أفلام للجمهور ، وأفلام للنقاد!!

تاريخ النشر: السبت، 21 مايو، 2005 | آخر تحديث: السبت، 21 مايو، 2005

في الآونة الأخيرة ، أصبح إنتاج صناعة السينما المصرية قادرا على الوصول إلى 25 فيلماً في السنة الواحدة "هذا بالتقريب" مع تباعد مواعيد عرضهم "الثابتة" في دور العرض ما بين موسم الصيف والأعياد ، فتجد أن حصيلة العام من الأفلام "على سبيل المثال" تم تقسيمها كالآتي :

15 فيلما للجمهور "مبيعات عالية في شباك التذاكر"

5 أفلام أعجب بهم النقاد

5 أفلام لم تعجب أي من الجمهور أو النقاد و"ذهبت مع الريح"

والآن ، لنعرف ما هى "مقادير" أفلام الجمهور؟ ممثلون محبوبون من الجماهير ، أو بالأصح ممثل وممثلة أثبتا وجودهما على الساحة وشكلا "ثنائيا" ناجحا على الشاشة + منتج لا بأس به يقبل أن يدفع "مبلغا وقدره" لكي على الأقل يعطي هذا الزوج أجره ، لأن جمعهما تحت سقف فيلم واحد سيكون بلا شك مكلفا! + توابل القصة أو "الحبكة" الدرامية التي يفضلها الجمهور ، من قصة حب تجمع بين البطل والبطلة ، ولا مانع من وجود بعض الأكشن "الخفيف" ، مع بعض الكوميديا المضحكة ، ثم موقف درامي وحزين لتكون "التورتة" أقصد الفيلم جاهزاً ليحصد أموال الجمهور ـ أنظر لـ"أبو علي" ، "زكي شان".

أما أفلام النقاد فليست مليئة بالمكونات ، بل قد تكون خفيفة وبسيطة التكاليف ، ولكنها تترك بداخلك إحساسا "بالشبع" والمتعة بعد المشاهدة ، كل ما هو موجود بهذه الأفلام "فكرة" محبوكة وواضحة المعالم ومنطقية ، وحرفية من المخرج ، حتى وإن لم تكن على قدر عال من الإبهار ، لأن ذلك يختلف من مخرج لآخر حسب دراسته وخبرته ، وأداء مقنع من الممثلين الذين قد يكونوا مجهولي الهوية بالنسبة للجمهور ، ولكن كل من هم موجودين الآن حصلوا على الفرصة التي قدمتهم للجمهور ، ولذلك ، فالمهم هنا هو الأداء وليس الشهرة ـ أنظر "باب الشمس" - وقد يكون الفيلم ناجحا مع وجود عدد من العمالقة والمحترفين اشتركوا في صناعته ، وخرج إلى النور بشكل مذهل ومثير ـ أنظر "خالي من الكوليسترول".

أما الأفلام "الغلبانة" التي لم تنل إعجاب أي أحد ، فمكوناتها ليست محددة أو ثابتة ، فقد يكون بها ممثل مشهور ومحبوب من الجمهور هو بطل العمل ، ولكن أطراف العمل نفسه لم تكن موفقة ، كأن تكون القصة على سبيل المثال غير مقنعة أو أن المخرج لم يستوعب موضوع الفيلم بشكل ناضج أو محترف بالشكل الصحيح ، أو أن يكون الإنتاج بخيلا إلى الدرجة التي تمنع المخرج حتى من أن يحاول التصرف كمخرج محترف والعمل بأقل الإمكانيات ـ أنظر "أشتاتاً أشتوت" ، "سيب وأنا سيب"!

قد يكون هذا هو سبب التقسيم ، ولكن ما أحاول الوصول إليه هو السبب الذي يجعل المشاهد العادي لا يؤيد الأفلام التي يصنفها معشر النقاد على أنها مغذية للعقول ، لماذا يفضل هذا المشاهد دائماً الأفلام "الفارغة" ، التقليدية التي لا تتذكرها بعد مشاهدتها؟ هل وصل المشاهد إلى درجة من التعب الذهني والإرهاق البدني لكي يرضى بأي فيلم أو قصة أو ابتسامة "وخلاص"؟

السبب الذي توصل إليه من حاولوا دراسة هذه النقطة من قبل هو أن المشاهد لا يبحث عن الفيلم الذي يجعله يفكر ، بل يبحث عن الفيلم الذي يجعله ينسى همومه ومشاكله والحياة من حوله ، و لو للحظات!

هذه النظرية قد تكون ـ وبنسبة كبيرة ـ صحيحة في مصر ، ولكن هذا لا يمنع أن المشاهد قد يتعامل مع الأفلام الجادة بشيء من القبول والترحاب ، مثل النجاح الذي حققه فيلم "سهر الليالي" ، على الرغم من أنه أول عمل للمخرج هاني خليفة ، مما يضع الخبرة في أقل معدلاتها ، إلا أن تحكمه في ثمانية ممثلين من الشباب ، وتفهمه لقصة تامر حبيب كانا موضع ترحيب وتهليل من الجميع ، سواء من الجمهور أو من النقاد.

فهل هذا يعني أنك إذا وضعت مجموعة لا بأس بها من الممثلين الشباب في فيلم واحد مع منتج لا يبحث عن التفاهة بل الجدية في العمل ، وموضوع جاد وهام وممتع في نفس الوقت ، ومخرج موهوب حتى وإن كان في بداية مشواره أن نكون توصلنا إلى المعادلة الصحيحة للنجاح؟!

إذا كان ذلك صحيحاُ فإن ذلك ليس بالحل السهل أو المتاح ، بداية مع أن فكرة إرضاء جميع الأذواق من الصعب ـ وليس مستحيل ـ حدوثها ، فإن إجراء هذه المعادلة الناجحة لن يكون سهلاً في صناعة السينما هنا في مصر ، والتي أصبحت تعد "تجارة" أكثر من إعتبارها رسالة لصالح المجتمع والفن.

ولكن البداية للوصول إلى نتيجة مرضية للجميع هنا قد تكون مع محاولة جيل الشباب من المشاهدين أن يعطوا لأنفسهم الفرصة لتكوين رأي خاص بهم حول الأفلام المعروضة أمامهم ، وأن يكون لهم رأي من الأساس ، ليس أن يصبح كل منهم ناقداً محترفاً أو ما شابه ، بل أن يثبتوا لصناع الأفلام أن لديهم الرغبة في التفكير والتعرض لمضمون ما ، وليس مجرد تضييع الوقت والمال لمشاهدة أفلام لن يتذكروا تفاصيلها بعد المشاهدة.

ومع ذلك ، فإني أرى أنه لا يوجد في الحياة ما يسمى "المستحيل" ، كل شئ قابل للحدوث ، ولكن هل سيشهد جيلنا هذا التغيير؟ أم أن هذا سيكون من نصيب الأجيال القادمة؟!