"حسن وبقلظ".. فيلمان أحدهما ممتع والأخر مؤسف!

تاريخ النشر: الاثنين، 18 أبريل، 2016 | آخر تحديث:
الملصق الدعائي لـ "حسن وبقلظ"

في ظل الظروف الحالية لصناعة السينما المصرية، لا يوجد مشهد أمتع لمحب هذه الصناعة من قاعة ممتلئة عن آخرها بالمشاهدين. هذا مشهد يؤكد على استمرار قيمة هذا الوسيط وجماهيريته، رغم التهديد المستمر من وسائط منافسة وتشويش سياسي وعشرات العوامل الكافية لدفع المشاهد بعيداً عن الصالات. لذا فإقبال الجمهور على فيلم "حسن وبقلظ" المعروض حالياً في القاعات المصرية أمر يستحق أن نُثمّنه، بغض النظر عن التحليل النقدي للفيلم، والذي نحاول أن نقوم به في السطور التالية.

طالع مراجعات أخرى لـ أحمد شوقي
"حرام الجسد".. دراما جنسية بلا بوصلة
٥ أفلام "لم تنته بعد" يجب أن تشاهدها في ٢٠١٦
"كدبة كل يوم".. نجاح متكرر وعيب مزمن
"قدرات غير عادية".. خاتمة لابد منها
"نوارة".. أول فيلم مصري عن الثورة لا صورتها الذهنية
"قبل زحمة الصيف".. تجربة نادرة في سينما محمد خان

"حسن وبقلظ" من إخراج وائل إحسان وتأليف كريم فهمي، الذي يقتسم دور البطولة مع علي ربيع، الكوميديان المنطلق بسرعة الصاروخ وسط جيل المراهقين، والذي لا يزال أبناء جيلي يتحفظون على طريقته في الإضحاك، تماماً كما تعرض كل كوميديان شاب لرفض من تعودوا على غيره. الأحداث تروي حكاية توأم ملتصق، شقيقان مختلفان في الشكل والذكاء والرغبات وكل شيء في الحياة، لكنهما مجبران على قضاء حياتهما معاً يتقاسمان كل شيء حتى في أكثر اللحظات خصوصية.

حكاية ملائمة للنوع

القصة كما هو واضح تقدم مدخلاً مثالياً لفيلم كوميديا "فارص" ناجح. وكوميديا "الفارص" Farce Comedy لمن لا يعرف المصطلح هي تلك الأعمال التي تعتمد على إضحاك الجمهور عبر سلسلة من المبالغات الحركية واللفظية، التي يكون معظمها غير قابل للحدوث في الواقع، لكن وضعه داخل إطار المبالغة المضحكة يجعله مقبولاً بل ومرغوباً. أفلام تشارلي تشابلن ولوريل وهاردي وروان أتكينسون (مستر بين) وفي مصر اسماعيل ياسين ومحمد سعد، كلها نماذج لهذا النوع الكوميدي الذي طالما وجد ملايين المحبين حول العالم.

بالنظر إذن لحكاية الفيلم سنجد أنها كتبت خصيصاً لينطبق عليها الوصف السابق، لأنها لا تنتظر فقط من الأبطال أن يملكوا ناصية المبالغة في أدائهم لشخصيات درامية، بل تضع هذه الشخصيات من البداية في مأزق مستمر قائم على مبالغة جسدية. لا أحد يصدق هذا التلاصق العجيب، لا أحد يصدق رفض أحد الشقيقين لانفصال يبدو سهلاً ليستقل بحياته، ولا أحد يصدق التعقيدات العلمية التي يسوقها الطبيب ليحذرهما من الجراحة. لكن هل يهم أن نصدق هذا؟ إطلاقاً، بل أن المشاهد لا يشغل باله كثيراً بكل هذا، لأن ما يهمه حقاً هو عشرات الاحتمالات المتعلقة بوضع البطلين: كيف ينام حسن وبقلظ؟ كيف يدخلان دورة المياه؟ كيف يشق كل منهما طريقه في الحياة والحب ومعه كائن آخر عجيب مجبر على مرافقته؟

هذه الفرضيات التي يبدأ الفيلم في طرحها تباعاً هي ما تجعل نصفه الأول ممتعاً. الانتقال من "سكتش" إلى آخر، من الفارق بين حسن الحالم بالنجاح وبقلظ السعيد بمجموع 30 بالمائة، بين حسن المحب الذي لا يمكنه مكاشفة حبيبته بحقيقة مأزقه وبقلظ الذي لا يتورع عن إحضار عاهرة ليمارس معها الجنس في وجود توأمه الملتصق. لتكون هذه "الاسكتشات" التي قد نرفضها في أي عمل آخر هي مصدر قوة الفيلم، يدعمها اختيار ملائم للبطلين. كريم فهمي بوسامته وانطباع قلة الحيلة الذي يمنحه للشخصية رغم امتلاكها الكثير من أسباب الإعجاب والتفوق، وعلي ربيع الذي يتخلص بعض الشيء من الشخصية النمطية التي كاد يحبس نفسه فيها. ستجد هنا وهناك محاولة لاستخدام طريقته المحفوظة في إلقاء أسئلة لا معنى لها، لكنه سيضحكك حقاً عندما يمسك بشخصية الأخ الساذج الراضي عن سذاجته وفشله طالما ظل مع شقيقه.

