فيلم The Killing of a Sacred Deer.. الانتقام على طريقة الأساطير اليونانية

تاريخ النشر: الاثنين، 20 نوفمبر، 2017 | آخر تحديث:
The Killing of a Sacred Deer

في حواره مع صحيفة The Independent البريطانية، قال المخرج اليوناني يورجوس لانثيموس، "أحب صناعة الأفلام بطريقة تجعلك منزعجا أثناء المشاهدة، لكنك تظل قادرا على الاستمتاع بها، ومنشغلا بتفسير معاني الأشياء". هذه الحالة المسيطرة على جميع أفلام المخرج صاحب الـ44 عامًا، تجلت بوضوح في فيلمه ذائع الصيت Dogtooth الصادر عام 2009، الذي يعرض قصة ثلاثة أبناء يعيشون في عزلة فرضها عليهم والديهم خوفًا من العالم الخارجي، فتصبح حياتهم عبارة عن مجموعة من الأكاذيب والمعلومات المضللة. ثم اتخذت شكلا أكثر قتامة في فيلمه The Lobster إنتاج عام 2015، إذ تسير الأحداث في إطار ديستوبي حول مدينة تفرض قوانينها على المواطنين أن يكون لديهم شركاء في الحياة، ومن لم يتمكن في العثور على حبيب خلال 45 يومًا يتحول لحيوان يختاره بنفسه.

وبالرغم من أن أحدث أفلامه The Killing of a Sacred Deer، يعد أكثر واقعية من حيث الفكرة فإنه ينتمي إلى نفس الحالة. فالفيلم الفائز بجائزة أفضل سيناريو مناصفة مع فيلم You Were Never Really Here في الدورة الـ70 لمهرجان كان السينمائي الدولي، يزعجك منذ اللحظات الأولى بمشهد صادم لعملية قلب مفتوح وسط أدوات الجراحة الملوثة بالدم، ومع ذلك لا تستطيع صرف عينيك متوقعًا المزيد من المشاهد المؤثرة بصريا ونفسيا.

الفكرة مأخوذة عن الأسطورة اليونانية "إيفيجينيا في أوليس"، التي يضطر فيها ملك الإغريق إلى التضحية بابنته إرضاء للإلهة أرتيميس المقدسة، وذلك بعدما قتل غزالة كانت ترعى في الغابة. يقدم لانثيموس معالجة للفكرة تتماشي مع وقتنا الحالي؛ فالمخطئ في الفيلم هو جراح قلب (كولين فاريل) يعيش حياة تبدو مثالية مع زوجته (نيكول كيدمان) وطفليه، يعكر صفوها ظهور نجل أحد مرضاه السابقين (باري كيوجان). إذ يسمح للمراهق البالغ من العمر 16 عامًا، بالتقرب منه حتى يصل إلى منزله ومقر عمله، ثم يكتشف أنه يرغب في الانتقام لأنه المسؤول عن موت والده أثناء خضوعه لعملية جراحية. يتمكن المراهق من إصابة الطفلين والزوجة بمرض غير معروف يعجز الأطباء عن تفسيره، وهنا يعلن عن شرطه وهو أن يقتل الطبيب أحدهم حتى يتمكن من إنقاذ الاثنين الآخرين، وإذا لم يفعل فسوف يصابون بالشلل، ثم فقدان الشهية، ثم نزيف من العين، وأخيرا الموت.

يعرض لانتيموس فلسفة متطرفة لمفهوم العدالة، فالخطأ الذي اقترفه الطبيب من الصعب إثباته، ومع ذلك هو يعيه جيدًا ويؤرق ضميره وإلا ما كان تقرب من المراهق ومنحه الهدايا وساعده ماديا، والأخير لا يرضى بهذا، بل يرغب في الثأر مبتكرًا خطة قاسية تجبر الأب على قتل أحد أفراد أسرته. فالعدالة بالنسبة للمراهق هو أن يواجه الجاني نفس موقف المجني عليه ويشعر بأثر جريمته حتى يكون العقاب مضاعفا، كما فعل في أحد المشاهد عندما هجم على يد الطبيب وعضها، ثم عض نفسه قائلًا: "هذا أمر رمزي".

يركز المخرج اليوناني على ردود أفعال الشخصيات الثلاث المهددة بالقتل، والحيل التي تستخدمها من أجل البقاء على قيد الحياة، معتمدًا على جمل حوارية ذات طابع ساخر ليقلل من حدة الموقف ويزيد من عبثتيه. فالجميع يحاول النجاة حتى الأم تفكر في التضحية بأحد طفليها على اعتبار أن بإمكانها إنجاب آخر، فيما يتظاهر الطبيب أحيانا بأن كل شيء على ما يرام، ويطلب من زوجته إعداد أكلة مفضلة.

كل ذلك يضاعف حجم التوتر أثناء المشاهدة، خاصة مع استخدام كاميرا متحركة لا تهدأ، تقترب كثيرًا من الوجوه لرصد الانفعالات ثم تتسع وتبتعد لتزيد مساحة المراقبة والقلق. تتجول في أرجاء المستشفى وراء الشخصيات مثل شبح الموت الذي يطارد الأرواح، مصحوبة بموسيقى كلاسيكية تضفي طابع شاعريا حزينا.

لا يمكن وضع The Killing of a Sacred Deer في تصنيف محدد، بالتأكيد هو دراما نفسية، لكنه يحمل أيضًا سمات أفلام الرعب التي تحبس الأنفاس وتجعل المشاهد جالسا على طرف المقعد. مثلما حدث مع فيلم !Mother لدارين أرونوفسكي الذي أثار جدلا واسعا عند عرضه خلال الدورة الـ74 لمهرجان فينسيا السينمائي الدولي. والحقيقة أن هذا يحسب لصانعي الفيلمين، لأن التحرر من القيود يتطلب شجاعة وقدرة على ابتكار أفكار أكثر جاذبية لضمان النجاح.

تختلف نهايات الأسطورة اليونانية عن المسرحية التي كتبها الشاعر يوربيديس، فقد اختار الأخير ألا تقتل الإلهة أرتيميس إفيجينيا، وإنما تفدي حياتها بأحد الحيوانات. في الفيلم يجبر الأب على تنفيذ الشرط ويضحى بأحد أفراد الأسرة في مشهد قاس يتماشى مع قوانين اللعبة التي وضعها المراهق منذ البداية.

الفيلم عُرض ضمن برنامج الدورة العاشرة لبانوراما الفيلم الأوروبي، كما طُرح في عدد من دور العرض العالمية مع بداية شهر نوفمبر الجاري.

اقرأ أيضًا:

بالأرقام- هكذا تفوقت أفلام الرعب في 2017.. رقم قياسي وفرصة في الأوسكار

10 ممثلين لن تراهم معا مرة ثانية.. تشابك بالأيدي في الكواليس