مسلسل "الجماعة 2".. لن يكون الجزء الأخير

تاريخ النشر: السبت، 24 يونيو، 2017 | آخر تحديث:
صابرين في مسلسل "الجماعة 2"

عندما قدم الكاتب وحيد حامد والمخرج محمد ياسين الجزء الأول من مسلسل الجماعة في عام 2010، تحدث الكثيرون عن المسلسل، وعن مدي صحة ما قدم فيه من معلومات وقصص تاريخية، وكذلك عن الإعجاب بالمستوي الفني للعمل من ناحية الإخراج والتصوير، وبالطبع عن الإعجاب بأداء بطل العمل إياد نصار لشخصية مؤسس الجماعة حسن البنا.

في ذلك الوقت اختار الكاتب وحيد حامد أن يكون السرد الخاص بالعمل، سرد متوازي يدور بين زمنين، الماضي في العشرينات والحاضر في نفس عام عرض المسلسل، فأنت تري في نفس الحلقة كيف بدأ حسن البنا في تأسيس الجماعة، وتري وكيل النيابة وهو يحقق الآن في أمر يخص الجماعة في 2010.

واعتقد أن ذلك السرد كان لربط الماضي بالحاضر في وقت كان ما يعرفه الجمهور المصري بشكل عام عن جماعة الإخوان المسلمين قليل وضبابي، لدرجة أن موقع الإخوان علي الانترنت نشر قصيدة يشكر فيها المسلسل أنه عرف الناس عن الجماعة ومؤسسها وأن المسلسل أدخلهم كل بيت، بالرغم أنهم في نفس الوقت هاجموا المسلسل واتهموه بتزييف التاريخ وأنه عمل موجه للإساءة لهم.

ما سبق هو أمر هام في النظر للجزء الثاني من المسلسل والذي يعرض في 2017 وبعد سبع سنوات وبالرغم أن سبعة سنوات ليس فترة طويلة جدا، إلا أنها حملت أحداثا فارقة جدا للجمهور المصري الذي عاش ثورتين، والأهم أنه شهد وصول الجماعة إلي كرسي رئاسة الجمهورية، وبدأ يتعرف الشخص العادي غير المهتم علي أن هناك جماعة ولها أعضاء وما يسمي بمكتب الإرشاد والمرشد العام وأعضاء المكتب بل ويعرف أسماءهم ويحفظ أشكالهم ليس فقط في فترة الرئاسة التي استمرت سنة ولكن منذ أن قرر المجلس العسكري تولي شئون البلاد في 2011.

وبالتالي فأعتقد أن قرار الكاتب وحيد حامد أن يأتي الجزء الثاني ليدور كاملا في زمن واحد هو الفترة من ( 1949 – 1966 ) كان قرارا واضحا لأن الأمر لم يعد يحتاج لإسقاط توضيحي علي الحاضر، لأن الجمهور أصبح يعرف الجماعة جيدا، بل والأهم أن تلك الفترة الزمنية تشبه إلي حد كبير ما حدث ويحدث الآن، فبدون الحاجة لأي رابط هناك لحظات كثيرة تشعر وكأن المسلسل تدور أحداثه اليوم في تجسيد لفكرة أن التاريخ يعيد نفسه.

مع بداية الحلقات ركز الكثيرون حول فكرة أن المسلسل يطرح معلومة خلافية منها أن الرئيس جمال عبد الناصر انضم في وقت من الأوقات لجماعة الإخوان، وهو الأمر الذي أثار الكثيرين للهجوم علي المسلسل بل والهجوم علي كاتب المسلسل.

ذلك الهجوم الذي أعتقد أن جزء كبير من الذين تبنوه لم يكونوا من متابعي المسلسل أو الحلقات بل عرفوا الأمر أو شاهدوا مشهد أو اثنين، لأن تلك المعلومة لا يمكن انتزاعها من سياق المشاهد والحلقات التي أوضحت في مشاهد متتالية أن جمال عبد الناصر كان يريد أن يجعل جميع التيارات تتحرك مع الضباط الأحرار في إطار حركة وطنية للتخلص من الحكم الملكي والاستعمار، بل ولأكثر من مشهد كان هناك خلاف بين عبد الناصر وبين الجماعة في فكرة علاقته بالتنظيمات الأخرى خاصة اليسارية، أو الخلاف حول حركة الضباط الأحرار هل هي حركة وطنية أم حركة إسلامية ورفضه لأن توصف بأنها حركة إسلامية وبالتالي فكرة أن المسلسل يقول جمال عبد الناصر إخواني هو طرح مبتور، يصلح كعنوان خبر لموقع يبحث عن عدد أكبر من القراءات. وبالتالي فالأمر قدم بطريقة فنية منطقية داخل السرد الفني للأحداث، فلم يكن من المهم أن تؤكد لي مذكرات أحدهم الأمر أو تنفيه شهادة الأخر، فالمسلسل في النهاية عمل فني يحمل وجهة نظر صناعه وليس مرجع تاريخي تصدره مكتبة الأسرة.

