صفحات The Jungle Book أكثر متعة على شاشات هوليوود 2016

تاريخ النشر: الأربعاء، 20 أبريل، 2016 | آخر تحديث:
The Jungle Book

منذ فجر التاريخ احتلت الحيوانات مكانتها في مخيلة البشر، ككائن مماثل أخر تحركه دوافع مقاربة ويتبادل الحوار مع أقرانه. في كل الشعوب والثقافات ستجد دوما تراث ما روائي واسطوري على هذة التيمة. تراث امتزج أحيانا بالأديان، التي تحتوي حكاياتها على الحيوان الذي يتحدث للبشر.

حكايات "كليلة ودِمنة" مثلا تعتمد كلها على هذه "التيمة"، وتحتوي على نصائح وحكم على ألسنة الحيوانات. في كل الثقافات ستجد أيضا تشبيهات وأوصاف مقتبسة من عالم الحيوان. الأسد كوصف للانسان الشجاع، أو الثعلب كوصف للماكر، أو الأفعى كرمز للخائن وغيرها.

الانسان وسط غابة من الحيوانات فكرة خيالية في عالمنا اليوم، لكنها تعبر عن نمط حياة حقيقي عرفه أسلافنا. نمط حاول العديد من الأدباء استعادته في رواياتهم، ومنهم البريطاني رديارد كبلينج الذي ألف حواديت "كتاب الأدغال" The Jungle Book ونشرها مسلسلة عام 1893 متأثرا بالفترة التي عاشها في الهند.

مجموعة "كتاب الأدغال" أو The Jungle Book تعتبر بذرة شخصيات أخرى شهيرة مثل "طرزان" الذي ظهر لأول مرة عام 1912، وقد تم اقتباسها عدة مرات سينمائيا. أول مرة كانت عام 1942 في فيلم خيالي ناجح ومبهر جدا بمقاييس زمنه، لكن تظل نسخة "ديزني" الغنائية التي تم انتاجها عام 1967 هى الأكثر صمودا في ذاكرة المتفرج الغربي، والأكثر تأثيرا أيضا على كل النسخ السينمائية والتليفزيونية اللاحقة.

تكنولوجيا صناعة السينما في هذه الفترات تركت أمام صناع الأفلام خيارات محدودة في التنفيذ. أولها محاولة التصوير بحيوانات حقيقية وهى طريقة يستحيل معها بالطبع صياغة نفس الكائن العاقل الموجود في الروايات، بسبب صعوبة توجيه حيوان ما تمثيليا بطريقة تعادل الانسان. والثانية صياغة الصورة كلها في رسوم متحركة تسمح بتنفيذ حيوان يتحدث ويضحك، وهو ما فعلته "ديزني" في نسختها الأولى، وتكرر في عدة معالجات أخرى.

يمكن معرفة الفارق بشكل أدق، بمشاهدة فيديوهات قصيرة من بعض المعالجات السابقة.

مشهد من نسخة ديزني الكارتونية - انتاج 1967

مشهد من The Jungle Book: Mowgli's Story - انتاج 1998

الأن في 2016 تحطمت كل القيود السابقة. الفارق بين ما يمكن تنفيذه بالخدع البصرية والمشاهد الطبيعية في طريقه للانهيار. فيلم Babe انتاج 1995 شهد للمرة الأولى حيوانات تتحدث في صورة طبيعية ذات مصداقية بعيدا عن الرسوم المتحركة، واستحق عن جدارة أوسكار أفضل مؤثرات بصرية وقتها.

عجلة التطور لم تتوقف عنده في هذه اللعبة. شاهد مثلا مؤخرا القرود في أخر معالجات سلسلة كوكب القرود Planet of the Apes أعوام (2011 - 2014). أو النمر الذي صاغه المخرج آنج لي بالخدع البصرية في تحفته "حياة باى" Life of Pi انتاج 2012. وبالطبع لا يمكن نسيان فيلم جيمس كاميرون آفاتار Avatar إنتاج 2009 كنقلة جبارة في هذه اللعبة.

لا عجب أن "ديزني" اتجهت لتكنولوجيا اليوم عندما قررت إعادة انتاج "كتاب الأدغال" ضمن مشاريع أخرى تشمل أفلامها السابقة، والنتيجة النهائية في The Jungle Book المعروض حاليا، تستحق الكثير من الاشادة.

