مسلسل American Gods.. كيف تنجح في ربط المشاهد بالشاشة حتى نهاية الحلقة

تاريخ النشر: الجمعة، 5 مايو، 2017 | آخر تحديث:
American Gods

لا تعد رواية American Gods جديدة على الإطلاق على الوسط الأدبي أثارت جدلا واسعا فور صدورها في 2001 ثم توجت بعدد من الجوائز بعد عام وحيد، وفي 2017 تم إنتاج مسلسل مقتبس عنها بنفس الاسم.

الرواية جريئة للغاية وممتلئة بنوع من الفانتازيا التي من الممكن أن نسميها بالأمريكية النوع، والتي تحتوي على كل أنواع الممنوعات من صراع الآلهة إلى النظرة الفلسفية في صراع الإنسان مع خالقه.

هذا المسلسل يعد واحدا من أغرب المسلسلات التي قد تشاهدها طيلة حياتك عبر التلفاز بعد The Dominion من جانب إثارة الجدل وبعض الأشياء الأخرى، لكن من ناحية الدموية فهو سينافس بقوة مسلسل Hannibal.

بداية المسلسل أشبه ببداية الرواية بعض الشيء، مجموعة من المستكشفين يهبطون على أرض في الأمريكيتين ويعانون من مصير سيء للغاية، قوى خارقة للطبيعة تمنعهم من الدخول إلى الأرض وتحصرهم في منطقة ضئيلة ويصابون بإحباط شديد.

مع شعورهم بتجاهل الآلهة لهم، بدأوا في الصلاة وتقديم القرابين حتى أدركوا أنهم يعبدون إله الحرب، حلقات المسلسل تتناول بشكل أو بأخر قصص فردية متصلة بشكل ما بالعلاقة بين الإنسان والآلهة على مر العصور، الصلاة والأفعال هي جزء من قيمة المسلسل لكنها ليست كل شيء.

الشخصية الرئيسية في المسلسل هو "شادو موون"، رجل يخرج من السجن في وقت عصيب ليجد زوجته قد توفيت في حادث سيارة ومع الوقت يقابل شخصا يسمى نفسه بالسيد "وينزداي"، والذي يمتلك بدوره نظرة فلسفية حول كل شيء في الحياة يقدمه ببراعة إيان ماكشين.

بعد ذلك بدا وكأن الحلقة قد تشتت في سرد الأحداث وكأنك تشاهد فيلما حول رجلين تقابلا في دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، وسيارة كبيرة ثم مواجهة "شادو" مع أشياء خارقة للطبيعة، وأخرى طبيعية للغاية، إغواء الإنسان بالذهب والمتعة لطالما كانت التيمة المناسبة لتصوير الصراع البشري مع النفس.

المسلسل حاول في حلقته الأولى أن يمزج جميع الأحداث ويربطها للمشاهد ببعضها البعض، الفكرة الرئيسية حول الآلهة القديمة والحديثة، هناك من قرأ الرواية ويعرف ما سيحدث تحديدا وهناك من سيشاهد ليعرف.

يرتكز المسلسل على مفاجأة المشاهد وجعله يرى ما لم يكن يتوقعه أبدا على الشاشة يكسر أمامه كل شيء ويجعله في حيرة من أمره وهذا يفسر سر التقييمات المرتفعة للغاية مع الحلقة الأولى الأمر الذي حدث لمسلسل Preacher.

إن لم تقرأ الرواية فلا بأس مطلقا ستشعر بشيء ما مع التصوير المتميز للأحداث، شيء من الخبث أو الجمال الفريد من نوعه، أو خليط بينهما، الأمر خلال الحلقة الأولى كان منوطا بما يحدث خلال اللحظة الحالية، مثلا حينما هبطوا إلى الأرض كان جل همهم هو الخروج منها، "شادو" كان يرغب في حضور جنازة زوجته فقط، لم يفكر أي أحد في أي شيء سوى الوقت الحالي، الحلقة بدت وكأنها قائمة بذاتها، العديد من الأشياء التي تسمى بطريقة فلسفية بـ"متصلة-منفصلة"، لتشكل الحلقات فيما بعد ما يشبه القصص القصيرة لسلسلة كبيرة، بعضهم لديهم علاقات موجودة بالفعل مثل "ماد سويني" و"وينزداي" والبعض الأخر سيظهر خلال القصة كشخصية تمر علينا مرور الكرام أو يكون لها تأثير بشكل أو بأخر.