قد يكون ذلك الخلاف والانتقادات أبعدت الكثيرين عن التحدث عن العمل فنيا، وكيف أن المخرج "شريف بنداري" نجح في الكثير من التحديات الصعبة في عمل من ذلك النوع، فأنت أمام سيناريو يحمل الكثير من الأحداث التاريخية الجافة والأصعب أن تتابعها سريع فقد يمر خلال الحلقة عام أو أكثر، وأن المساحة المتاحة لك للتركيز علي الحالة النفسية والعاطفية للشخصيات ليست كبيرة وكذلك العمل هو جزء ثاني لمسلسل ناجح، ولكن شريف حاول وأري أنه نجح في أن يخلق إيقاع مثالي للحلقات والشخصيات، وذلك من خلال عنصرين أولا: اختيارات الممثلين، والتي كانت موفقة في الكثير من الشخصيات، والأهم أن طريقة الأداء جاءت متزنة من الجميع، فأنت لا تري انفعالت مبالغ فيه من أي ممثل سلبا أو إيجابا، فالجميع يؤدي في إطار هادئ، وهو ما يتضح في أداء ياسر المصري "جمال عبد الناصر" الذي قد لا يكون أفضل من قدم الشخصية في عمل فني، ولكنه هرب من فخ الأداء الكارتوني لعبد الناصر بالانفعالات الصارخة وإشعال السجائر بتوتر والحركة في كل مكان، بل جاء أداؤه في أكثر المناطق أمانا لممثل يواجه تحدي تقديم شخصية مثل جمال عبد الناصر، رغم أنه لا يمكن إغفال مشكلة أنه أعتمد طريقة كلام جمال عبد الناصر في الخطب وجعلها طريقة كلامه طوال الوقت وفي كل المواقف حتى وإن كان يتحدث مع مدير مكتبه أو يطلب القهوة.

هذا بالإضافة إلى محمد فهيم "سيد قطب" الذي استفاد من التقارب الشكلي بينه وبين الشخصية، ليأتي أداء الشخصية متزنا حتى وإن كان به لمحة من الجنون، لكن اعتقد أنه بلا توجيه واضح فإن شخصية مثل "سيد قطب" قد تجعل من يقدمها ينزلق إلي طريقة أداء صاخب ومسرحي مبالغ فيه، لكن "فهيم" لم يسقط في ذلك، إلا في لحظات نادرة خلال الحلقات.

الأمر نفسه ينسحب علي الجميع فسواء عبد العزيز مخيون "الهضيبي" أو صابرين "زينب الغزالي"، أو حتى محمد البياع "الملك فاروق"، فإن الأداء المتزن الهادئ هو السمة المشتركة للجميع والذي تشعرك للحظات أن الممثلين من نفس الفترة التاريخية وليسوا من هذه الأيام.

ثانيا: استغلال كل الإمكانيات البصرية لخلق الحالة النفسية والعاطفية للشخصيات والأحداث، فالمخرج هنا يقدم ما يريد أن يصل لك بدون الحاجة لمشهد حواري طويل، أو مشاهد صامته كثيرة، فقط بالتركيز علي ما يريدك أن تراه الآن ليصلك المعني، فمشهد تنازل الملك فاروق عن العرش وأن كان مليء بالأحداث، إلا أن نهاية المشهد ووقوفه أمام زجاج شرفة القصر وهو ينظر للخارج يوصل لك معاني كثيرة، كانت تحتاج للكثير من الجمل الحوارية، لكن لقطة واحدة كانت كافيه.

بينما في حالة تذكر زينب الغزالي للقائها مع حسن البنا، فأنت أمام مشهد مسرحي متقن الصنع يلائم فكرة أنها تحكي القصة بطريقة خيالية تجعل ما تراه يجب أن يكون علي قدر خيالها، كذلك فإن التركيز علي تفاصيل ما لشخصية من الشخصيات تجعلك تشعر أن الأمر لم يأت اعتباطا بل لهدف مثل تتابعات زواج و فرح علي العشماوي (محمد الشرنوبي) والتركيز علي مراسم الفرح الإسلامي، تدرك معناها ودلالاتها النفسية عندما يتم القبض عليه بعد ذلك.

ثالثا: الديكورات والملابس والإكسوارت، كل هذه العناصر جاءت بشكل شديد الانضباط وهو ما يؤكد التركيز الشديد في كافة التفاصيل مهما كانت صغيرة، حتى الأقلام والأوراق ونسخ الصحف، والأسلحة، وهو ما يعد تتطور كبير في صناعة الدراما التلفزيونية، ويؤكد علي امتلاكنا للعناصر الفنية القادرة علي ذلك ولكنها تحتاج المساحة والإمكانيات والاهتمام.

بالطبع عمل فني كبير مثل الجماعة يحتاج أكثر من مشاهده للحديث عن تفاصيله، خاصة أن المسلسل في لحظات كثيرة تشعر بعدم واقعية أن تتحدث جميع الشخصيات دائما بالاسم الثنائي حتى يعرف المشاهد من هو الشخص، فأنت تسمع اسم "شمس بدران" أو " علي العشماوي" في وسط الحوار أكثر من "شمس" أو "علي" وذلك بالطبع لصعوبة أن تعرف الشخصية ومن هي من مرة واحدة لأنك لا تملك أي معلومات مسبقة عنها، وهو ما يفتح الباب لعدد من التساؤلات حول أننا بحاجة أن يكون لدي الجمهور مادة تاريخية متاحة بشكل واضح في حالة رغبته للبحث والمعرفة عن الأحداث والشخصيات، خاصة أن المحتوي العربي علي الانترنت قليل بشكل عام، فما بالك في موضوع خاص وتاريخي، فإذا أراد شخص أن يبحث عن قضية مثل "تنظيم 65"، فما سيجده مجرد معلومات عامة وما هو أكثر يحمل وجهة نظر الجماعة نفسها وسردها للحدث بطريقتها.

أعتقد أن الجزء الثاني من مسلسل الجماعة لن يكون الجزء الأخير، لأن الحكاية مازالت تحمل العديد من الفصول، والتي تستحق أن تطرح، لأنها تحمل الكثير من النقاش حول تاريخ مصر الحديث وأحداثه، والأهم مستقبلها وما سيحدث فيه.