فيلم The Last Jedi.. حرب النجوم على خطى هاري بوتر

تاريخ النشر: الاثنين، 25 ديسمبر، 2017 | آخر تحديث:
الملصق الدعائي لفيلم The Last Jedi

منذ أعوام قليلة قررت Disney الاستحواذ على شركة Lucasfilm المالكة لحقوق شخصيات Star Wars (حرب النجوم)، وذلك لتبدأ في استكمال واحدة من أقوى وأجمل السلاسل السينمائية. في السنوات العشر الأخيرة ظهرت موضة إعادة إطلاق أو إعادة تقديم السلاسل والأفلام القديمة، للأسف لم يكن الكثير منها على المستوى المطلوب، وهكذا ساور بعض عشاق السلسلة، وهم كثيرون ومخلصون لها جدًا بالمناسبة، بعض القلق حول إمكانية إعادة إطلاق سلسلتهم المفضلة دون الإخلال بها.

في نهاية 2015 ظهر الفيلم المنتظر Star Wars: The Force Awakens (استيقاظ القوة) ليطمئن الجمهور، فطمأنوا هم بدورهم Disney بإيرادات تخطت الملياري دولار، ليحتل الفيلم المركز الثالث في قائمة أعلى الأفلام تحقيقًا للإيرادات في التاريخ، بجانب تحطيمه للكثير من الأرقام القياسية.

لم تأت الإيرادات فقط من باب الحنين إلى مشاهدة السلسلة القديمة، لكن المستوى الفني الرائع للفصل السابع من السلسلة الذي قدمه صناع الفيلم وعلى رأسهم المخرج ج. ج. أبرامز كان جديرًا بجذب المزيد من المشاهدين إلى قاعات العرض، حتى من لم يرتبطوا بالسلسلة القديمة.
بعد عامين ومع نهاية 2017 عرض الفصل الثامن من أسطورة حرب النجوم بعنوان Star Wars: The Last Jedi (الجيداي الأخير).

بلا بداية ولا نهاية

بقدر ما بدا نجاح الفصل السابع مطمئنًا إلا أنه في الوقت نفسه مقلق لصناع الفصل الثامن أو الجزء الثاني من هذه ثلاثية، إذ يفرض عليهم مسؤولية أكبر لمواصلة نجاح السلسلة من جهة، ولتقديم مستوى جيد يليق بما ظهر في الفيلم السابق من جهة أخرى.

أثناء العمل على الجزء الثاني من ثلاثية سيد الخواتم بعنوان The Two Towers (البرجان) كان هناك تخوف من الفيلم كونه فيلم بلا بداية ولا نهاية، لاحقًا حصد الفيلم 11 جائزة أوسكار محققًا رقمًا قياسيًا، هذا التخوف بالتأكيد كان حاضرًا لدى صناع "الجيداي الأخير" ليضاف إلى كم المسؤوليات الملقاة عليهم، إذ سيبدأون من نقطة تلي أحداث الجزء السابق، وسينتهون عند نقطة شبه مفتوحة تُستكمل في الفيلم التالي.

ينتهي الفيلم السابق بشكل رائع إذ تأتي نهايته في نقطة مهمة لبداية الفيلم الجديد، بالإضافة لظهور لوك سكايووكر (مارك هاملز) الضلع الثالث والأخير من ثلاثي أبطال السلسلة الأولى، والذي ينتظره عشاق السلسلة تمهيدًا ليكون له دور أكبر في الفصل الثامن.

هكذا مهد ج. ج. أبرامز الطريق في فيلمه للفيلم الجديد، مقدمًا بعض القواعد الخاصة بكيفية مزج القديم بالقديم إرضاء للعشاق المخلصين، وجذبًا للمتابعين الجدد.

