براشوت عبده براشوت من صحيفة النميمة اليوم

تاريخ النشر: الاثنين، 25 يونيو، 2007 | آخر تحديث: الاثنين، 25 يونيو، 2007

أتذكر أول حوار صحفي فني أجريه ، منذ سبع سنوات في مكتب بأحد شوارع المهندسين ، وأنا أجلس بمواجهة المخرج والمنتج حالياً عادل أديب ، أناقشه عن فيلمه الأخير الفاشل تجارياً "أشيك واد في روكسي" واستمتع بحواديته عن فيلمه الرائع "هيستريا" مع العملاق أحمد زكي ، كنت حينها في عامي الجامعي الأول ، أسرد في بالي نصائح أستاذ التدريب الصحفي حينها مجدي الجلاد رئيس تحرير "المصري اليوم" الحالي ، بأن من أمامي ليس ضيفاً عزيزاً كما نسمع في الحوارات التليفزيونية ، وإنما مصدراً للخبر ، ومجالاً للتحقيق والبحث عن شيء يريده القارئ.

كانت الصورة التي رسمها لي الجلاد في العلاقة بين الصحفي والمصدر هي دستوري وأنا أحاول إقناع الفنان يحيى الفخراني بقبول إجراء حوار معي لمجلة "عين شمس الغد" ، التي تعلمت فيها مع أصدقاء تفرقوا الآن ما بين المؤسسات الصحفية والتليفزيونية والمحال التجارية ، كان عمري حينها 16 عاماً ، وواجهت النظرة المندهشة في عين الفنان الكبير من شكلي المراهق بثبات نابع من قناعتي بأن "المصدر يحتاجني كصحفي كما أحتاجه" حسبما قال أستاذي حينها خيري رمضان مساعد رئيس تحرير "الأهرام" حالياً.

انتظرت الصورة المثالية في بالي وأنا أتسلم شهادة تخرجي ، مصادر محترمة تعمل لفنها فقط ، علاقة واضحة ومحددة بين الصحفي ومصدره أياً كان ، معايير عملية ومواثيق شرف للعمل ، وقبل كل ذلك تقديس لحق القارئ في معرفة الحقيقة ونقلها شفافة بلا تلوين لمصلحة فلان أو ضد شخص علان .. ولكن.

كان لبراشوت عبده براشوت رأياً آخر ، سترى الأخ برشوت كثيراًَ أينما ذهبت ، قد يسألك من هذا عندما تقابله في مؤتمر صحفي لا يعرف عن صاحبه شيئاً ، لن يشغل باله بالبحث في أرشيف مؤسسته الإعلامية ، ولن يكلف نفسه عناء كتابة اسم الإنسان الجالس أمامه في "جوجل" قبل نزوله من مكتبه ، سيكفيه جمع تلك الكلمات وكأنه يكتب تلخيص خطبة الجمعة.

سيقف أمامك وأنت تمسك كاميرتك لتصور فنان ، وقد تتحلى بالأدب وتتركه يأخذ صورته كما يريد ، وتخاف على إفساد زاوية تصويره باهتزازة خارجة عن إرادتك ، فتنزل يديك حتى ينتهي ، ولكنه لن يتحرك من أمامك ، وحتى لو أخذ من الصور ما يكفي لملء ألبوم ، لن يدعك تقم بعملك لسبب واحد ، أنه يؤمن بأنك لتصبح أفضل إجعل الباقين أسوأ ، وليس بمحاولة التفوق على الناجحين بنجاح أكبر.

براشوت سيقابلك في أول لقاء بينكم بضحكة وإصرار على تبادل أرقام الهواتف ، وستجده يوماً يكلمك بعد حدث ما ، يسألك "إيه النظام النهاردة" من حضر ومن غاب؟ وما الذي كانت ترتديه فلانة؟ ولن يخجل من طلب بعض الصور ، لتراها فيما بعد ، ذلك بعد تكريمها بوضع اسمه على الخبر الذي ستشعر وأنت تقرأه وكأنه سبقك إليه.

ستسمعه وهو ينادي أي ممثل شاب بألقاب قد تسمعها من أحد المتهمين أمام ضابط التحقيق "باشا - يا فنان - يا زعيم - يا بيه" وقد تدهشك عبارات الإعجاب والتدليل وهو يلقيها عليه ليقنعه بالإجابة على أسئلته المكررة ، وعندما يلتفت إليك وراء ظهر الشاب لن يتورع عن مفاجأتك بقوله "ابن الـ... فاكر نفسه نجم" ، نفس المفاجأة التي ستصدمك وهو يوكز كتفك قائلاً "شايف المزة دي" وهو يشير إلى ممثلة قد لا يتعب نفسه بمتابعة أداءها على الشاشة ، أو البحث في دورها للنهضة بمستوى الفن ، سيكتفي بمتابعة تقاسيم فستانها العاري ، ووصف جمالها وأناقتها في عنوان حواره معها.