ما سبق جعل من الطبيعي أن تتصاعد الضحكات تتصاعد خلال النصف الأول من الفيلم، حتى لو كانت الدراما فيه راكدة لا تتحرك للأمام. لأن هناك ما يشبه التعاقد أبرمه المشاهد مع صناع العمل، بمقتضاه يتجاهل حسابات العقل والمنطق والتصاعد الدرامي، مقابل قضاء وقت ممتع. هذا تعاقد قد لا يسفر عن أعمال عظيمة فنياً، لكنه بالتأكيد يمنحنا أفلاماً مبهجة.

الفيلم الثاني يفسد الأمور

أسوأ ما يمكن أن يقع فيه المضحك هو أن يشعر بعدم أهمية الكوميديا التي يصنعها، أن يؤمن أن عليه أن يجد معنى وقيمة للإضحاك وكأن الكوميديا المجردة تهمة ينفيها عن نفسه. وإذا كان الابتعاد عن المنطق من السمات الأصيلة في كوميديا "الفارص" التي "تدفع المشاهد على عدم التعلق بالحبكة حتى يتجنب الارتباك أو الحيرة" حسب تعريف موقع Literary Devices المتخصص لهذا النوع، فإن فيلم "حسن وبقلظ" يقوم في نصفه الثاني بخطأ ضخم يقسم الفيلم حرفياً إلى فيلمين.

الفيلم الأول هو الكوميديا التي أعجبت الجمهور، والتي تستمر في النصف الثاني قليلاً باستخدام نفس المنهج في تبعات بالغة الطرافة لانفصال الشقيقين الذي أدى أن يشعر كل منهما بما يفترض أن يحسه الآخر. لكنه فيلم لا يستمر إلا دقائق بالتوازي مع انطلاق الفيلم الثاني الذي سيستمر حوالي ساعة إلا ربع مؤسفة، يفقد خلالها انتباه الجمهور وإعجابهم تباعاً، لإصرار صناع الفيلم على إدخالهم في صراع ميلودرامي ساذج، حول رجل مهووس بفتاة، وابن عجيب الأطوار يظهر باكياً في مشهد يفترض أن يكون مؤثر بينما نحن نشاهد الشخصية للمرة الأولى، وتصاعد غير منطقي لعلاقة حسن وبقلظ التي تقفز من النقيض للنقيض دون أي مبرر مقبول.

لاحظ أن كل العيوب التي تظهر واضحة جليّة في هذا الجزء تقوم على عنصري المنطق والمشاعر. نفس العنصرين اللذين تعاقد الفيلم مع مشاهده على تعطيلهما في النصف الأول. فالجمهور الذي كان راضياً بشدة أن يتابع شخصيات كارتونية لا يرى نفسه في أي منها، تعاني من مأزق درامي بعيد كل البعد عن المنطق والعقل، لكنها تظل ممتعة قادرة على انتزاع الضحكات، هو نفسه الجمهور الذي يدفعه صناع الفيلم دفعاً أن يفكر في الحكاية نفسها طبقاً للمنطق والمشاعر، ويبدأ في تحليل مواقف الشخصيات وعلاقتها ببعضها بشكل عقلاني ليكتشف خلوها من أي منطق أو تأثير، ويبدأ في استقبال ما يراه بشكل سيء اختاره صنّاع العمل بأيديهم.

عن الأهداف والطموح الفني

المشكلة هنا أن هذا الانتقال الكبير من المتعة والضحك إلى الملل والسخف يكشف عن عدم تحديد وائل إحسان وكريم فهمي لطموح فيلمهما الفني، أو لنقل عدم رضاهما عن الأهداف التي يفترض أن يقوم بها العمل. كأن صناعة عمل مبهج لا يهدف إلا لإسعاد المشاهد سُبة، وكأن علينا في كل مرة أن نسمع اللمبي يحاضرنا عن الشرف وكتكوت يعلمنا الوطنية وحسن وبقلظ يكشفان لنا معنى الأخوّة، وإلا سيشعر صناع الأفلام أنهم قدموا عملاً تافهاً! مع العلم بأن اللمبي وكتكوت ومعظم أفلام محمد سعد المضحكة تؤجل الفقرات الوعظية للدقائق الأخيرة مكرسة أغلب الوقت لهدف الكوميديا (على طريقة الفصل الثالث السخيف دائماً في المسرح التجاري المصري)، أما في "حسن وبقلظ" فإن التخلي عن الإضحاك يأتي مبكراً جداً، لينهي الفيلم الممتع ويبدأ الفيلم المؤسف.

في بعض الأحيان التفاهة ليست عيباً. أن تكون مهرجاً يحبه الناس ويسعدون برؤيته خيرٌ من أن تكون مهرجاً يحاول التفلسف فينفض المحبون من حوله. لا أقول أن كريم فهمي وعلي ربيع مهرجان، بل هما في رأيي ممثلان جيدان خاصة كريم الذي قدم من قبل شخصيات متباينة بنجاح وتمكن. لكن القناعة بأنه ممثل ومؤلف يمتلك وعياً أكبر بتفاصيل الصنعة تدفعنا للهمس في أذنه بأن فيلمه كان ليُمتع أكثر لو لم يترك مساره وينخرط في مسار لا يشبه الفيلم ولا يملك أي تأثير.