أول ما فعله ريان جونسون مؤلف ومخرج الجيداي الأخير، هو دخوله سريعًا في قلب الأحداث، فهو يعلم جيدًا أن أي تمهيد بطيء سيخل بمتعة المشاهدة، هكذا يبدأ الفيلم بمشهد صراع رائع بين المركبات الفضائية، مشهد يليق بنهاية فيلم لكننا نعلم أن هذه هي البداية فقط، هذا المشهد يمكن أن نعده من أفضل افتتاحيات الأفلام التجارية منذ فيلم ”Captain America: Civil War“ (الحرب الأهلية) وإن كانت افتتاحية الجيداي الأخير تتفوق بالطبع، تنتهي مشاهد المعركة لتبدأ حبكة الفيلم سريعًا في الظهور، لا مجال لأي توقف أو راحة طوال ساعتين ونصف الساعة.

عودة لوك سكايووكر

لتحليل الفيلم سنتعرض لتفاصيل القصة بالكامل خلال المقال.

كما هي العادة في ثلاثيات حرب النجوم، يدور الصراع بين قوى الخير والشر، في هذه الثلاثية يأتي الخير ممثلًا في "المقاومة" بقيادة الأميرة ليا (كاري فيشر) ضد الشر ممثلًا في القائد سنوك (آندي ساركيس) وكايلورين أو بِن سولو (آدم درايفر) في ما يسمى "الرابطة الأولى".

ينتهي الجزء السابق بعد قتل كايلورين لوالده هان سولو (هاريسون فورد)، وبعد معركة بينه وبين ري (دايزي ريدلي) بطلة السلسلة الجديدة التي تبحث عن والديها، تنجح ري في إصابة كايلورين، وبعد حصولها على الخريطة التي تدل على مكان اختفاء لوك سكايووكر، تذهب ري بحثًا عنه لمحاولة إقناعه بتعليمها فنون الجيداي، ثم العودة معها ليقود فريق المقاومة.

تبدأ أحداث الفيلم الجديد في خطين متوازيين، الأول هو ملاحقة سفن الرابطة الأولى لسفينة المقاومة التي بدأ الوقود ينفد منها وتحاول الفرار من هذا الحصار، والثاني هو ري التي تحاول إقناع سكايووكر بالعودة معها بينما هو يرفض ذلك تمامًا لكنه يوافق على تدريبها لتصبح مقاتلة جيداي.
سريعًا يقدم لنا السيناريو خطًا فرعيًا فيه يحاول فِن (جون بوييجا) محاولة الحصول على شخص يستطيع فك الشفرات ليدخل به إلى سفينة الرابطة الأولى وينجح في التخلص من مراقبتها لسفينة المقاومة.

هكذا يجد المشاهد نفسه لا يستطيع التلفت للحظة واحدة بعيدًا عن الشاشة للحاق بالأحداث في الخطوط الثلاث.

يحتوي كل خط على عوامل الجذب الخاصة به، وإن كان هناك تباين في المستوى بينها في نهاية الأمر.

الخط الخاص بما يحدث على مركبة المقاومة والصراع بين بو (أوسكار إيزاك) والقائدة هولدو (لاورا ديرن) هو الأضعف على مستوى الحبكة، إذ كانت المواجهة بينهما يشوبها بعض التقليدية، والتشابه مع أفلام أخرى، بالإضافة إلى أن الصراع كان لا يتعدى الحوار في معظم المشاهد.

بينما يتفوق الخط الخاص بفِن ورفيقته روز (كيلي ماري تران) ورحلتهما للوصول إلى خبير الشفرات، إذ تمتلئ بالمغامرات وبالمخلوقات الخاصة بعالم حرب النجوم، لكن في الآن ذاته كانت المغامرة تبدو أكبر من الهدف من وراءها، مشاهد الأكشن والمطاردات الشيقة بين فِن وروز وسكان الكوكب الذي ذهبوا إليه، كل هذا أخذ الكثير من وقت الفيلم، والغرض هو محاولة التخلص من مطاردة سفينة الرابطة الأولى لسفينة المقاومة، بينما قرب النهاية نجد حلًا آخر أكثر سهولة للخلاص من هذه المراقبة، يلغي كل هذه المغامرة ويجعلها بلا جدوى على مستوى الحبكة وإن كانت جدواها حاضرة في إضافة متعة للفيلم.