شاهد الإعلان التشويقي لنسخة ديزني 2016

من جديد نحن مع "موجلي". الطفل الذي يعيش وسط قطيع من الذئاب كواحد منهم، ويرعاه النمر الأسود باجيرا (بن كنجسلي في الأداء الصوتي) كمُعلم وأب روحي.

حياة "موجلي" مهددة بسبب النمر الشرس شريخان (إدريس إلبا)، الذي يرى البشر ككائنات خطرة لا تنتمي لشريعة الغابة ويجب قتلها. ورحلته للنجاة من أنيابه ستشمل الكثير والكثير من المغامرات والشخصيات الأخرى.

على عكس المتوقع لم يكن اختيار الطفل (نيل سيثي) لدور "موجلي" موفق للدرجة. نيل يماثل شكلا فعلا الشخصية في القصص والمعالجات السابقة، لكن تنقصه المهارات التمثيلية المطلوبة، وهو ما أضر الفيلم في مقاطع درامية مهمة تحتاج الى ممثل أكثر مهارة.

النقيض التام ينطبق على شخصيات وممثلي الحيوانات الأخرى. سأفضل هنا عدم ذكر باقي الأبطال لأن معدل المتعة سيصبح أكبر عندما تشاهد الفيلم أولا وتعرف لاحقا من يمثل أي دور. ووقتها ستلاحظ كيف أجادت "ديزني" في اختيار الأنثى الناعمة لدور الأفعى، أو النجم المشهور بالطابع الكسول لدور الدب، أو صاحب الحضور والصوت المرعب لدور القائد الأكبر في قبيلة حيوانات.. وغيرهم.

على عكس معالجة "ديزني" السابقة، ذات الطابع الخفيف الطفولي بنسبة 100% تم تغيير المعادلة هنا. النسخة الجديدة يمكن تصنيفها كفيلم أكشن ومغامرات خطرة بنسبة 75% وكوميديا ومرح بنسبة 25%. وهى معادلة أفضل وأكثر متعة، وأكثر قدرة على ارضاء كافة الأعمار. بالإضافة لكونها أقرب أيضا للنص الأدبي الأصلي.

رغم هذا لم يفت "ديزني" اقتباس بعض الملامح من فيلمها السابق، وهو ما يتضح بقوة في أغنيتين من الكلاسيكيات أعادت استخدامهما. كلاهما ممتع ومرح في حد ذاته، لكن يبدو دخيل نسبيا على الفيلم، خصوصا الأغنية الثانية التي تقاطع مشهد مرعب ومخيف نسبيا، وتنسف تأثيره دون مبرر درامي.

هذا التلامس مع الفيلم الأصلي مبرر تجاريا على أى حال، وبالتأكيد سيسمح لـ "ديزني" ببيع نسخ من فيلمها القديم لجمهور فيلمها الجديد. من حسن الحظ عامة أن "ديزني" اكتفت بأغنيتين فقط لا غير، وتركت باقي الفيلم بروح أصيلة جديدة منعشة بعيدة عن الروح الغنائية.

جون فيفرو مخرج الفيلم أثبت كفاءته في أفلام الحركة والابهار سابقا، وتشمل قائمة أعماله أول جزأين من سلسلة "الرجل الحديد" Iron Man. إلى حد كبير يمكن اعتبار أفلامه أحد أسباب تدشين نفس الخط المرح في باقي أفلام "مارفل" لاحقا، وهو طابع مطلوب بالتأكيد للفيلم الجديد.

اقرأ أيضا: Batman v Superman: Dawn of Justice.. باتمان ضد سوبرمان وضد مارفل أيضا!

هنا تفوق على نفسه كمخرج. الخدع البصرية من أفضل ما يكون. الانسجام بين حركة وتعبيرات الحيوانات والغابة في أعلى معدلاته. درجة المصداقية لا تختلف كثيرا عن المشاهد الطبيعية التي نراها على شاشة "ناشونال جيوجرافيك"، ولولا نقطة أن الحيوانات تتحدث كالبشر، لأصبح من العسير أحيانا أن نتذكر أن ما نراه على الشاشة كائنات مصنوعة رقميا، وأن الفيلم بالكامل تم تصويره في استوديو!

