رسالة مهرجان روتردام (3).. ختام دورة ناجحة ومسابقة قوية

تاريخ النشر: الاثنين، 6 فبراير، 2017 | آخر تحديث: الاثنين، 6 فبراير، 2017
فيلم king

بنجاح كبير اختتمت فعاليات الدورة السادسة والأربعين من مهرجان روتردام السينمائي الدولي. نجاح تشهد به الأرقام التي أعلن عنها المهرجان في ليلة ختامه.

المهرجان عرض 484 فيلماً ضمن برامجه المختلفة، منها 105 أفلام استضاف المهرجان عرضها العالمي الأول، و14 فيلماً قام المهرجان مسبقاً بدعمها من خلال صندوق هوبرت بالز لدعم الأفلام.

حضر عروض المهرجان أكثر من 314 ألف مشاهد، واستضافت أروقته 316 مخرجاً و1910 محترفاً من العاملين بصناعة الأفلام من مختلف دول العالم. ومن بين الأفلام التي تحتوي على تصويت للجمهور في نهاية العرض، حصل 63 فيلماً طويلاً على متوسط تقييم يفوق أربع درجات من خمسة، بما يشير لرضا كبير من المشاهدين على مستوى الأفلام المعروضة.

جوائز المسابقة الأقوى

أما على المستوى النقدي فلابد وأن نشيد بمستوى اختيارات المهرجان لمسابقته الرئيسية، مسابقة نمر هيفوس التي تعد أصغر مسابقة رسمية لمهرجان دولي في العالم، حيث لا تضم كل عام سوى ثمانية أفلام تتنافس على جائزتين قيمتهما 40 و10 آلاف يورو، هدفهما حسب المهرجان هو اكتشاف وترويج وتمييز المواهب الواعدة في عالم السينما.

بعد مشاهدة الأفلام الثمانية المتنافسة يمكن القول بأن هذه واحدة من أقوى المسابقات على الإطلاق، وإن لجنة التحكيم بالتأكيد قد واجهت صعوبة بالغة في الاختيار بين أعمال جميعها بلا استثناء تمتلك قدراً لا بأس به من الجودة، وهو أمر نادر الحدوث في مسابقات المهرجانات الكبرى التي عادة ما نشاهد فيها أفلاماً لا نعرف كيف وصلت إلى هذا المكان.

جائزة نمر هيفوس الكبرى نالها الفيلم الهندي "سيكسي دورجا Sexy Durga" للمخرج سانال كومار ساسيدهاران. فيلم طريق من نوع خاص مظلم ومخيف. شاب وفتاة يرغبان في الوصول لمحطة القطار بإحدى الليالي الحالكة. لا نعرف أبداً من ماذا يهربان أو إلى أين يريدان الوصول، لكن الأهم هو ما يقابلانه في الطريق.

الليل الهندي قاس على الوحيدين، على الضعفاء، وعلى المحبين في حالتنا هذه. يجد الحبيبان نفسهما مجبرين على البقاء مع سائق مريب ورفاقه. لتصير الرحلة تجربة للبقاء داخل مساحة غير مريحة، مساحة لا يمكنهما أن يشعرا فيها بالأمان، لكنها أيضاً ليس مخيفة يجب الهرب منها، لأن الخارج المظلم يبقى مخيفاً أكثر من تصرفات رجال يستمتعون بالتلاعب بأعصاب البطلين.

لجنة التحكيم قالت في حيثيات الجائزة أن الفيلم نالها "لمدخله الجرئ والمتنوع في خلق جو عام من التوتر الدائم. طريقة استخدام الكاميرا والتمثيل يعطيان شعوراً بالآنية والزخم، مع تقديم نظرة ثاقبة على ديناميات القوة متعددة الطبقات للجنس والطبقة والسلطة.


جائزة لجنة التحكيم

أما الجائزة الثانية وهي جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأحسن إسهام فني، فقد نالها فيلم سبق وتناولناه بالتحليل في رسالة سابقة مشيرين لتميّزه وجرأته التجريبية على مستوى الشكل والمضمون، هو الفيلم التشيلي "ملك King" للمخرج نايلز عطالله، الذي قام عام 2011 بتصوير بعد المشاهد على خام سينما 35 و16 و8 ملليمتر، ثم قام بدفن خام بعض المشاهد في حديقة منزله وتركه عدة أعوام، ليستفيد من التحلل الجزئي الذي يصيب هذه المشاهد في تكوين فيلمه بصرياً، وربطه بفكرة الحقيقة التاريخية وتحللها بمرور الزمن، خاصة وهو يروي حكاية مستكشف فرنسي حاول إعلان استقلال جزء من تشيلي وإعلانه مملكة يحكمها، فكان نصيبه الاتهام بالجنون والعمالة والعقاب بالموت.

