"هروب اضطراري".. تعاقد جماهيري ناجح.. لمرة واحدة فقط

تاريخ النشر: الأربعاء، 28 يونيو، 2017 | آخر تحديث:
الملص الدعائي لفيلم "هروب اضطراري"

هناك حقيقة لابد من ذكرها بشكل واضح قبل التعرض لأي من تفاصيل فيلم "هروب اضطراري" للمخرج أحمد خالد موسى والمؤلف محمد سيد بشير، هي إنه عمل من إنتاج محمد السبكي، الرجل الذي تخصص على مدار الأعوام السابقة في إنتاج عدد من أسوأ الأفلام السينمائية وأرخصها على كافة مستويات الإنتاج والمحتوى والأهداف، على العكس من شقيقه أحمد السبكي الذي ضمت قائمة أعماله أفلاماً مهمة وأخرى طموحة لم يسعفها التنفيذ؛ لذا فإن "هروب اضطراري" يعد حدثاً إنتاجياً في المقام الأول.

أن يقوم محمد السبكي بتمويل فيلم بهذا الحجم، يضم هذا العدد الكبير من النجوم في الأدوار الرئيسية والداعمة، مع بذخ إنتاجي واضح في التنفيذ، لعمل صانعيه الأساسيين هما مخرج ومؤلف يقدمان تجربتهما السينمائية الأولى بعد نجاح في الدراما التلفزيونية، فهو قرار يستحق الاحترام. قرار تزيد قيمته في مسار الصناعة مع الإيرادات الضخمة التي يحققها الفيلم (أكثر من 11 مليون جنيه في أول ليلتي عرض)، والتي تقول للمنتج بوضوح أن هناك نوع آخر من السينما، هو الآخر جماهيري يخاطب الشباك ويحقق أرباحاً كبيرة، لكنه يحترم الفن ومتلقيه ويجلب لمنتجه الإشادة لا الهجوم. هذا أفضل فيلم أنتجه محمد السبكي منذ انفصاله عن شقيقه، حقيقة لابد من التأكيد عليها قبل ممارسة عملنا وهو التعرض لحسنات وهفوات الفيلم، وكلاهما عديد.

تعاقد ناجح بين الفيلم وجمهوره

"هروب اضطراري" كما وصفناه عمل جماهيري بالأساس، هدفه الرئيسي هو جمهور الشباك الراغب في متابعة حكاية مثيرة وشيقة يشاهدها خلال عطلة العيد. علماً بأن إشباع هذه الرغبة لم يعد أمراً يسيراً مع تشبع مسلسلات رمضان بكافة موتيفات النوع (الجريمة/ الأكشن/ التشويق) لدرجة طالت حد اللجاجة، لدرجة أن ثلاثة من كل أربعة مسلسلات رمضانية صارت حبكتها تقوم على جريمة قتل أو سرقة أو تجسس أو اتهام موجه لبرئ، بما يُعلي تلقائياً من سقف مطالب المشاهد من فيلم يذهب ليدفع ثمن تذكرته ويشاهده على الشاشة الكبيرة.
صناع الفيلم يتفهمون الوضع ويقدمون للجمهور سلسلة متتالية من مشاهد الأكشن المتنوعة: مطاردات بسيارات ودراجات نارية وأحصنة في شوارع مصرية، قتال يدوي بين الشخصيات، مصاغة في بناء درامي ينطلق من فكرة جذابة حول أربعة أشخاص لا يعرفون بعضهم البعض يجدون أنفسهم متهمين بقتل رجل أعمال، مع مشهيات لا يمكن الاستغناء عنها متمثلة في لحظات كوميدية بطلها الرئيسي فتحي عبد الوهاب، الذي يلعب دور الضابط المختل الذي يطاردهم بخفة ظل وحضور مشهودين (لاسيما في فيلم مدجج بالنجوم).

لو نظرنا لهذه العناصر سنجد أنها بالضبط هي الخلطة التي دعمت كل أفلام الأكشن الناجحة خلال القرن الجديد، بدءًا من الطفرة التي حققها شريف عرفة بفيلم "مافيا" عام 2002، مروراً بعناوين كثيرة أبرمت التعاقد الناجح نفسه مع الجمهور: سنمنحكم أحدث صيحة في عالم الأكشن (المحلي بالطبع)، مع أبطال محبوبين ولحظات كوميدية، وحكاية تبدو للوهلة الأولى ذكية، وستمنحونا في المقابل النجاح التجاري في شباك التذاكر.

