منى محمد
منى محمد تاريخ النشر: السبت، 9 سبتمبر، 2017 | آخر تحديث: السبت، 9 سبتمبر، 2017
!mother

استطاعت جنيفر لورنس خلال السنوات القليلة الماضية أن تفوز بقلوب المعجبين فى جميع أنحاء العالم، وارتبط بها عدد كبير منهم فى ادوار المرأة القوية، ولكن مع دارين ارنوفسكى فى فيلم !Mother المشارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان فينسيا، تغيرت هذه الصورة، إذ تقدم شخصية إمرأة تشعر بالخوف من كل شىء حولها وتخشى الغرباء وتبحث عن العزلة فى منزلها الريفى الضخم مع زوجها الشاعر الشهير الذى يجسد دوره خافيير بارديم.

يمثل الفيلم رحلة غريبة تحمل الكثير من التفسيرات وكانت فى كثير من الأحيان صادمة وربما مؤلمة أيضا، إذ أن الفيلم الذى يبدأ على أنه قصة زوجين عاديين يعيشان فى هذا المنزل الريفى المنعزل ويدخل عليهم ضيفا يؤثر في حياتهما الروتينية، ينتهى بنهاية غريبة تنقله لمستوى مختلف تماما وتربط بين بطلة الفيلم والطبيعة بينما يمثل الزوج أنانية ونرجسية البشر، ولهذا لا نعرف للبطلين اسما طوال الفيلم - وكذلك باقى الشخصيات- ويطلق على البطلة كلمة "الأم" أو "هى"، بينما يطلق على البطل "هو" أو "الشاعر المشهور".

تبدأ الاحداث باستيقاظ "الأم" من النوم للبحث عن زوجها فى المنزل الذى تعمل بنفسها على إعادة بناءه بعد أن شهد حريقا هائلا منذ فترة لا نعرف سببه، ونتعرف على حياة الزوجين الهادئة فهو يحاول كتابة عملا جديدا لكنه لا يجد لديه القدرة على الابداع رغم محاولاته المستمرة بينما هى تشغل وقتها برعايته وتوفير سبل الراحلة له إلى جانب أعمال ترميم المنزل لتجعل منه الجنة التى تتمناها لحياتهما، ويعكر صفو هذه الفكرة حضور ضيف غريب الطبيب الذى يقوم بدوره "إد هاريس" ويفاجئها زوجها بدعوة هذا الطبيب للإقامة فى منزلهما دون الرجوع إليها فتبدأ فى الشعور بالتوتر وأحيانا بألم شديد لا يزول إلا بعد تناول مسكن للألم.

وتكتشف ليلا أن الطبيب مريض مرضا شديدا ولا تفهم سر مرضه أو سبب طرد زوجها لها من غرفة الطبيب عندما حاولت الاطمئنان عليه، وتزداد حيرتها فى الصباح عندما تراه فى حالة جيدة على عكس الحالة التى كان عليها ليلا، ثم يهتز عالمها مرة أخرى ويزداد توترها عندما تحضر زوجة الطبيب أيضا – تجسد دورها ميشيل فايفر- للإقامة معه بترحيب من الزوج الشاعر، وتتدخل فى كل تفاصيل حياتهما بما فيها تفاصيل العلاقة الحميمية بينهما وتكون سببا فى تدمير تحفة كريستالية يحتفظ بها الشاعر فى مكتبه ويقدرها بدرجة كبيرة، ويستشيط غضبا عندما يكتشف أنها تحطمت وتحاول "هى" طرد الغزاة غير المرغوب فيهم لكنها تفشل فى التخلص منهم ولا يساندها زوجها، وتتصاعد الاحداث بحضور ابنا الطبيب وزوجته ونشوب صراع بينهما ينتهى بقتل احدهما للأخر فى صورة أشبه بقصة ابناء ادم "قابيل وهابيل" لأنه يرى أن والديه يفضلان شقيقه عليه.

ويترك الشاعر زوجته فى المنزل بمفردها بعد وقوع هذه الجريمة ليذهب بالمقتول للمستشفى، بينما تحاول "هى" التغلب على ذعرها بإزالة آثار الدم من أرضية الغرفة بشتى الطرق، لكنه يمتد لأسفل المنزل كالسرطان ويأكل فى جدران المنزل والأرض، ويعود الزوج منهكا فتعتقد أنها ستعود لحياتها الهادئة معه لكن كل شىء ينقلب رأسا على عقب مرة أخرى عندما تكتشف أنه دعى الطبيب وزوجته لإقامة مراسم العزاء فى منزلها مما يعنى دخول المزيد من الغزاة لحياتها والذين يرفضون الانصياع لمطالبها بالحفاظ على المنزل وعدم التحرك فيه بحرية مفرطة وصلت لحد دخول بعضهم لغرفة نومها، وينتهى هذا الاحتفال بانفجارها وطردهم بعد أن تمكنوا أخيرا من تدمير جزء من المنزل، ويحاول الزوج تهدئتها فتنفجر فيه هو أيضا متهماه بالانانية والتخلى عنها، وينتهى الصراع بينهما بعلاقة حميمية يكون نتاجها ما كانت تحلم به وهو أن تخلق حياة جديدة وتصبح أما، ويعود الإلهام للزوج فيبدأ فى الكتابة وباقتراب موعد والدتها يكون هو قد انتهى من كتابة.