قد تقرأ لبراشوت مجموعة منتظمة من الأخبار والحوارات والمقالات والتحقيقات عن بعض الأسماء ، الذين ينقسمون إلى فريقين ، فريق يمجد فيهم ويحكي عن خصالهم البديعة ، وفنهم الراقي ، وفريق يوضح للناس كيف يخدعون جمهورهم ، وكيف يعيشون حياة مزدوجة ملائكة أمام الشاشات وشياطين بعيداً عنها.

وتتعدد الأسباب والنتيجة واحدة ، فبراشوت قد يرى في نفسه الموهبة لتأليف سيناريو أو كتابة أغنية ويهديها للمخرج أو الممثل أو المغني أو الملحن ، وعندما يجد رأياًَ مخالفاً لما يراه في نفسه من إمكانيات فذة ، ينقلب على مصدره .. أقصد ضحيته ، ويعلق لها المشانق ، ولو كان الرد بالترحيب فمن حقه حينها استغلال المساحة التي أكرمه بها الله لخدمة مصالحه الخاصة.

وقد يكون براشوت رجل مبادئ ، قد تستنكرها ، لكنها مبادئه التي لا يحيد عنها ، فهو إما كاره لكل الوسط ، مهاجماً للجميع على طول الخط ، ليظهر للقارئ على أنه الصحفي صاحب الكلمة الصادقة القوية الذي لا يخاف أحد ، وقد يكون رجلاً رقيقاً محباً للجميع ، لا يجد مشكلة في تسمية جميع الممثلين بلقب نجم السينما الأول ، ووصف جميع المطربين بأمراء الغناء والطرب ، أو بملوك الأجيال.

أما ما يريده البراشوت وما يظن أن قراءه يريدونه فهو قصة أخرى ، فأغلب أخباره ستكون عن فرح فلان الذي تكلف المئات ، على الرغم من أنه لن يسمح لأحد بالحديث عن مثل هذا الشيء الخاص بشكل عام ، أو ستجده يكتب عن حمل هذه الفنانة وطلاق الأخرى ، سيشعرك بأنه حصل على السبق الأول إذا عرف راتب أحد الفنانين ، على الرغم من أنه لن يطلعك على أسعاره في المؤسسات الكثيرة التي يخدمها في الوقت نفسه ، وعن سعر القطعة التي يبيعها لكل صحيفة ومجلة دون النظر إلى الانتماء للمكان الأصلي أو العمل كفرد في مؤسسة.

ستجده غاضباً إذا لم يرد مصدراً على سؤال ، لا تعنيه خصوصية ذلك الإنسان الذي يضعه عمله تحت الأضواء ، ولا يهمه الحالة النفسية التي يكون فيها ذلك الآدمي وهو يسير في الشارع كأي مواطن ، ليس من شأنه كون المصدر في حالة سيئة عندما يتصل به في بيته أو على هاتفه ، فالمصدر مطلوب منه تلبية طلبات برشوت في كل لحظة وأي وقت ، وإلا سيكون مغروراً ومتكبراً ، بغض النظر عن المبدأ العالمي "بين الشاري والبايع يفتح الله".

براشوت ليس وحده من يفعل ذلك ، هناك المئات من البراشوتات ، الكثيرون ممن يحاولون مثلي الوصول إلى النموذج الصحفي السليم ، وقد نوفق أو نفتح براشوتات السقوط ، قد نسقط بسبب منظومة كاملة لا تعرف معنى الاحتراف الصحفي ، لا تفهم الحدود بين صاحب القلم والحالة التي يرصدها أياً كانت ، منظومة يأخذ قريباً لي فيها مكاناً في أحد أهم الصحف المستقلة ليندد بالفساد الحكومي ، على الرغم من أنه لم يكن يذهب إلى مكتبه في مركز الشباب بقريته عندما كان يعمل فيه موظفاً إدارياً.

"وما أبرىء نفسي ، إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ، إن ربي غفور رحيم" صدق الله العظيم.

فقد أكون براشوتاً عن غير علم ، لكني أنادي غيري ألا يدونوا أسمائهم في فرقة المظليين ، ليحاولوا أن يكونوا يوماً صحفيين.