تعاقد يصعب أن نتدخل بين طرفيه بالتقويم والتصحيح، خاصة وأن ما يقدمه الفيلم يندرج تحت أشكال السينما الجماهيرية في العالم كله. لكن المشكلة تظهر في اللحظة التي نقرر فيها أن نأخذ خطوة أبعد من المشاهدة الأولى أو الاستمتاع اللحظي، لنسأل سؤال هو من صميم حقنا، بل وحق صناع الفيلم وجمهوره على أنفسهم: هل "هروب اضطراري" فيلم متماسك البناء حقاً؟ وهل يصمد أمام مشاهدة ثانية أو حتى مشاهدة أولى راغبة في التحليل لا الاستسلام للأدرينالين؟

مصير العمل من عناصره

لو جردنا الفيلم من عوامل الإثارة والمشاهد المنفذة بعناية، وكاميرات الدرون Drone الطائرة التي استخدمها خالد موسى بوفرة مبالغ فيها، واستمتاع المشاهدين ـ وقبلهم النجم نفسه ـ بمشاهدة أحمد السقا يقفز بالحصان من فوق حاجز أمني، سنجد أن ما يتبقى هي الحكاية أو الدراما. والدراما في أي عمل أياً كان نوعه تقوم على المزج السليم بين عناصر رئيسية: الفكرة والبناء والشخصيات والحوار والمحصلة النهائية.
هذه عناصر موجودة في فيلم الكوميديا والأكشن والميلودراما وأي شكل فيلمي آخر يمكن تصوره، فقط تزداد أهمية بعضها في مقابل البعض الآخر وفقاً للنوع، فبينما ترتفع قيمة الفكرة في أفلام الجريمة والتشويق، تعلو أهمية بناء الشخصيات وأزماتها الداخلية في الدراما الاجتماعية التي قد تقوم على أحداث عادية تقع لشخصيات مميزة، وهكذا.

انطلاقاً من هذا الفهم نجد أن "هروب اضطراري" يتمتع بفكرة جيدة فعلاً، فكرة صالحة لجذب انتباه المشاهد ووضعه من الدقائق الأولى للفيلم أمام سؤالين كبيرين أحدهما يتعلق بالماضي والآخر بالمستقبل. سؤال الماضي هو لماذا تورط هؤلاء الأربعة في هذه الجريمة؟ وسؤال المستقبل كيف سيمكنهم الخروج من المأزق وإثبات برائتهم والإيقاع بالفاعل الحقيقي؟

النجاح أو الإخفاق في الإجابة عن هذين السؤالين، والتقييم العام للفيلم بالتبعية، ترتبط منطقياً بالعناصر المذكورة. فالبناء المنطقي المتماسك هو السبيل الوحيد لتصديق ما يحدث للأبطال، وتمايز شخصياتهم وخلفياتهم ولهجة حوارهم، وفهم أزمة كل منهم هو ما يوضح لنا لماذا هم أربعة متهمين وليسوا واحداً أو اثنين أو ثلاثة، والاستنتاج النهائي أو الفكرة التي ينتهي إليها الفيلم هي ما تخبرنا إذا ما كان فيلماً يروي حكايات لبشر من لحم ودم، أم هو مجرد حدوتة للاستهلاك اللحظي خلال أيام العيد لا غير.

معضلة الفصل الأخير

(تحذير: هذا الجزء تضمن حرقاً لبعض أحداث الفيلم، ينصح بقرائته بعد مشاهدة الفيلم)

المؤلف والمخرج يرجآن الإجابة عن سؤالي الحكاية حتى الفصل الثالث والأخير من الفيلم، والذي نفهم فيه حقيقة الجريمة التي وقعت في البناية على يد مجموعة من رجال الأعمال (ثلاثة رجال وامرأة)، قرروا إلقاء التهمة على أكتاف أربعة أسماء عشوائية تم اختيارها من دفتر زوار البناية، ثم نرى كيفية تعامل الأبطال مع الحقيقة، والخطة التي وضعوها لإثبات برائتهم.

نظرياً، هو اختيار ذكي يحتفظ بالتشويق لأبعد مدى ممكن من الفيلم، ويشحن المسافة بين العقدة وحلها بما ذكرناه من مطاردات مثيرة ومشاهد منفذة بعناية. لكن على المستوى العملي يضع صناع الفيلم أمام تحدي الإجابة بشكل مقنع لكل ما تم زرعه من علامات استفهام. وهنا تظهر الأزمة في "هروب اضطراري" الذي يطرح إجابات لا تصمد أمام أي تفكير منطقي فيما حدث على الشاشة.

تعثر المنطق يبدأ من اختيار أربعة أشخاص لاتهامهم، والذي يبرره الفيلم بوجود جار شاهد أربعة أشخاص يفرون من مكان الجريمة، لتظهر الثغرة البديهية في منطق التخطيط: مقابل رأي شخص واحد شاهد من بعيد أربعة أشباح لا يمكنه التعرف على هوياتهم، لماذا تضع نفسك أمام مصيبة اتهام أربعة غرباء لا يعرفون بعضهم البعض، لكل منهم حياة وعالم وأشخاص قد يساعدوه في الخروج من المأزق، وقد يكون لكل منهم دليلاً يثبت برائته أو على الأقل يثبت عدم معرفته بالآخرين. بالإضافة لأن جميعهم (باستثناء تاجر المخدرات ربما) يفتقدون لواحد من ركائز جريمة القتل وهو الدافع، فمن المستحيل تماماً إيجاد دافع يبرر اشتراك صاحب محل المحمول مع هاوي الدراجات النارية الثري مع الأم المطلقة في قتل رجل لا يعرفونه.