الخط الأخير، والأهم هو الخاص بلقاء ري ولوك سكايووكر، إذ هو الخط الذي يصب بشكل رئيسي في الحبكة التي تقوم عليها الثلاثية، فيكشف لنا كيفية تحول بِن سولو إلى كايلورين، بينما يكشف لنا المزيد عن قوى ري التي تخيف سكايووكر نفسه. يتبدى في هذا الخط التأثر الكبير للفيلم بسلسلة هاري بوتر.

من عالم هاري بوتر

أثناء تدريب لوك لري يكتشف أنها لا تنجح في مقاومة نداء الجانب المظلم بداخلها في المرة الأولى، وترضخ سريعًا لإغرائها، ليبدأ في محاولة تلقينها كيفية مقاومة هذا الجانب المظلم، في الوقت نفسه يظهر رابط غريب بين ري وكايلورين يتيح لهما مشاهدة بعضهما البعض والتحدث معًا.
هذا الارتباط غير المفهومة أبعاده، حتى الآن، ووجود الجانب المظلم الذي يحاول استمالة ري يشبه بالضبط ما كان في هاري بوتر، من العلاقة بين بوتر واللورد فولدمورت، إذ كانا يستطيعان قراءة أفكار بعضهما.

لكن التلاقي بين السلسلتين لا ينتهي هنا، إذ مع مواصلة الأحداث نكتشف أن بِن سولو كان التلميذ المفضل لسكايووكر، لكن هذا الأخير لم ينجح في السيطرة على الجانب المظلم لدى الأول، ليتحول بِن سولو إلى كايلورين وينضم للجانب المظلم. ألا يذكرنا هذا بالمعلم دمبلدور وتلميذه النجيب توم ريدل الذي تحول لاحقًا ليصبح فولدمورت سيد الظلام؟

حتى الأسرار التي يخفيها لوك عن ري، والغموض المحيط بوالدي هذه الأخيرة، يشبهان العلاقة بين هاري بوتر ودمبلدور، وأسرار الماضي التي كان يكتشفها بشكل تدريجي.

لا نعني أن هذا التشابه يعيب الفيلم في شيء، بل على العكس، وُظف بشكل جيد، لكن من الصعب عدم ملاحظة التأثر الواضح بروايات هاري بوتر.

ريان جونسون: مفاجأة سارة

وجود اسم ج. ج. أبرامز مخرجًا للفيلم السابق، لا شك أنه حمل بعض الطمأنينة لمن شاهدوا أعمال هذا المخرج، خاصة في مجال أفلام الأجزاء، لم يحدث الأمر نفسه مع ريان جونسون مخرج هذا الفيلم إذ على الرغم من إخراجه لأفلام جيدة بالفعل، إلا أنه لم يحمل مسؤولية صناعة فيلم ضخم من قبل، لكن بعد الانتهاء من مشاهدة الفيلم يجب الاعتراف بأن جونسون كان على قدر المسؤولية.

علينا القول بداية إن الأسلوب الإخراجي المختلف لجونسون عن أبرامز كان واضحًا، إذ اهتم الأخير في الفيلم السابق باستخدام أكبر قدر ممكن من الإشارات والتلميحات للسلسلة الأولى، وهو ما كان مناسبًا لظروف الفيلم، الأول بعد طول غياب. نجد في الجيداي الأخير جونسون أكثر تحررًا من هذا القيد، وهو ما أعطاه مساحته الخاصة للإبداع.

