عمرو دياب.. الفنان الذي يسوق الريح في الأغنية العربية (رأي)

تاريخ النشر: السبت، 14 مايو، 2016 | آخر تحديث:
عمرو دياب

لم يكن نجاح ألبوم عمرو دياب الجديد مفاجئاً لنا ولمحبيه، فهو الفنان الذي تعود أن يدأب على تقديم كل جديد مهما كانت الظروف التي يمر بها هذا الفنان الجميل. وبعد استعراضنا السريع لأغلب ما كُتب عن ألبومه "أحلى وأحلى"، نستطيع القول أن الألبوم حقق نجاحاً لافتاً وحصل على صدى كبير في مصر وخارجها. إلا أننا نرى –من منطلق محبتنا لهذا الفنان ورغبتنا باستمرارية نجاحه- أن ندعمه بآرائنا، سلبية كانت أم إيجابية عن أي عمل يقوم به.

في البداية، ألحان الألبوم جميلة جداً ومتميزة لدرجة أن أي مستمع متأمل لها يشعر أنه يريد الاستزادة والإعادة. جمل لحنية طربية وعصرية تدخل القلب سريعاً ويصبح تردادها أمراً لا شعورياً عند المستمع خلال فترة قصيرة. ألحان تثبت للمستمع أن عمرو دياب يستطيع أن يكمل حياته الفنية بدون عمرو مصطفى، ومحمد يحيى، ومحمد رحيم، وخالد عز، وكل من تعودنا أن نقرأ أسماءهم على ألبوماته السابقة.

في هذا الألبوم أثبت "الهضبة" أن عمرو دياب الجديد مثل عمرو دياب القديم بل "أحلى وأحلى". وبالرغم من ما تردد عن تعاون "الهضبة" مع رحيم مجدداً إلا أن الأغنية لم تبصر النور لسبب يتراوح بين شائعات الخلافات أو التأجيلات لألبومات أخرى. المهم أن عمرو أثبت أن إسلام زكي ومحمد النادي وأسماء جديدة مثل سامح كريم وطارق نديم وبرازيلي بالإضافة لصديقه الجيتاريست عمرو طنطاوي قادرون على حمل ألبوم كامل وبعيداً عن الأسماء القوية القديمة.

أما بالنسبة للكلمات، فمع اعتراض الكثير على اعتماد عمرو على الشاعر تامر حسين بشكل كبير، إلا أن الأخير أثبت قدرته على التطور عاماً بعد عام، و قدرته على كتابة كلمات تحمل روحاً عصرية من جهة وفيها النفس الديابي القديم من جهة أخرى.

لا تزال ترن في أذني جمل لافتة مثل (عودك طرح قبل أوانه، ليها طلة يعلم الله عاملة إيه فيا، بقا مش عارف إيه غيرني يا بريء يا حنين يا ملاك) ليثبت تامر حسين أن اختيار عمرو دياب له لم يكن خاطئاً على الإطلاق.

ولعل أغنية "أحلى وأحلى" من حيث الكلام هي الأضعف من بين كلام الألبوم كاملاً. وهنا أيضاً يبرهن عمرو دياب في هذا الألبوم أن تخليه عن أيمن بهجت قمر، وبهاء الدين محمد وأمير طعيمة وغيرهم من الشعراء لم يكن بالخسارة الفادحة.

ولكن فليسمح لي عمرو بأن أهمس في أذنه ونقول: استبعادك لأسماء تعودنا تعاملك معها لا يعكس رغبتك في ترك القديم والتحول للجديد من باب التجديد، وإنما يبدو واضحاً كانعكاس لخلافاتك الشخصية مع هؤلاء. إذ لو كان المقصود من تركهم هو الانطلاق مع الجيل الجديد، لما عدت لأحمد علي موسى وخالد تاج الدين وعمرو طنطاوي. نصيحتي لك أن تبقى على مسافة واحدة من الجميع كما فعلت مع حميد الشاعري وشريف تاج وغيرهم.

وبالعودة لإيجابيات الألبوم، فبدا الألبوم متميزاً من ناحية التنويع في الألوان الموسيقية. فأغنية "أمنتك" مختلفة تماماً عن "معاك قلبي" عن "على حبك"، عن" حبيبتي"، عن "أنا وأنت" عن "وعدتك"، ولا يبدو التشابه في النمط الفني سوى في أغنيتي "رسمها" و"أحلى وأحلى". وهذا يحسب لذكاء عمرو، إذ أن المستمع، ومهما كان مختلفاً في تذوقه للأنماط الموسيقية، فلابد أن يجد شيئاً يرضي ذائقته في هذا الألبوم.