ونصل هنا للمرحلة القصوى فى الفيلم فبعد أن هدأت "الأم" وتخلت عن مسكن الألم تعود لتوترها مرة اخرى عندما ينتهى الزوج من كتابه وتتصل به الناشرة لتبلغه بأنه حقق نجاحا كبيرا، وبينما تستعد "هى" للاحتفال معه بهذا الانجاز فى حفل عشاء رومانسى يعود الغزو مرة أخرى ولكن هذه المرة بصورة أضخم عندما يحضر حشد من المعجبين ويتسللون رويدا رويدا لداخل المنزل، ويتحول المشهد لفوضى عارمة بصراخ "الأم" وهى تنتقل بين ارجاء المنزل محاولة الهرب من هذه الحشود التى لا تفهم سبب وجودها بينما يستمتع الزوج بوجودهم لأنه يقدسونه ويعاملونه على أنه إله يتعبدون إليه بشتى الطرق.

ويقدم المخرج دارين ارنوفسكى فى هذا المشهد صور مختلفة للكوارث التى تعانى منها الطبيعة والعالم بسبب شرور البشر وأفعالهم الشيطانية التى لا تنتهى، فنرى مشهد لنساء محتجزات ويتم بيعهم كسلع، وفى جانب اخر حرب تدور بين جانبين وجندى يحاول انقاذ الأم عندما يراها كأمرأة حامل تقف فى خضم هذه الحرب لكن رأسه ينفجر بطلقة أمام عينيها، وفى مشهد اخر ترى "الأم" الناشرة تقف فى وسط غرفة انبطح فيها عدد من الرجال أرضا بينما تقتلهم هي واحدا تلو الأخر رميا بالرصاص.

وفى جانب اخر يقتلع البعض أجزاء من جدران المنزل ويدمرونه بحجة أنه يريدون دليلا على وجودهم فى المكان، وفى جانب اخرى ترى مجموعة تتعبد أمام مذبح وتقدم تضحيات بشرية، وتتوالى الكوارث وفى كل مرة تحاول "الأم" الخروج من الباب هربا من هذا الخراب يعيدها الزوج الشاعر مرة اخرى، وينقلها لغرفة مكتبه بعد أن يكتشف أنها توشك على الولادة، لكنه يرفض تنفيذ طلبها وطرد الحشود التى تقف خلف باب الغرفة لأنه يحتاج لوجودهم لاشباع رغباته النرجسية، وفى المقابل ترفض "هى" أن تدعه يحمل ابنهما الرضيع خوفا عليه من هذا الأب لأنها تعرف أنه يريد أن يخرج به إليهم وتشعر بعواقب ذلك.

ويجلس الشاعر أمامها فى انتظار أن تغفل عينيها، وبالفعل تقع فريسة النوم ويأخذه الشاعر رضيعها لعرضه على المعجبين ولا تتمكن من اللحاق به وتراهم يلتهمونه أمام عينيها بعد أن قدموه ضحية على المذبح، ولا تتمالك نفسها فتقتل عدد منهم ثم تحرق المنزل بكل من فيه وتفتح عينيها وهى تحتضر بعد أن احترق جسدها ويحملها زوجها –الذى يظهر وكأنه لم تمسه النار، ويطلب منها أن تمنحه شيئا بينما ترد هى بأنه أخذ كل شىء ولم يعد لديها ما تعطيه له، فيطلب منها أن تعطيه حبها قبل أن ترحل، ويقتلع قلبها قبل أن تتحول الى رماد ويصبح القلب حجرا بلوريا كالحجر الذى كان فى غرفة مكتبه وينتهى الفيلم بنفس مشهد البداية بإمرأة تستيقظ بمفردها فى غرفة النوم.

نشاهد الفيلم بالكامل من وجهة نظر البطلة "الأم" التى ربط المخرج بينها وبين الطبيعة الأم وقال فى مهرجان فينسيا أنه تأثر فى كتابته للفيلم بكتاب لسوزان جريفن من عام 1978 بعنوان "النساء والطبيعة"، وتأثر أيضا بفكرة الخلق وقصة اليوم السادس فى الأنجيل "العهد الجديد" وهى قصة خلق الله للحيوانات والانسان فى اليوم السادس لخلق الله للأرض.

وفى الفيلم تلعب الموسيقى والإضاءة والألوان التى تميل للأصفر والبنى والرمادى والابيض دورا كبيرا فى نقل احساس البطلة للجمهور لذلك لا يشعر المتفرج بالراحة أبدا على مدار الفيلم فهو يشارك البطلة خوفها وقلقها الدائم وفقدها الاحساس بالأمان ويشاركها أيضا حالة الحيرة وعدم استيعابها لما يحدث حولها، وتحاول التغلب على هذه المشاعر احيانا باغماض عينيها واسناد رأسها لأحد جوانب المنزل الذى تستمد منه القوة كما تستمد القوة من الأرض لذلك تسير دائما حافية القدمين.

ونرى كل الشخصيات بعين البطلة لذلك تظل شخصية الزوج محيرة بالنسبة لنا طوال الفيلم ولا توجد إجابة واضحة للسؤال الذى تطرحه عليه فى نهاية الفيلم وهو "من هو أو ما هو بالتحديد؟"، فقد يكون الشيطان الذى يدفع البشر لتدمير أنفسهم وقد يكون نموذج لأنانية البشر، فعلى الرغم من ظهوره دائما بوجه الزوج البشوش المحب وعدم ظهوره ولو لمرة واحدة بوجه شرير إلا أن وجهه يخفى الكثير خلفه وكأنه يرتدى قناع البراءة ويحمل العديد من الاسرار التى تخشى "الأم" الكشف عنها وتكتفى بحبها وعطائها الدائم له مهما كانت التضحيات ومهما كان قدر الآنانية الذى تجده منه فى المقابل والأذى الذى تتعرض له بسببه.

اقرأ أيضا

خاص- رسالة فينسيا (4).. Ammore e malavita فيلم غنائي للأخوان مانييتى يسخر من أفلام الإثارة والبطل السوبر