"من 30 سنة"- تأثر واضح بـ "البرنس".. وطموح الفيلم أفضل وأسوأ ما فيه

تاريخ النشر: الجمعة، 8 يوليو، 2016 | آخر تحديث:
منى زكي وأحمد السقا في "من 30 سنة"

في عام 1984 قدم المخرج فاضل صالح والمؤلف وجيه نجيب واحداً من أغرب التجارب في تاريخ السينما المصرية، فيلم بعنوان "البرنس"، لعب فيه النجم حسين فهمي ثمانية شخصيات من بينهم سيدة، هم أفراد عائلة الخربوطلي التي يقوم حفيدها الطريد (أحمد زكي) بقتلهم تباعاً حتى يسترد حقه في الثروة ولقب البرنس الذي حُرم منه بعدما طُردت أمه من العائلة لزواجها من مغنٍ فقير.

تحذير: هذا المقال يحتوي على معلومات تكشف عن نهاية الفيلم، إذا كنت تنوي مشاهدته يُفضّل تأجيل القراءة لبعد خروجك من قاعة العرض

الحقيقة أنني لم استطع أن أتوقف عن الربط بين هذه التجربة وبين فيلم "من 30 سنة" للمخرج عمرو عرفة والمؤلف أيمن بهجت قمر والمنتج وليد منصور، والمعروض حالياً في الصالات المصرية، من بطولة عدد كبير من النجوم منهم أحمد السقا وشريف منير ومنى زكي وميرفت أمين ونور.

عيد الفطر 2016.. 6 أفلام كوميدية في مواجهة السقا

ربط انطلق من شكل علاقة بطل الحكاية عماد (السقا) بالعائلة وبالمشاهد، فهو الطرف الفقير في عائلة ثرية، وهو من يعيش في غرفة قديمة بينما يسكنون هم القصور، وهو من يروي لنا الأحداث المكتوبة في صورة رواية (في الفيلم القديم يكتب البطل مذكراته)، ومن تعليقه الصوتي نعرف من اللحظات الأولى أن هذه العائلة ستتعرض لكارثة قام البطل برصدها فيما يكتبه ويرويه.

سرقة أم تأثر؟

لا يمكنني هنا أن أتهم المؤلف أيمن بهجت قمر بالسرقة، لأن فيلمه كما سنشرح لاحقاً مليئ بالتفاصيل المختلفة التي أخذت الحكاية لمساحة أخرى من التأويل، لكنه أيضاً من الصعب ألا يكون هناك تأثر، بل تأثر واضح تؤكده تتابعات النهاية، كان من الأفضل أن تتم الإشارة إليه بشكل ما في تترات الفيلم، ففي النهاية لا أجد في هذا الشكل من معالجة التراث والتأثر به ما يعيب طالما تمكن صناع العمل الجديد من وضع إضافاتهم لما سبق.

لاحظ أن التأثر لا يتوقف عند شكل الراوي أو علاقته بالعائلة، بل يمتد إلى رقم أفراد العائلة (تسعة في الحالتين وإن كان بطل فيلم البرنس يقتل منهم ستة فقط ويموت ثلاثة بشكل طبيعي)، وإلى محرك جوهري في شخصية البطل هو شعوره بالضعف والهوان بسبب تفضيل امرأة يحبها لرجل آخر عليه بسبب فقره وثراء منافسه، وأن هذه العلاقة كانت السبب في دفع الحكاية لشكل نهايتها بعدما اعتقد البطل أن خطته الأصلية قد انتهت بنجاح.

التفسير الوحيد الممكن تصوّره هو خشية صناع فيلم "من 30 سنة" أن يتسبب إعلان مصدر التأثر في حرق الفيلم على مشاهديه، أو بالمصطلح الدراج في الصناعة تقوم بكشف "التويست" أو الانقلاب الدرامي الذي يتم في النهاية، باعتبار أن الفيلم الجديد هو فيلم تشويقي يتم إخفاء جزء من الحقيقة فيه عن المشاهد حتى الدقائق الأخيرة، بينما الفيلم القديم حكاية مكشوفة معلنة من بدايتها. تفسير قد يحمل بعض الوجاهة، لكن الخوف على حرق الأحداث لا ينفي الحق الأدبي (ومؤلف الفيلم من أكبر المدافعين عنه)، ناهيك عن أن "تويست" النهاية ـ كما سنوضح ـ كان أحد الأسباب الجوهرية في جعل المحصلة النهائية للفيلم تقل كثيراً عن طموح العمل.

إنتاج طموح ومعالجة أعمق.. ولكن

الطموح في "من 30 سنة" يستحق التحية بالتأكيد، فإقدام منتج يقوم بتمويل فيلمه الأول على جمع هذا العدد من النجوم في فيلم واحد، وإنفاق ميزانية هي بالتأكيد ضخمة قياساً على زمن الفيلم الممتد لأكثر من ساعتين ونصف، هي مغامرة تُحترم حتى لو لم نرض عن نتائجها.