أما بالنسبة لتوزيع الألبوم، فهنا ما نود التوقف عنده مطولاً.

اعتاد عمرو دياب أن يكون الفنان الذي يسوق الريح في الأغنية العربية، فبالنظر لأغنية "نور العين" في عام 96 وتأثيرها على الأغاني العربية، سيلاحظ المستمع أن أغلب الفنانين حاولوا تقليده آنذاك، وخرجت الموسيقى وقتها من عباءة الإيقاعات الموسيقية الشرقية إلى إيقاعات لاتينية، كما وغلبت الروح الغجرية على فيديو الأغنية وقتها.. والأمثلة على ذلك كثيرة.

ثم عاد عمرو دياب في ألبومات "تملي معاك" و"حبيبي ولا على باله" و"علم قلبي" ليطرح أفكاراً موسيقية جديدة كان الحامل فيها مزج العربي بالغربي والتنوع في الإيقاعات. مما نتج عنه في ذلك الوقت تحوّل الأغنية العربية أيضاً من شكل لاتيني مكسيكي إلى أشكال عدة حاكت وقتها الهندي واليوناني والتركي والغربي والمغاربي.

ثم في عام 2007 يعود عمرو دياب ليطرح "نقول ايه" ذات طابع موسيقى "الهاوس" وأتبعها بــ "وياه" لتغلب على الأغنية العربية حالة الإيقاع الصاخب والــــbeat الذي جرب أيضاً أغلب الفنانين تقليده ومحاكاته.

من هنا ومن هذه المقدمة المتواضعة بإمكاننا أن نقول أن شكل الأغنية العربية لا يزال في مكانه منذ اقتراح عمرو دياب في 2007 و2009 الأخير. ومع كل ألبوم يصدره عمرو دياب نترقب الشكل الموسيقي الجديد الذي يرغب في إضافته لمكتبة الموسيقى العربية ولا نجده قد وفق في ذلك في ألبوماته الأخيرة من عام 2011 حتى عام 2014.

بالنسبة لهذا الألبوم، فيبدو أسامة الهندي هو خيار عمرو دياب الوحيد لتنفيذ رؤية عمرو دياب الفنية. قد يتفق البعض على إبداع أسامة الهندي –وهذا لا مجال للشك فيه- ولكن ما ينقص أسامة هو احتكاكه بالموسيقى العالمية أو تقديمه لأي اقتراح خلاق وجديد.

من يستمع لأغنية "لا لا".. سيتفق معنا في الرأي بأنها لا تختلف كثيرا (كنمط فني) عن أغاني المونديال أو كالتي غناها ريكي مارتن قبل سنوات.

من يستمع لأغنية "معاك قلبي" سيلاحظ أن بدايتها (أيضاً كنمط فني) لا تختلف كثيراً عن بداية أغنية أديل When We Were Young، استخدام البيانو مع "الجيتار البيز" مشابه تماماً في النمط لما تم استخدامه في الأغنية المذكورة.

من يستمع لأغنية "وعدتك" يشعر أنها أغنية هاربة من ألبوم "تملي معاك"، ومن يستمع لأغنية "عكس بعض" بالرغم من أنها توزيع عادل حقي سيشعر أن بدايتها كبداية أغنية Skyfall لأديل، والفاصل الموسيقي في الأغنية مأخوذ من روح موسيقى أداجيو لألبينوني، ناهيك عن التوزيع المعتاد لأغاني المقسوم والذي يصر عمرو دياب على اجتراره في كل ألبوماته الأخيرة.

مما سبق، أتمنى أن يعيد "الهضبة" التركيز لاكتشاف موزعين موسيقيين جدد، أو أن يتعامل مع الموزعين الحاليين على أفكار خلاقة لم يسبق لأحد أن طرحها سابقاً، لأن مكانة عمرو دياب في السوق كصانع موسيقى برأينا هي أكبر مما هو عليه حالياً.

ومع تعدد الآراء بين معجب ورافض لعمرو دياب الجديد، لا يسعنا أن نقول إلا أنه تعددت الآراء والنتيجة واحدة، وهي: عمرو دياب هو الفنان رقم واحد في الوطن العربي بلا منازع. بدأ منذ الثمانينيات، سبق من كان وقتها أمثال هاني شاكر وثروت وفؤاد، وتخطى من دخل في التسعينات أمثال مصطفى قمر وإيهاب توفيق، ولايزال ينافس بل يسبق كل من دخل مع بداية الألفية الثانية أمثال تامر حسني وحماقي.

عمرو دياب عودتنا على الإبتكار والتجديد والإبهار، ونتمنى أن تعود لتسوق الريح في الأغنية العربية.