خاص- رسالة كان (3): سباق السعفة الذهبية.. فيلم سويدي يتسيد ربع الطريق

تاريخ النشر: السبت، 20 مايو، 2017 | آخر تحديث: السبت، 20 مايو، 2017
فيلم قمر المشترى

بعد انقضاء الأيام الثلاثة الأولى لمهرجان كان السينمائي في دورته السبعين، وصلنا لأول رقم يمكن من خلاله امتلاك تصور مبدئي عن المسابقة الدولية وتنافس السعفة الذهبية، ففي مساء الجمعة عُرض الفيلم الخامس من أصل 19 تتنافس في المسابقة، أي ربع الطريق، ومن هنا نبدأ تقييمنا الذي يحاول توضيح أبرز ما يخص كل فيلم من أفلام المسابقة حسب ترتيب العرض.

بلا حب Loveless (روسيا)

ينتمي فيلم المخرج الروسي الكبير أندريه زيفانتسيف لنوعية أفلام أمامها طريق من اثنين إما النجاح الكامل أو الفشل الكامل. الأفلام التي تقوم على حبكة تشويقية نكتشف في نهاية الأمر أن كشف الحقيقة فيها لا يهم صانع الفيلم كثيراً. أفلام مثل "لافينتورا" ميكل أنجلو أنطونيوني و"عن إيلي" أصغر فرهادي نماذج مثالية لهذا النوع.

في "بلا حب" يبدأ زيفانتسيف الفيلم بمدخل تشويقي بحت. شجار بين زوجين يستعدان للانفصال بعدما دخل كل منهما علاقة جديدة، كلا منهما يحاول التخلص من مسؤولية تربية الابن الذي يسمعهما ليكتشفا في اليوم التالي اختفائه. يضطران للبحث معاً عنه، وبدلاً من التصور الأولى الذي قد يرد للأذهان بأن بحثهما سيجعلهما يكتشفان ما أقدما عليه من خطايا في حق الصبي، المخرج يفاجئنا بالنقيض.

هو بالفعل فيلم "بلا حب"، أو هكذا يرى زيفانتسيف صاحب "ليفياثان" و"العودة" مجتمع بلاده. تفكك على مستوى الأسرة يمتد لفساد مؤسسي وبرودة تامة في التعامل مع قيمة الفرد حتى لو كان صبياً مختفياً قد يكون في خطر. الشرطة تتهرب من المسؤولية وتدفع الزوجين للعمل مع جماعة متطوعة من الأهالي، الجماعة تحاول لكن الأب والأم معنيان بالعثور على ابنهما لأسباب لا تشبه ما يجب أن يكون عليه شعورهما.
قدر هائل من السوداوية يرسمها المخرج القدير بهدوء وتأن، ليصل بنا للاستنتاج المؤلم: العثور على الفتى لا يهم أحداً، فلماذا يجب أن يهمنا؟ وإذا عثروا عليه لن يغير هذا من تعاسته، فربما من الأفضل أن يظل بعيداً. فيلم من أجود ما عرضته مسابقة كان لوقتنا هذا.
التقييم: ****

Wonderstruck (الولايات المتحدة)

أكبر إحباط في الأيام الأولى لكان جاء من الأمريكي الكبير تود هاينس، الذي ترقبنا الخطوة التالية بعد قصة الحب المثلية التي قدمها بكل رهافة قبل عامين في "كارول"، ليعود هاينس بفيلم تقوده فكرة سردية وإخراجية سيطرت على صانعه فأفقدته الكثير من أصالته ومن الزخم الإنساني الذي يميز أفلامه.

الفكرة هي سرد حكايتين يفصلهما نصف قرن تدوران عامي 1927 و1977. بطل كل حكاية طفل مصاب بالصمم، وفي الحالتين يهرب الطفل ويواجه العالم وحيداً. طفلة العشرينيات تفر من أب متجبر لتزور ممثلة أفلام صامتة مهووسة بها لنكتشف إنها والدتها، وطفل السبعينيات يصاب بالصمم جراء حادث وقع بعد وفاة والدته، فيهرب للتفتيش عن حقيقة والده.