لجنة التحكيم وصفت الفيلم بأنه عمل "رؤيوي وطموح ولعوب، يمتلك كثافة الحلم الأشبه بالحُمى، دفع اللجنة لتقدير وتشجيع المخاطر التي اختار المخرج طواعية أن يواجهها"، في إشارة مجددة لما يمتلكه الفيلم من جرأة يلمسها كل من يشاهد هذه التجربة الفريدة من نوعها.

أفلام مميزة خارج الجوائز

بخلاف الفيلمين المتوجين يتبقى ستة أفلام نتوقع أن يتوج معظمها لاحقاً بجوائز في مهرجانات أخرى، منها ما يستحق أن نشيد به في هذه المساحة حتى لو لم ينال جوائز في روتردام. على رأسها الفيلم الأمريكي "كولومبوس Columbus" للمخرج كوري الأصل كوجونادا، الذي يصنع فيلماً يمزج الدراما بفن ليس من المعتاد أن نراه بهذا الوضوح رغم تواجده الدائم على الشاشة وهو فن المعمار.

كوجونادا اختار مدينة كولومبوس الصغيرة في ولاية إنديانا، والتي يعتبرها البعض رغم صغرها متحفاً للمعمار الحداثي بمبانيها التي تجعل أحداث الفيلم تدور في عالم خاص جداً على المستوى البصري، والمرتبط بالحكاية التي تروي مقابلة بين فتاة مهووسة بالمعمار اضطرت للتخلي عن حلمها لأسباب أسرية، وشاب والده أحد أساتذة نفس الفن لكنه على النقيض يكره ما يمثله المعمار في حياته. ليخلق هذا التزاوج بين الوسائط فيلم لقاء عابر Brief Encounter من نوع خاص جداً.

فيلم آخر ممتع هو "أوقات متميزة Quality Time" للمخرج الهولندي دان باكر، الذي اختار أن يحكي خمس قصص عن أشخاص في منتصف العمر كلهم يمكن وصفهم بالفشلة على المستوى الاجتماعي، لكنهم مجبرين في الحكايات الخمس على قضاء وقت مع أشخاص آخرين لا يعانون من المشكلة ذاتها.

باكر يقدم حكاياته بشكل متتالٍ وبأسلوب عبثي يختلف تماماً من كل حكاية للأخرى، لدرجة تصل للتجريد في حكاية الشخصيات فيها عبارة عن نقاط ملونة تتحرك على الشاشة كألعاب الفيديو القديمة، لكنها تتحول في ذهن الجمهور إلى شخصيات يتفاعل معها وتتصاعد ضحكات المشاهدين على ما تقوله وتفعله.

باقي الأفلام المتنافسة ضمت الفيلم البرازيلي "أرابيا" للمخرجين أفونسو أوتشوا وخواو دومانز الذي تحدثنا عنه في الرسالة السابقة، الفيلم الإسباني "أختي" لبيدرو أجويليرا، فيلم "ما بعد ذلك مضيء Light Thereafter" للمخرج البلغاري كونستانتين بوجانوف، وأخيراً فيلم "اللصة" للمخرجة الإسرائيلية هاجر بن عاشر. وجميعها كما قلنا تمتلك قدر واضح من الجودة.

بهذا يُسدل الستار على دورة مميزة من مهرجان مشغول دائماً بالتجارب الواعد، شكل في دورته السادسة والأربعين أفضل افتتاح للعام السينمائي الذي سنواصل متابعته فعالياته بعد أيام في مهرجان برلين السينمائي.

اقرأ أيضا
خاص- رسالة مهرجان روتردام (1): تجارب مدهشة من أمريكا اللاتينية

خاص- رسالة مهرجان روتردام (2) "زهرة الصبار".. النظرية والتطبيق في الفيلم العربي الأهم في المهرجان