في نهاية الحلقة نقابل شخصا يدعى "تيكنيكال بوي" يخطف "شادو" مطالبا إياه بمعرفة خطة "وينزداي" لكن شخصية المخطوف لم تكن بهذا التعاون.

أساس الرواية بني على فكرة أن الآلهة موجودة فعلا، لكن في حالة واحدة فقط، وهي أن يؤمن بهم البشر، لأن الإيمان بالآلهة القديمة يؤمن لهم القوة، الأمر الذي رأيناه في المعتقدات اليونانية والرومانية القديمة، الآلهة موجودة لكنها بحاجة للصلوات دائما.

الرواية بعد ذلك تصحبنا في رؤية فلسفية أخرى، معتقدات البشر قد تم الاستحواذ عليها بواسطة صور إلكترونية وتكنولوجية جديدة، جعلتهم ينسون الآلهة القديمة ويفقدونهم سحرهم، وبالتالي آمنوا بآلهة جديدة.

على الرغم من أن العالم يبدو على المحك وأن هناك صراعا كبيرا بين معتقدات البشر من جهة والآلهة من جهة أخرى، لا يبد أبدا على أي شخصية في American Gods التأثر بمصير البشر والعالم، والمسلسل نجح في أن يصل بنا إلى تلك النقطة بكل بساطة.

المسلسل عوضا عن إيصال أي مشاعر للمشاهد حاول أن يركز أكثر على التعامل مع تلك الفرضية بنهاية العالم وما ظهر غيرها من مستجدات لخدمة شخصيات غريبة الأطوار تشارك دوما في محادثات، أي أن الحدث الرئيسي أمامك هو الشخصيات وليس نهاية العالم وهو أمر غريب رأيناه بعض الشيء في الحوارات التي يقدمها كوينتن تارانتينو في أفلامه.

بين الحين والآخر سيظهر عدة مشاهد حركية دموية وعنيفة للغاية، إضافة لمشاهد جنسية كل ما قد تتوقعه ستجده في هذا المسلسل وهو أمر رفع تقييماته بكل تأكيد، المسلسل يصحبك معه ويضعك في قلب الحدث بدلا من أن يضعك في مسافة المشاهد أو يضع حدا بينك وبينه، أنت في خضم الأحداث وعليك أن تشاهد للنهاية.

بالاقتراب من بعض الأشياء سنجد عملات ذهبية ودماء أمطار ومحاولات بائسة للفهم سواء لفهم مبدأ الخيانة أو العالم وكلاهما مستحيل.

الحلقة الأولى من المسلسل بدت فلسفية وقوية في حد ذاتها، إنها بحاجة لجعل المشاهد يستمر حتى اللحظات الأخيرة مؤمنا بأن ما يشاهده سيقوده إلى شيء يوضح الأحداث أو يوضح الساعة التي شاهد خلالها الحلقة الأولى ويتساءل مع نفسه هل أحب ما يفعله حقا أم أنه شاهد الحلقة لأنه امتلك وقتا لا يعرف فيم يقضيه؟ أم أنه شاهده لأن الجميع يتحدث عنه؟

ثم نعود إلى جملة قيلت خلال الحلقة الأولى :"لا يمكنك نسج القصص الضرورية للإيمان إلا إن كنت تمتلك شخصية". كانت تلك على لسان "وينزداي" وبكل تأكيد إن بدا كإله فهو أيضا شخص مخادع ذو شخصية قوية وتلك نظرة فلسفية أخرى من الرواية.

في بداية جريئة منه للغاية، نجح American Gods في أن يقدم كل شيء سواء الدموية أو التعمق في النفس البشرية وشرورها أو في طرح تساؤلات إلحادية أو مشاهد جنسية جريئة كليا عما عرف في المسلسلات وأكثر من ذلك مشاهد الرعب، المسلسل سيدفعك لمشاهدته على شاشة كبيرة وليست صغيرة لا لشيء إلا لكي ترى كل التفاصيل وأنت ستتساءل لماذا أفعل هذا؟ لنأمل أن يستمر في تقديم ذلك مع بقية الحلقات خاصة وأن الرواية كانت جريئة كفاية فكيف ستكون الأحداث المقبلة؟