الحكايتان تربطهما شخصية واحدة تجسدها نجمة هاينس المفضلة جوليان مور بألق منحنا مشاهد مؤثرة، والمخرج اختار سرد كل جزء بطريقة مختلفة، مع الاعتماد في الزمنين على الصمت والموسيقى التي لا تنقطع طوال زمن الفيلم تقريباً.

على مستوى الصنعة هذا بالتأكيد عمل أستاذ سينمائي يتقن صياغة المشهد الواحد بصرياً، أستاذ يستمتع في حالتنا بالشكل الذي اختاره لمشاهده ودراما فيلمه، لكن للأسف مجموع المشاهد يأتي أقل بكثير من قيمة كل منها على حدة، فيمنحنا "واندرستراك" فرصة لمتابعة فيلم لطيف، غير سهل الهضم بالنسبة لمشاهد اعتيادي، لكنه يكاد يخلو من معظم العناصر الدرامية التي منحت مخرجه فرادته في أفلام سابقة.
التقييم: ***

قمر المشترى Jupiter's Moon (المجر)

يفتتح المخرج كورنيل موندروكزو فيلمه بتوضيح للعنوان يقول فيه إن "كوكب المشترى يدور حوله 67 قمراً، واحد منهم فقط يضم سطحه مياهاً تشير لإمكانية الحياة عليه، هذا الكوكب يُدعى أوروبا".

الجملة تحاول مبكراً دفع الأذهان نحو فكرة حلم "أوروبا" كمهرب من عالم خانق، المرادف لرحلة اللاجئين غير الموثقين من سوريا للشواطئ الأوروبية والتي يفتتح الفيلم بلقطة بالغة الطول لإحدى هذه المحاولات الفاشلة التي تنتهي بتلقي شاب سوري لرصاصتين في صدره من شرطي هجرة مجري متوتر.

حتى هذه اللحظة نشعر بأنه فيلم آخر عن أزمة اللاجئين، وحتى صعود جسد الشاب للسماء يمكن تفسيره لحظياً بأنه مشهد سوريالي مرادف لقتله. غير أن المخرج يفاجئنا بالانعطاف الأغرب على الإطلاق: البطل بُعث حياً في صورة ملائكية يمكنه فيها أن يطير ويحرك الأشياء ويفعل الكثير من الأمور الخوارقية.

يتعرف عليه طبيب مجري يعيش مطارداً بالذنب والعار بعدما أجرى جراحة تحت تأثير الخمر تسببت له في فضيحة مهنية، لتربطهما علاقة مزدوجة الأهداف، فالطبيب يريد الاستفادة من قدرات الشاب مادياً، وفي الوقت ذاته يتعاطف معه خاصة بعدما تتهمه وسائل الإعلام بالإرهاب وتجعله مطارداً مطلوباً للعدالة.

الفيلم يتأرج بين كل شيء، بين التشويق على الطريقة الهوليوودية ومحاولة ملامسة قضايا كونية مثل الإيمان والعنصرية والهجرة غير الشرعية بل والقتل الرحيم، بين التماسك السردي في أجزاء والتفكك في مناطق أخرى، وبين محاولة جعل البطل مسيحاً معاصراً يتجسد لينير للناس طريقهم وأننا لا نفهم حتى النهاية ما هو هذا الطريق وكيف يمكن أن يكون طيران شخص سبباً في أن يغير شخص وجهة نظرة في قضية ما.
التقييم: ***

أوكجا Okja (الولايات المتحدة)

الفيلم الأزمة الذي لا يتوقف عن إثارة الجدل كل يوم خلال الأيام العشرة الماضية. عرضه الصحفي تأخر نحو 20 دقيقة بسبب صيحات الصحفيين واعتراضهم ضد شبكة نتفليكس الممولة للفيلم، ثم بسبب خطأ تقني نادر في كان بعرض الفيلم بأبعاد غير صحيحة، لنشاهد في نهاية المطاف فيلم المخرج الكوري بونج جون هو المصنوع خصيصاً للشاشات التلفزيون رغم ملائمته الكاملة للشاشة الكبيرة.

فيلم أمريكي بامتياز، يروي حكاية خيالية عن شركة تعمل في التطوير الجيني للأغذية تعلن عن اكتشاف سلالة جديدة من الخنازير هائلة الحجم، وتوزيع 26 منها على مزارعين حول العالم ليرعونها عشر سنوات يدخلون بعدها مسابقة لتقييم أفضل من قام بتسمين خنزيره.