أهم ما قدمه جونسون هو إخراج طاقات تمثيلية أفضل من أبطاله، أبرز من ينطبق عليهم هذا الوصف هو آدم درايفر الذي كان شديد الثقة في أدائه لشخصية كايلورين دون قناع، عكس الفيلم السابق إذ بمجرد أن خلع القناع تحول إلى شخص آخر وكأنه يمثل بصوته فقط دون وجهه. في الفيلم الجديد يتسع دور آدم درايفر، وتتطور شخصيته وتختلف أبعادها وردود أفعالها، لكن درايفر كان حاضرًا ليقدم مشاهده بشكل جميل، خاصة مشاهده الأخيرة في محاولة اقتحام حصن المقاومة.

الأمر نفسه ينطبق على مارك هامل الذي قدم له جونسون عودة تليق به وبالشخصية التي اختفت منذ عام 1983 إذ شاهدنا سكايووكر بشكل أقرب لشخصية أسطورية.

في الوقت نفسه قدم بشكل جيد للشخصية الجديدة دي جيه التي لعب دورها في أداء ممتع بينيتشيو دل تورو، لكنه في الوقت نفسه أخفق في تقديم شخصية المعلم يودا أحد الشخصيات المفضلة لعشاق السلسلة، إذ اهتم بالحفاظ على شكلها القديم الذي ظهرت به في الأفلام الأولى فبدت كالنغمة النشاز مع كل التطور البصري المحيط بها.

الملاحظة الأخرى المهمة هي تعامل المخرج بشكل مميز مع كل خط درامي، أبرزها الخاص بلوك سكايووكر في جزيرته، استخدم لقطات واسعة وزوايا مرتفعة ليرصد جمال الطبيعة وأهميتها بالنسبة للشخصية وللصراع الحادث على مفهوم القوة في الجزيرة، بينما نجده يستخدم اللقطات المتوسطة في مشاهد فِن والسفينة، هذا التصوير المختلف لكل خط جعل الانتقال بين الخطوط الدرامية على الشاشة غنيًا بصريًا.

كل هذا في كفة بينما تتابعات النهاية في كفة أخرى، كما ذكرنا في البداية، المتعة لا تتوقف طوال الفيلم، ولا يمكن الشعور بالملل رغم طوله، يضبط ريان جونسون سيناريو الفيلم بتقديم عدد من نقاط الذروة المتتالية، لكنه يعرف كيف يُغلقها لاحقًا ببراعة، وكان مشهد لقاء الخطوط أمام مخبأ المقاومة، ملحميًا سواء على مستوى السيناريو أو على المستوى البصري الذي طغى عليه اللون الأحمر لتصبح هذه التتابعات من أجمل ما في الفيلم، وربما من أجمل تتابعات السلسلة أيضًا.

بالتأكيد لا يمكن المرور على أي من أفلام السلسلة دون التوقف عند الموسيقى العظيمة التي أبدعها جون ويليامز. عادة لا تكون الموسيقى التي لا تنقطع طوال الأحداث جيدة في الأفلام، لكن الأمر هنا على العكس تمامًا، إذ لا يُمل منها على الإطلاق بل تضيف جمالًا على الجمال الموجود بالفعل في المشاهد، لا توجد إحصائية دقيقة لدينا عن المدة التي يوجد فيها موسيقى على شريط الصوت، لكن من السهل الخروج من الفيلم بشعور أن الموسيقى تغطي حوالي 80 من الفيلم.

”The Last Jedi“ بلا شك إضافة رائعة للسلسلة، ومن أجمل أفلام المغامرات والخيال العلمي في السنوات الأخيرة، ومثلما رفع ج. ج. أبرامز مستوى التحدي أمام ريان جوسنون، رفع هذا الأخير التحدي لمستوى جديد أمام الأول الذي سيتولى إخراج الجزء الأخير من هذه الثلاثية، المنتظر صدوره في نهاية 2019.


اقرأ أيضًا:

فيلم Thor: Ragnarok.. على خطى حراس المجرة
#مهرجان_القاهرة_39- حضر النجوم فهل حضرت السينما؟