أوسكار 2018- فيلم Lady Bird.. رحلة تمرد ورسالة حب لساكرامنتو

تاريخ النشر: الخميس، 1 فبراير، 2018 | آخر تحديث:
سيرشا رونان في فيلم Lady Bird

المتابع الجيد لاختيارات الممثلة جريتا جيروج يعلم ميلها إلى تجسيد شخصيات بعيدة عن نموذج هوليوود البطولي. فهي بارعة في كتابة وتمثيل أدوار سينمائية مميزة تعبر عن أشخاص يقاومون الحياة التقليدية ويتمسكون بأحلامهم غير المحققة بصرف النظر عن معطيات الواقع. مثل شخصية "فرانسيس" التي جسدتها في فيلم Frances Ha، الفتاة المرحة المتخبطة الفوضوية التي تسعى إلى تحقيق نفسها كراقصة معاصرة رغم أنها ليست جيدة بما يكفي، وشخصية "بروك" في فيلم Mistress America المحبة للمغامرة التي ترغب في النجاح والشهرة دون امتلاك خطة واقعية لتنفيذ أهدافها.

لذلك عندما قررت جيروج كتابة وإخراج أول أفلامها Lady Bird لم تبتعد كثيرًا عن هذه النوعية من الحكايات، بل أن الشخصية الرئيسية في الأحداث تحلم بالعيش في مدينة مثل نيويورك لخوض المزيد من التجارب والمغامرات، أي في نفس المكان الذي عاشت فيه كل من"فرانسيس" و"بروك"، ورغم أن أهدافها في الحياة تتجاوز قدراتها أو على الأقل تخالف المستقبل الذي يرسمه لها من حولها، فإنها لا تستسلم بل على العكس تتمسك أكثر بحقها في الاختلاف. وكأن جميع هذه الشخصيات النسائية تدور في نفس الفلك مع اختلاف الفترات الزمنية والأعمار.

التشابه بين "ليدي بيرد" وجريتا جيروج

تدور أحداث فيلم Lady Bird في الفترة بين عامي 2002 و2003، حول الفتاة المتمردة "كريستين" أو كما تطلق على نفسها "ليدي بيرد"، التي تقترب من بلوغ عامها الـ18، وتتمنى الالتحاق بجامعة في الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية لتختلط بأوساط الكتاب والمثقفين، وتمر بالعديد من الأحداث المثيرة المغايرة لنمط الحياة الهادئ في مدينتها ساكرامنتو، لكن والدتها تعارضها بشدة بسبب ظروفهم الاقتصادية وخوفًا عليها من الأوضاع الأمنية بعد أحداث 11 سبتمبر.

تتشابه "ليدي بيرد" التي تجسدها سيرشا رونان، مع الكثير من الفتيات في مرحلة المرهقة؛ فهي تسعى لإثبات اختلافها وتميزها عمن حولها ورغم أن النتيجة في أغلب الأوقات ليست في صالحها، فإنها تواصل المحاولات متخبطة ومتوقعة الأفضل مع كل مغامرة جديدة؛ ففي مرة تتزين لتجربة أداء في مسرح المدرسة وعند حصولها على دور ثانوي تشعر بالإحباط، خاصة مع نجاح صديقتها الأقل جمالا في الفوز بدور مهم، ومرة أخرى تتقرب من الشاب المثقف الجذاب وتعتقد أنها ستفقد عذريتها بطريقة مميزة معه، لكنها تصدم بكونها ليست الأولى في حياته.

لكن ما يميز حقا فيلم جريتا جيروج، المرشح لخمس جوائز أوسكار من بينها أفضل فيلم، أن مخرجته قررت الاستعانة بتفاصيل من حياتها الشخصية في روي حكاية "ليدي بيرد"، رغم تأكيدها أنها لم تكن متمردة في صغرها. بداية من وقوع الأحداث في مدينة ساكرامنتو التي نشأت فيها، مرورًا بمنح الشخصية الرئيسية اسم والدتها "كريستين"، وإلحاقها بالمدرسة الكاثوليكية مثلها، وأخيرًا اختيار مهنة التمريض لتكون وظيفة الأم في الفيلم كما كانت تعمل والدتها. كل هذه التفاصيل أضفت المزيد من الحميمية على القصة وجعلت الفيلم أشبه إلى إهداء لمرحلة مراهقتها وبداية شبابها وأيضًا لعائلتها وأصدقائها.

