Bridge of Spies: ستيفن سبيلبرج الذي لا يشيخ

تاريخ النشر: الثلاثاء، 9 فبراير، 2016 | آخر تحديث:
توم هانكس في مشهد من فيلم Bridge of Spies

يكفي تواجد اسمي ستيفن سبيلبرج وتوم هانكس لتقرر دون تفكير مشاهدة التعاون الفني الرابع بينهما، وفيلم Bridge of Spies المرشح لـ 6 جوائز أوسكار في 2016، من بينها جائزة أفضل فيلم يحاول سبيلبرج فيه مع هانكس أن يستعيدا ذكريات نجاحاتهما الكبيرة، في أول تعاون بينهما الفيلم الأسطوري Saving Private Ryan في سنة 1998، فكيف كانت تجربة Bridge of Spies؟

شاهد إعلان فيلم Bridge of Spies

* القصة
تدور أحداث الفيلم أثناء فترة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، إذ تقبض السلطات الأمريكية على شخص، وتتهمه بالتجسس لصالح الاتحاد السوفييتي، ولكي تظهر المحاكمة وكأنها عادلة تقوم السلطات بالاتفاق مع أحد المحامين للدفاع عن الجاسوس، على الرغم من النية المبيّتة بالحكم بالاعدام عليه، وقبول المحامي للقضية يجعله مكروها للغايه من عامة الشعب، خصوصا وأنه يحاول بكل الطرق أن ينقذ موكله من حكم الإعدام.

تسير أجواء الفيلم العامة على خطى آخر فيلمين لستيفن سبيلبرج War Horse وLincoln، من حيث التصوير والكادرات والأجواء العامة، وأسلوب سبيلبرج الذي يعتبر "كلاسيكي" حاليا أضاف للفيلم رونقا، ربما ما أقوله الآن هو كلام ليس علاقة له بالسينما إطلاقا، ولكن في كل مشهد من مشاهد هذا الفيلم ستشعر أن وراء تنفيذه "راجل كُبارة"، وهو شعور حقيقي استنتجته وتأكدت منه بعد مناقشات مع بعض ممن شاهدوا الفيلم، فروح سبيلبرج "الراجل الكُبارة" وأداءه الإخراجي انتشل الفيلم من كارثة كبيرة كان سيقع فيها بسبب السيناريو، وهو ما سنناقشه لاحقا.

وقع سبيلبرج في نفس فخ فيلميه السابقين، وهو طول مدة عرضه بشكل زائد عن اللزوم، وإضافة مشاهد طويلة غير مفيدة، والتغاضى عن إضافة مشاهد أخرى تفسر بعض الأشياء، أو تعطي عمقا أكبر للشخصيات الرئيسية والقصة، وهي مسؤولية مشتركه بين كتّاب السيناريو ومخرج الفيلم.

* الممثلين
توم هانكس لا نحتاج للحديث عنه، فاسمه وخبراته وأداءه كفيلين لوصفه، وفي هذا الفيلم يقدم أداء هادئ ومتوازن، وحافظ هانكس مع سبيلبرج على سمات الشخصية التي يلعبها منذ البداية وحتى النهاية، فعكس هانكس ببراعة الهدوء والاتزان والخوف والتوتر بأسلوب طبيعي يجعلك لا تشعر بأنه يمثل، كما يُحسب لهانكس عدم محاولته القيام بأي أداء انفعالي أو مشهد أوسكاري ليخطف الأنظار، مما كان سيكلّف طبيعة شخصيته الكثير.. هذا هو توم هانكس، ممثل محترف يضع مصلحة الفيلم فوق مصلحته الشخصية، ونصيحه لكل الممثلين: "كُن مثل هانكس".