وإذا كنت قد أوضحت تأثر الفيلم بعمل فاضل صالح فمن الإنصاف القول بأن فيلم الثمانينيات كان كارتونياً بعض الشيء، ليس فقط بسبب القرار المغامر بجعل حسين فهمي يلعب كل الأدوار، وإنما لأن هذه الشخصيات نفسها قد رُسمت بشكل كاريكاتوري مسطح لا يهدف إلا لتنويع شكلها الخارجي، بينما ما حاول أيمن يهجت قمر فعله هو رسم أزمة وصراع شخصي لكل فرد من أفراد العائلة، وربط هذا الصراع بالطريقة التي يموت بها هذا الشخص، وهي رغبة في تعميق الحكاية حتى لا تقتصر على صراع حول المال، وتصبح حاجة البطل للتقدير والثروة هي سعي لما ينقصه، يوازي بشكل ما حاجة كل فرد من الضحايا لشيء ما ينقص حياته التي قد تبدو من بعيدة سعيدة، بما يصب في التيمة الكلية للعمل حول "المال الملعون" الذي يقضي على أصحابه.

المأزق المترتب على القرار السابق هو جعل السيناريو مزدحم جداً بالخطوط الدرامية، أكثر مما تحتمله مساحة فيلم سينمائي. هذا عمل به خمسة خطوط درامية على الأقل، اثنان منها كافيان لكتابة فيلم سينمائي ناجح ومتماسك مدته داخل المتوسط وليست ممتدة جداً كما يعاني "من 30 سنة". بل أنه يمكن القول بضمير مستريح أن ما يمتلكه الفيلم من مادة درامية أكثر من بعض ما امتلكته مسلسلات رمضانية زمن عرضها يتجاوز 15 ساعة!

مأزق الإشباع والأسلوب

تنوع الخطوط الدرامية وأزمات الشخصيات دليل على خيال واسع يمتلكه المؤلف، لكن هل بالضرورة أن يعني هذا أن يكون الناتج على نفس القدر من الثراء؟ بالطبع لا، والسبب هو أن وجود الشخصية وأزمتها الدرامية ليس سبباً كافياً للنجاح مالم يتمكن الخط من بلوغ حد الإشباع الدرامي، من شعور المشاهد بأن هناك حكاية قد اكتملت ودائرة قد أغلقت فيما يتعلق بحياة هذه الشخصية، وهو ما يتحقق مثلاً في خط الخالة ميرفت أمين، التي تمثل لحظة موتها أقوي وأرق إنهاء لأحد خطوط الفيلم، فقط لأنها نهاية مشبعة مستمدة مما نعرفه عن تكوين الشخصية النفسي.

لكن هذا لا يمكن تطبيقه مثلاً على شخصيات نبيل عيسى وجميلة عوض ومحمد مهران، فكلها شخصيات يورطنا الفيلم في أزمات درامية تمر بها قبل أن يقرر ينهي الأزمة فجأة ودون إشباع، لتفقد الشخصية في لحظة ما اكتسبته من قيمة وتعود لهامش محدود هو دورها في سياق الحكاية الكبرى للفيلم، مجرد حلية تبدو للوهلة الأولى براقة لكنها لا تذهب لمكان. بل إن الأمر يظهر بشكل أوضح في شخصية صلاح عبد الله التي نعرف في مشهد وحيد أزمته الشخصية (وليست العائلية) بأنه قتل شخصين من قبل بالخطأ، قبل أن تُنسى هذه المعلومة ولا يعود الفيلم لها إطلاقاً، وفي هذه التفصيلة يتخلص العيب: لو كانت أزمة القتل مهمة فالفيلم قد أهدرها بلا طائل، ولو لم تكن مهمة فقد شاهدناها بشكل مجاني.

عيب آخر يخلقه العدد الكبير للخطوط الدرامية هو تفتيت الأسلوب الذي تُجسد به كل شخصية على مستوى الشكل واللغة وطريقة الأداء، فتبدو كل شخصية بشكل منفرد مميزة في المستويات الثلاثة، لكن عندما توضع جوار الشخصيات الأخرى يظهر تنافر شديد بين شخصيات كوميدية (رجاء الجداوي ومنى زكي) وطبيعية (أحمد السقا وميرفت أمين) وميلودرامية (صلاح عبد الله وابنيه)، لينتقل الفيلم بين مشهد ومشهد ـ بل داخل المشهد الواحد أحياناً ـ بين أساليب لا يجمعها شيء، ويكون على المشاهد أن ينفجر في الضحك في مشهد ثم يذرف الدموع في المشهد التالي ثم يبدأ التفكير العميق فيما يليه، دون أن يرجع ذلك لخريطة مشاعر ما يحددها الفيلم، وإنما لأن هذا هو المتاح بناء على شكل كل شخصية ولغتها وطريقة تجسيد الممثل لها.