العلاقة الشائكة بين الأم والابنة

منذ الدقائق الأولى في الفيلم، تتضح العلاقة الشائكة بين "ليدي بيرد" ووالدتها "ماريون"، نظرًا لأنهما شخصيتان قويتان وعنيدتان. الابنة تحلق في عالم الأحلام والأمنيات والأم تحاول سحبها إلى أرض الواقع لتجنبها خيبات الأمل التي واجهتها بنفسها وتعرفها جيدًا منذ جاءت إلى هذه المدينة وظنت إنها لن تمكث فيها طويلًا.

مع ذلك، يجتمع الاثنان في طريقة حبهما للأشياء والأشخاص المترجمة إلى اهتمام وتركيز زائد عن اللزوم في التفاصيل. "ليدي بيرد" تظن أنها لا تحب مدينتها لكن عندما تكتب عنها تجيد وصف تفاصيلها ومعالم شوارعها بدقة، وهكذا الأم تركز مع ابنتها كثيرًا وتنتقد كل أفعالها وتصرفاتها لكنها بالتأكيد تحبها للغاية. يجتمعان أيضًا في إدراكهما المتأخر لهذا الحب واعترافهما به؛ فالابنة تشعر باشتياقها لساكرامنتو بعد رحيلها عنها، والأم تبكي بعد فوات الأوان على عدم كشفها عن مشاعرها الحقيقية في الوقت المناسب.

عمل يستحق الجوائز

تبدو قصة Lady Bird تقليدية ومشابهة لكثير من الأفلام التي تتناول حياة المراهقين ومواقفهم اليومية، لكن في الحقيقة فيلم جريتا جيروج مختلف عن هذه النوعية من الأفلام وتكمن نقاط قوته في بعده التام عن محاولة ادعاء العمق، والاكتفاء بسرد تفاصيل القصة وحكاية بطلتها بذكاء.

فقد كتبت جيروج سيناريو يكشف عن بناء متماسك للشخصيات المحيطة بـ"ليدي بيرد" ويظهر أبعادها النفسية والاجتماعية مثل الأب الحنون المسالم الذي يتناول مضادات اكتئاب، ويلقى على عاتق زوجته الأعباء المادية متجنبا جميع الصدامات الأسرية، لكنه في نفس الوقت يساعد ابنته في توفير نفقات الدراسة، والشقيق بالتبني الذي تشعر "ليدي بيرد" بأنه يحصل على فرص أفضل منها نظرًا لكون اسمه وشكله يعبران عن أصوله الآسيوية. والحبيب الأول الذي نشأ وسط عائلة متدينة مسيحية ويخشى الكشف عن ميوله للمثلية الجنسية.

إلى جانب أن الفترة الزمنية التي تدور فيها الأحداث ساعدت على التطرق إلى الأوضاع في أمريكا بعد الأحداث الإرهابية وغزو العراق، بنظرة إنسانية أكثر منها توثيقية تكشف عن آراء المراهقين حول الحرب؛ منها عندما ردت "ليدي بيرد" على صديقها الذي ينتقد استيائها من أشياء تافهة في الوقت الذي يموت فيه المدنيين، قائلة إن هناك الكثير من الأشياء تستحق الحزن، الأمر غير قاصر على الحروب.

في وسط كل هذه الحكايات المتداخلة، لم تنس جيروج بطلتها الحقيقية، ساكرامنتو، التي حرصت على تصوير حدائقها وجسرها الشهير ولافتات شوارعها ومتاجرها ومبانيها، لتؤكد أن لهذه المدينة مكانة عزيزة داخل قلبها، منعكسة في عيون أبطال قصتها.

في النهاية، Lady Bird فيلم ممتع ومبهر كونه العمل الأول لمخرجته الشابة، يحمل قدرا من الفكاهة المنسوجة داخل حوار جيد وصورة غنية بالتفاصيل الحميمية والعفوية التي تستحق المشاهدة.

اقرأ أيضًا:
القائمة الكاملة لترشيحات أوسكار 2018- جائزة تمنع the Shape of Water من تكرار رقم La La Land.. وحضور عربي لافت

بالصور- تعرف على الاختلافات بين فيلم The Post والقصة الحقيقية.. تشويه صورة نيكسون