الظلال على أجسام الحيوانات أثناء الحركة.. تأثير ملامسة أرجلهم للمياة أو النباتات.. اهتزازات شعرهم وفروهم.. الخ. التفاصيل البسيطة من هذا النوع تحتاج الى جهد جبار للضبط بصريا، وفي هذة الجزئيات يتمتع الفيلم بمعدلات دقة وابهار تثير الحسد، حتى بمعايير هوليوود مؤخرا.

على عكس العديد من مشاهد الحركة غير الواضحة التي نراها أحيانا مؤخرا، خصوصا مع المونتاج السريع السائد في هوليوود، نجح فيفرو مع طاقم التصوير والمونتاج و"الجرافيك"، في صياغة مشاهد أكشن ومطاردات واضحة ومثيرة جدا. رغم فوضى الغابة وكثرة التفاصيل، يمكنك دائما أن تستوعب ماذا يحدث، ومن يفعل ماذا.

هذا الابهار والإتقان البصري يأتي هذه المرة لخدمة قصة مثيرة وشخصيات ذات حضور، وهى النقطة التي فشلت فيها "ديزني" نسبيا في الأعوام الأخيرة، عندما اقتبست من الكلاسيكيات أفلام جديدة مثل Into the Woods - Maleficent - Oz the Great and Powerful - Cinderella.

الأعمال السابقة مبهرة بصريا، على صعيد الخدع والديكورات والملابس والماكياج وخلافه، لكن ينقصها حجر الأساس الموجود هنا. القصة والسيناريو المشوق.

باستثناء الضعف المعتاد في توظيف تقنية العرض الثلاثية الأبعاد، يمكن القول أن فيفرو صنع فيلما مبهرا وجيدا جدا بصريا. فيلم ينتزع في الكثير من المشاهد صيحة "واو wow". وهى صيحة لم يعد من السهل انتزاعها من المتفرج، في عصر أصبح فيه الابهار البصري شىء عادي، ضمن بديهيات الأفلام الضخمة.

موسيقى جون ديبني تغلف أيضا الفيلم بطابع منسجم مع روح المغامرات وأجواء "ديزني". "تترات" النهاية أيضا مبتكرة وطريفة جدا، وتخدم ببراعة فيلم عنوانه "كتاب الأدغال".

في السنوات السابقة لم تنجح "ديزني" في إثارة الحماس لمشاهدة أفلامها الجديدة المقتبسة من الكلاسيكيات، لكن مرحبا باللعبة إذا حافظت على هذا المستوى مستقبلا. العام القادم سيشهد عرض نسختها الجديدة من "الجميلة والوحش" Beauty and the Beast.

احتاجت هوليوود لأكثر من قرن لترجمة صفحات "كتاب الأدغال" بالشكل اللائق على الشاشات، ووصلنا أخيرا لنسخة جيدة ومشوقة جدا تليق بالأصل الأدبي.

الجزء الثاني من الفيلم في الطريق، طبقا لما أعلنته "ديزني" على ضوء الإيرادات الممتازة أول أسبوع، والطريف هنا أن شركة "وارنر" بدأت أيضا منذ مدة صناعة نسخة أخرى من The Jungle Book مع طاقم تمثيل ثقيل يضم كريستيان بيل، بيندكت كامبرباتش، كيت بلانشيت.

من المنتظر عرض الفيلم في 2018 وطبقا لتصريحات لمخرجه أندي سركيس، نسخة "وارنر" أكثر جدية من نسخة "ديزني" التي ناقشناها هنا. تجدر الإشارة أيضا إلى نسخة "طرازان" الجديدة المقرر عرضها في يوليو القادم بعنوان "اسطورة طرازان" The Legend of Tarzan.

صراع البقاء في الغابات دوما شرس جدا، وهو نفس الحال في أستوديوهات هوليوود!

باختصار

صفحات "كتاب الأدغال" في أفضل ترجمة سينمائية حتى الآن. معالجة ديزني الجديدة أكثر قوة وإثارة، بشخصيات حيوانات جذابة، ومستوى بصري مبهر ومسلي، مع طابع أكشن كفيل بتسلية الكبار قبل الصغار. الرحلة أمتع وأمتع إذا قررت مشاهدتها على شاشات الـ "آي ماكس" العملاقة.

اقرأ أيضا: أهم ٢٥ فيلم مغامرات وفانتازيا في ٢٠١٦