صداقة تنشأ بين الفتاة الكورية وأوكجا الي يغدو حيوانها الأليف (علاقة تتشابه شكلياً مع "جاري توتورو" فيلم الياباني هياو ميازاكي البديع)، حتى تنتهي السنوات العشر وتكتشف الفتاة أن صديقها يجب أن يُنقل للولايات المتحدة كي يتحول إلى شرائح من اللحم. لتدخل مغامرة لتخليصه يعاونها فيها أفراد منظمة فوضوية لحقوق الحيوان.

"أوكجا" عمل مبهر على مستوى تقنية المؤثرات الخاصة التي حولت الحيوان الخيالي شخصية يتعاطف معها المشاهد بل ويبكي لأجلها، يشبه في بنائه الأفلام الأمريكية مع مزج بين عدة أنواع (الأكشن الكوميدي - فيلم النضج - أفلام ديزني للحيوانات)، مع مشاركة خفيفة الظل للنجمة تيلدا سوينتون في شخصيتين توأم هما أصحاب الشركة، وظهور باهت بصورة ملفتة لجاك جلينال الذي يؤدي دور عالم الحيوان الذي تستخدمه الشركة كواجهة تلفزيونية لها بأكبر قدر يمكن تخيله من المبالغة التي تتخطى حدود السخف.

الفيلم ممتع للمشاهدة ومؤثر في المشاعر كأي فيلم أمريكي جيد الصنع، لكنه يبدو غير ملائماً لمسابقة بقيمة كان، وذلك بعيداً تماماً عن قضية نتفليكس التي صارت حديث الساعة.
التقييم: ***

المربع The Square (السويد)

أغرب وأفضل أفلام المسابقة حتى الآن يأتي من المخرج السويدي روبن أوستلوند الذي يقدم نقداً كوميدياً مدهشاً لما بعد الحداثة على مستوى الفن وأنماط الحياة.

"المربع" يمتلك حبكة رئيسية واضحة عن مدير متحف الفن الحديث الذي يفقد هاتفه ومحفظته فيحاول البحث عليهما ويرتكب في سبيل ذلك خطئاً هيناً، لكن الخطأ سرعان ما يترتب عليه فضيحة ضخمة في الأوساط الثقافية بأكملها. غير أن الحبكة تظل في الخلفية إذ ما تحدثنا عن عناصر تميز الفيلم.

السخرية العبثية المُقدمة في صورة مشاهد طويلة أشبه بالاسكتشات تذكرنا نوعاً ما بأفلام مواطن أوستلاند الكبير روي أندرسون، لكنها اسكتشات موضوعة داخل الخط الرئيسي للحكاية، فمن الصعب تخيل أن يكون فيلماً يسخر بهذه الصورة من بعد الحداثة ثم يبني مساره طبقاً لها.

في أحد المشاهد الافتتاحية الممتعة يجري البطل كريستيان (كلايس بانج) حديث صحفي يعلق فيه على وصف أحد الأنشطة التي نظمها المتحف، فيقف مندهشاَ من الوصف الذي يحمل كل الكلمات الكبيرة التي لا تعني شيئاً، ثم يرد على الصحفية بإنها كانت مناقشة حول ما هو العمل الفني، وإنه إذا ما تم وضع حقيبتها في المتحف هل ستصير عملاً فنياً. تنفجر الصالة بالضحك بينما تنبهر الصحفية بالإجابة لدرجة وقوعها في حب كريستيان لاحقاً!

الفيلم مليئ بالمشاهد التي يصعب أن تخرج من الذاكرة، وكلها تحمل نفس السخرية المريرة والمخيفة من قدرة البشر على الإدعاء، وأقنعتهم التي تقع فجأة عند التعرض لضغط لنكتشف أن داخل كل إنسان وحش بدائي مهما بلغ مستوى ثقافته. فيلم أوستلوند يظب حتى لحظتنا هذه هو الأبرز في المسابقة، يليه فيلم "بلا حب".
التقييم: ****1/2


اقرأ أيضا

خاص - رسالة كان (2): تصريح ألمودوفار يثير الجدل.. وافتتاح مقبول لنظرة ما

خاص- رسالة كان: "أشباح اسماعيل".. افتتاح محبط لدورة احتفالية