ما نقوم به هنا هو التفكير بمنطق مخططي الاتهام، والذين يكشف أي تحليل بسيط لما فعلوه أنهم وضعوا خطة ركيكة لو لم تذهب لضابط موتور يريد إثبات التهمة على الأربعة لما كان من الممكن أن تتحرك القضية من الأساس بناء على اسماء في دفتر وأقوال متهم تم القبض عليه جوار الجثة وشاهد لم يميز شخصيات من رآهم يهربون. ومحاولة الرد على هذا بتدبير هروبهم يفتح باباً جديداً للمشكلات المنطقية يتمثل في سذاجة تدبير عملية التهريب، فإذا تمكن أمين شرطة فاسد من تهريب المتهمين الذكور، فكيف تمكن من تهريب البطلة من محبسها؟

هذا النوع من الثغرات لا يمكن غالباً للجمهور العادي أن يرصده خلال المشاهدة الأولى للفيلم، لكنه سيظهر عاجلاً أم آجلاً من قبل نفس الجمهور عند تجاوز الانبهار بالصورة، تماماً كما صار تفكك حبكة "مافيا" من النوادر الطريفة رغم نجاح الفيلم الكبير وقت عرضه.

هنا تظهر مشكلة إضافية هي التعاطف أو التوحد مع الشخصيات؛ ففيلم "مافيا" احتوى على شخصيات يمكن الوقوع في حبها وفهم أزماتها بعيداً عن الحبكة، بينما يكاد "هروب اضطراري" يخلو منهم، بل إن الضباط والشخصيات الفرعية تبدو أقرب للتعاطف من الأبطال الأربعة (باستثناء مصطفى خاطر ربما).

المشاهد يتعاطف تلقائياً مع المظلوم الذي يتعرض لمحنة، لكن ما هي أبعاد شخصية أحمد السقا؟ ما هي الأزمة الإنسانية الأصلية لشخصيته بعيداً عن تهمة القتل؟ وهل يكفي ما عرفناه عن أمير كرارة وغادة عادل للتعاطف معهما أو تذكر كل شخصية؟ تقييمي المتواضع هو أن ذلك لم يحدث في ظل انشغال المخرج بالإبهار التقني أكثر من تقريب الجمهور من الأبطال وتحريك مشاعره نحوهم لا تجاه المحنة التي يمرون بها.
هذا ما يجعل البراءة هي النهاية الكاملة لأنها نهاية كل ما نتابعه، لسنا في حاجة لمعرفة المزيد عن شخصيات لم نعرف عنها أصلاً ما يجعلنا راغبين في معرفة مصائرها بعد مغامرة الفيلم، وعن حكاية لم تطرح علينا تساؤلات أبعد من مسارها الظاهري، وهو مجدداً ما يؤكد قيمة الفيلم المرتفعة كعمل وقتي صالح للتسلية الآنية، والغائبة عند التفكير فيه كفيلم مكتمل صالح للبقاء في الذاكرة.

وفي النهاية

هذا يقودنا للعودة إلى بداية المقال، والتأكيد على أن "هروب اضطراري" هو عمل تجاري ناجح ومسل ومناسب لرغبات جمهوره من فيلم العيد، مصنوع باهتمام في عناصره التنفيذية وبسخاء محمود تجب تحية المنتج عليه ومطالبته بالمضي قدماً في المسار نفسه بدلاً من العودة لما اعتاد أن يقدمه من أفلام. لكنه في الوقت ذاته عمل ينقصه الكثير من الاهتمام بالدراما التي تُستخدم كل هذه العناصر في سردها والتعبير عنها. فيلم يمكن اعتباره خطوة سينمائية أولى جيدة وناجحة لمخرجه ومؤلفه، لكنها خطوة لا يجب أن يتعاملا معها باعتبارها نجاح كامل حتى يتسنى لهما أخذ خطوات للأمام في مستقبل تزاداد حاجات مشاهديه تعقداً في كل يوم عن سابقه.

اقرأ أيضا:

تعرف على إيرادات أفلام عيد الفطر.. "هروب اضطراري" في الصدارة

تعرف على إيرادات أفلام عيد الفطر 2017 .. أحمد السقا يحقق رقما قياسيا للمرة الأولى

ياسمين عبد العزيز لأحمد السقا: "مبروك على النجاح الساحق"