هل الفيلم حقاً بحاجة إلى؟

الفيلم لم يكن في حاجة لكل هذا الزخم من الشخصيات، التي تبدو كما قلنا أنسب لصناعة مسلسل تلفزيوني سيكون أكثر إشباعاً لكل خط وصراع على حدة من إيجاده بشكل مبتور في فيلم سينمائي. بما يجعلنا نضع يدنا على سؤال آخر حول حاجة الفيلم لزمن عرضه الطويلة جداً، والإجابة من جديد هي لا. فحتى مع كثرة الأبطال وحكاياتهم، فإنه كان من الممكن التخلص من الثرثرة الزائدة في الحوار بين الشخصيات، والتي يُصر المؤلف أن يعرض مواقفها ثم يعيد توضيح ما عرضه بالكلام الكاشف عما يدور داخل عقولها.

الأم المتصابية التي نراها تتسبب بشكل ما في مصرع ابنها الوحيد لسنا في حاجة لأن نراها تعيد تكرار ما سبق في مشهد حواري طويل. مشاهدة العائلة الفقيرة المترابطة المحبة لبعضها رغم صعوبة الظروف تكفي ليفهم المشاهد الاختلاف بينها وبين الأسرة الثرية، وليس من الضروري أن يقف شريف منير بعدها ليسمعنا من جديد أنهم أحسن من عائلته التي لا تهتم إلا بالمال. حذف التكرارات من هذا النوع وحده (ومعها الأغنية التي تظهر في الفيلم بشكل مفاجئ ودون سبب إلا ضرورة وجود أغنية) كافية بأن تصل بالفيلم لحد الساعتين، وهو زمن كان ليُجنّب الفيلم الكثير من لحظات التعثر.

سؤال أخير أشرنا له من قبل هو: هل الفيلم كان حقاً بحاجة إلى الانقلاب الدرامي أو التويست في نهايته؟ وهو سؤال لا يمكن الإجابة عليه بشكل قاطع مثل سابقه، لأنه خيار سيجعل العمل فيلماً آخر ومن حق صناع العمل أن يختاروا نوع فيلمهم وشكله دون أن نُملي عليهم ذوقنا الخاص. لكن ما نستطيع قوله هو أن الانجذاب إلى النهاية التي يتم الكشف فيها عن مفاجأة تورط أحد الأبطال فيما حدث، ثم مفاجأة تالية بأنه لم يكن هو وحده المتورط، أهدرت الكثير مما كان من الممكن أن يزرعه الفيلم في عقل المشاهد حول لعنة المال الملوث، وجعل الأذهان تنشغل تلقائياً بالتفكير في منطقية النهاية قياساً على ما وقع من أحداث.

نقاط مضيئة

تتبقى الإشارة لنقاط مضيئة في "من 30 سنة" على رأسها شخصية الشاعرة حنان البغدادي، الفتاة السكندرية الموهومة والمتنطعة وطيبة القلب، والتي رسمها السيناريو بخفة ظل شديدة وجسدتها منى زكي بإجادة حقيقية، لاسيما في الفصل الأخير الذي تتجاوز فيه حنان الفقر لكن دون أن تتخلص من لغة جسدها الشعبية. وبدرجة أقل شخصية شريف منير (والدرجة تقل لأن التصرفات والأداء أقرب لشخصية ثري فعلي وليس مدعي ثراء). كذلك ديكورات الفيلم وبالتحديد ديكور محل الأسلحة وشقة الإسكندرية.

كل ما سبق يدفعنا لأن نصف فيلم "من 30 سنة" بأنه تجربة طموحة حقاً، أراد صُناعها أن يفعلوا كل شيء ويجمعوا كل النجوم والشخصيات والصراعات والمشاهد والأغنيات والنهايات المفاجئة في فيلم واحد، فكانت النتيجة أن تأتي كل عيوب الفيلم من طموحه الزائد عما يحتمله.


طالع أيضا
"جحيم في الهند".. خطوة للأمام.. كثير من الضحك.. وقليل من العيوب
هكذا أشاد الفنانون بفيلم "من 30 سنة"
أحمد حلمي يهنئ أبطال فيلم "من 30 سنة" ويضع زوجته في أخر القائمة
أحمد السقا ومنى زكي وشريف منير يحتفلون بـ "من 30 سنة" أول أيام عيد الفطر
بالصور- طرح 11 ملصقا دعائيا لأبطال "من 30 سنة"
صورة- أحمد السقا يودع "من 30 سنة" مع أصدقائه
تعرف على إيرادات مسرحية "أهلاً رمضان" في أول أيام عيد الفطر
تعرف على أسعار تذاكر حفلات عيد الفطر في لبنان والإمارات
تعرف على مسلسلات وأفلام وبرامج "صدى البلد" في عيد الفطر
بالفيديو - من سيربح الملايين في أفلام عيد الفطر 2016؟ البطولات جماعية تسيطر والخلطة الشعبية حاضرة