنهاية من قبل حتى أن يبدأ.

ولعل نجاح شريف عرفة الأكبر هو قدرته على تفجير طاقة أغلب طاقم العمل الفنية واكتشاف موهبة العديد منهم والتي شكلت مسيرتهم الفنية في مرحلة تالية بل فقد خرج من هذا الفيلم ثلاث شخصيات ستشكل فيما بعد خارطة الكوميديا المصرية لسنوات طويلة لعل أبرزهم أحمد حلمي الذي لا زال يتربع حتى اليوم على عرش السينما المصرية، ومحمد سعد الذي استطاع تحقيق نجاحات أسطورية بشخصية "اللمبي" وتمكن من التربع على عرش الكوميديا لبضعة سنوات كما استقل حسن حسني قطار رحلته وأعاد اكتشاف نفسه في في دور سنيد البطل ليصبح العلامة المكررة في أغلب أفلام الألفينيات ويصبح ظاهرة فنية قل أن تشهدها السينما المصرية.

بينما علاء ولي الدين نفسه كان ليبلغ كُل المبلغ من النجاح والتربع على عرش الكوميديا المصرية لسنوات طويلة لولا وفاته المفاجئة إلا أنه استطاع أن يُخلد نفسه بين أهم ممثلي الكوميديا على الإطلاق رغم عدد أفلامه القليل التي قام ببطولتها بل يُمكن القول إنه لو لم يقم سُوى بتقديم بطولة هذا الفيلم لكان كافيًا بأن يضعه في تلك المكانة ليظل اسمه محفورًا في سجلات السينما المصرية.

فيلمٌ كامل متكامل

كُل العوامل التي سبق الإشارة إليها جعلت من فيلم الناظر فيلمًا كاملًا مُتكاملًا تجعلك تشعر كما لو أن كل شيء فيه كبيرة أو صغيرة يُكمل بعضه البعض، إيقاع مُتماسك للغاية منذ بداية الفيلم إلى نهايته، رسالته البسيطة بدون أي إسفاف كانت أهم أسباب نجاحه، اختيار عظيم ودقيق للغاية لكل من شارك في هذا العمل ابتداءًا من أبطال العمل وانتهاءًا بمن شارك بمشهد أو مشهدين فيما بدا أن كل شيء وُضع في مكانه الصحيح، كوميديا ساخرة وإيفيهات تمكنت من إجبارك على الضحك، حتى أكثر المشاهد جدية في أحداث الفيلم كانت تحمل بين طياتها "إيفيهات" ساخرة خاصة من "عاطف" التي كانت بلاهته وسذاجته قادرة على إخراج أي مضمون جاد إلى مضمون يثير الضحك.

فيلم الناظر، فيلم لا يُنسى، فيلم يصلح أن يُطلق عليه فيلم كل جيل، فيلم للضحك والمتعة، أغلب إيفيهاته تُستخدم يوميًا في حياتنا وتملأ صفحات الكوميكس والصفحات الساخرة على مواقع التواصل الإجتماعي وأغلب شخصياته موجودة في حياتنا، نرى صلاح وعاطف واللمبي وعاشور مدير المدرسة والأستاذ سيد وزكريا الدرديري بصورة يومية في واقعنا باختلاف أسمائهم وصورهم فمع كل مشهد نراه في الفيلم نستحضر مشاهد مشابهة في حياتنا وتصرفات قمنا بها مثل تصرفات شخصيات العمل.

الآن وبعد مرور ما يزيد عن 15 عامًا من عرض الفيلم، ففي كل مرة نراه أمامنا على شاشات التلفزيون نشعر وكأننا نراه للمرة الأولى ونتفاعل معه بشدة، ما أثبت أنه بالفعل فيلم صالح لكل الأزمنة والأجيال.