شارك مارك ريلانس في عدد قليل من الأفلام بأدوار محدودة لم يصل معظمها لحد البطل الثاني، ولكن سبيلبرج بعينه الثاقبة قدم لنا واحدا من أفضل اكتشافات سنة 2016، والمحزن في الأمر أن ريلانس يبلغ من العمر 56، أي أن اكتشافه بهذا الشكل متأخرا للغاية، ولكن أن يتم اكتشافه متأخرا أفضل من عدم اكتشافه بالمرة، وإهدار موهبته من الأساس.. ريلانس ممثل موهوب لا يحتاج الحديث عنه، فقط نظراته وتعبيرات وجهه كفيلة بأن تخطف انتباهك كمشاهد، وتعرّض ريلانس إلى ظلم في السيناريو، وكان من الممكن منح شخصيته مساحه أكبر ومشاهد أكثر كانت ستساعده في سباق الأوسكار لهذا العام، ولكن في المجمل أداء مميز من ريلانس يستحق ترشيح الأوسكار والمنافسة بشدة مع سيلفستر ستالون على التمثال الذهبي.

* السيناريو
سيناريو الفيلم من كتابة مات شارمان والأخوان جويل وإيثان كوين. شارمان هو من كتب النسخة الأوليه للسيناريو، أما إسهامات جويل وإيثان كوين في السيناريو لم يتم الإعلان عنها، ولكن أغلب الظن بأنهم من كتبوا النسخة النهائية من السيناريو. مشكلة الفيلم الأساسيه تكمن في السيناريو، وهي مشكلة لاحظتها مع الأفلام التي يقوم بكتابتها الأخوان كوين ولا يقوما بإخراجها، إذ يخرج السيناريو وبه عدد من العيوب الملحوظة وبعض الثغرات في الأحداث، أهم مشاكل سيناريو الفيلم هو عدم الاهتمام بالشخصيات، المعلومات التي نعرفها عن بطلي الفيلم محدودة للغاية، فلا نعرف تاريخ شخصية "رادلف آبيل"، وما الأسباب التي دفعته للعمل كجاسوس، وعدم منحها مساحة أكبر في الفيلم.. أيضا لا نعرف أسباب توقف شخصية "دونافان" عن العمل في القضايا الجنائية، واكتفاءه بقضايا التأمينات.. الحوار في أغلب المشاهد كان مميزا، وهي نقطة تُحسب لكاتبي السيناريو، ولكن كمشاهد انتظرت الكثير من اثنين من أهم المؤلفين في الوقت الحالي.

* الإخراج
مخرجين قليلين للغاية هم من يستطيعوا تحويل سيناريو به ثغرات لإلى فيلم مميز، ونحن هنا لا نتحدث عن أي مخرج، بل عن واحد من أهم المخرجين في تاريخ السينما ستيفن سبيلبيرج، الذي أدار الفيلم بحكمة شديدة وتحكم في التنقل من الجزء الأول للفيلم إلى الجزء الثاني، مع المحافظة على نفس الأجواء بنسبة كبيرة، وإن كان يعيب على سبيلبرج عدم تدخله أو تجاهله لكثير من شخصيات الفصل الأول خلال الفصل الثاني، ولكنه استطاع بين الحين والآخر أن ينتقل بمشهد أو لقطة إلى بروكلين كي لا يضيع المشاهد وسط أحداث الفصل الثاني، وسبيلبرج كما قلنا نجح في هذا التحدي بنسبة تتخطى الـ 85%، وأتصور أنه لو وضع أي مخرج آخر في هذا التحدي مع هذا السيناريو لرأينا فيلمين منفصلين في فيلم واحد لا يوجد بينهما أي ارتباط.

إدارة الممثلين كانت مميزة من ستيفن سبيلبرج، الذي استطاع أن يحصل على الأداء المناسب من توم هانكس الذي يلاءم شخصيته، وأيضاً الحصول على أداء عبقري من مارك رايلانس، ويُحسب لسبيلبرج اختياره للثنائي الذي شكّل فريقا متكاملا.

* التقييم النهائي

Bridge of Spies فيلم مميز، ولكنه ملئ بالعيوب الملحوظة في السيناريو التي لم يستطع المؤلفين أو المخرج التغلب عليها بالشكل الأفضل. التمثيل والإخراج في أعلى مستوى، والتصوير عبقرى كالعاده من كاميانسكي رفيق درب ستيفن سبيلبرج. السيناريو محبط كأحداث، متوسط كشخصيات، ومُرضي كحوار.. فيلم جيد جدا، ولكن من الصعب تواجده ضمن أفضل 5 أفلام لسنة 2016.