حكاية ثلاثة مشاهد في مسيرة السندريلا .. بين الصدق والانهيار والتعرض للضرب

تاريخ النشر: الثلاثاء، 2 فبراير، 2016 | آخر تحديث:
سعاد حسني في مشهد من فيلم القاهرة 30

ليست الموهبة وحدها هي السبيل لصناعة النجم فالذكاء والحظ من العوامل الهامة بجانب الموهبة، كما أن هناك عاملا خفيا في المعادلة وهو الصدق والإخلاص للمهنة.

التمثيل هو مهنة شاقة للغاية ربما كانت أكثر المهن شقاءً، فأنت تعيش بأعصابك متنقلا طيلة الوقت من شخصية للأخري و ربنا تاهت حقيقتك داخل تلك الشخصيات المختلفة، وأكم من النجوم تعرضوا لمتاعب صحية و نفسية بسبب شخصيات قدموها ولكن يظل الصدق هو السمة الأساسية للفنان الموهوب الراغب في الخلود.

لم تكن السندريلا وجها جذابا أو موهبة طاغية فقط وإنما كانت أيضا فنانة صادقة إلى أقصى مدىً، ما تسبب لها في الكثير من الأزمات النفسية و نوبات الاكتئاب المتكررة.
وصدقها جعلها ترفض أن يكون لها دوبلير في العديد من المشاهد التي ربما لو عرضت على غيرها لكانت اختارت أن تجلس في غرفتها بينما يمثلها بدلا منها دوبليرة.

في مسيرة السندريلا كانت هناك مشاهد لاتنسى لصعوبتها ولجرأة سعاد على تقديمها مشاهد بها من الإيذاء البدني و النفسي ما يكفي ولكنها بروح الفنان العاشق لفنه قبلت تقديمها بنفسها دون خوف أو تردد بل كانت تحرص على أن يظهر المشهد في أكمل صورة.

القاهرة 30 ثماني مرات لمحاولة زوج مهزوم


في فيلم القاهرة 30 ربما لم يكن مشهدها و الفنان حمدي احمد حينما أراد أن يحتضنها ويمارس معها رجولته التي أهدرها بعدما رحل الباشا من فراشه مشهدا عنيفا بدرجة كبيرة، ولكنه كان مشهدا مؤذيا على المستوى النفسي إلى حد كبير.

فـ "إحسان" في هذا المشهد الذي حمل رقم 661 في مشاهد الفيلم تحاول الإفلات من بين يدي زوجها السكران و دفعه إلى خارج الباب، محملة بكل دوافع الأنثي التي شعرت بالمهانة والتي اضطرت لبيع نفسها، كما أن محجوب عبد الدايم كان قد كشف صورته القبيحة وهو يقف أسفل منزله في انتظار رحيل الباشا من فراشه وهو مشهد وإن بدا بسيطا، لكنه كان في حاجة إلى جهد نفسي كبير.

هذه اللقطة التي استعد لها أحمد و سعاد استعدادا نفسيا كبيرا أعيدت 8 مرات في كل مرة تتلعثم سعاد التي تحاول السيطرة على انفعالتها و الحوار المكتوب و الحركة المرسومة إضافة إلى الشد النفسي الذي تعانيه وفي المرة الأخيرة تنجح سعاد في السيطرة على مشاعرها و تنتهي اللقطة بسلام لتنهمر دموعها بعدها، ويذهب حمدي أحمد إلى صلاح ابو سيف ليخبره أن السر وراء تنفيذ اللقطة في المرة الأخيرة بشكل مثالي أنه تلى الآيات الكريمة " رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي" وفق ما جاء في كتاب القاهرة 30 مذكرات فيلم للناقد هاشم النحاس.

غروب وشروق كدمات و ألم

المشهد الثاني الصعب في مشوار السندريلا كان في فيلم غروب وشروق الفيلم الذي يعد نقطة انطلاق حقيقية للسيناريست رأفت الميهي و الذي عرض في عام 1970 من إخراج كمال الشيخ وبطولة رشدي أباظة ومحمود المليجي و صلاح ذو الفقار و إبراهيم خان ومحمد الدفراوي وصلاح نظمي وكمال ياسين.

في الفيلم تقوم مديحة بزيارة عصام في منزله ويذهب ليحضر الشراب ولكن سيارة تصدمه وهو يعلم أن زوج مديحة قادم في الصباح الباكر فيطلب من صديقه سمير أن يذهب ليصرف مديحة من شقته دون أن يعلم ـن سمير هو زوج مديحة فيدخل سمير يجد مديحة بملابس النوم على فراش صديقه فيصفعها صفعات متتالية ويجرها من شعرها في الشقة وعلى السلم ويدخلها في السيارة حتي منزل والدها عزمي باشا.

كان الفنان الراحل إبراهيم خان هو من يقوم بدور سمير و يحكي في أحد اللقاءات التلفزيونيه أنه فوجئ بسعاد حسني قبل تصوير مشهد الضرب أنها جاءت وطلبت الحديث معه، حيث قالت له إن المشهد القادم هو من المشاهد الهامة في الفيلم ويجب تنفيذها كما ينبغي وطالبته أن يضربها بالفعل لا أن يمثل أنه يضربها و أن يجرها من شعرها فعلا و ستحاول أن تساعده بقدمها.

وبالفعل يجلس كمال الشيخ على كرسيه والكل في مكانه وما إن يصيح الشيخ "أكشن" حتى يتحرك إبراهيم ناحية سعاد ويصفعها صفعات متتالية و يسحبها من شعرها و يستمر أداء إبراهيم جاد من لقطة لأخرى حتي ينتهي المشهد بإصابة سعاد حسني بالعديد من الكدمات التي استلزمت ان تلزم الفراش فترة.

الكرنك.. حينما انهارت السندريلا

تقديم المشاهد العنيفة يتطلب حالة من التأهب النفسي خاصة وأنها تستهلك الكثير من الطاقة ربما تجعل من الممثل ضحية لها، فكيف بمشهد اغتصاب لفتاة بريئة حالمة كزينب في فيلم الكرنك.

عام 1975 عرض للمخرج على بدرخان عن رواية نجيب محفوظ الكرنك وسيناريو وحوار ممدوح الليثي وبطولة نور الشريف و محمد صبحي وكمال الشناوي وفريد شوقي وتحية كاريوكا وشويكار وفايز حلاوة ويونس شلبي ووحيد سيف وحسن حسني وغيرهم.
فيلم جاء ليناقش فترة الحكم الناصري حتي النكسة ثم العبور في 6 أكتوبر 1973 عن طريق رحلة عدد من الطلبة الحالمين في متاهات إدارة المباحث أو أمن الدولة وقتها، ليكشف كم الانتهاكات التي كان يتعرض لها المعتقلون في تلك الفترة وكيف كان التعامل الأمني غير إنساني ومخالف للقانون، وكيف كان سببا من أسباب هزيمة 1967.

تجد زينب فجأة نفسها في غرفة خالد صفوان رئيس الجهاز للتحقيق في انتماءها و انتماء إسماعيل خطيبها لإحدى المنظمات الشيوعية وحينما يبدأ في استفزازها ترفض فيمزق ملابسها فتبصق في وجهه فيصفعها و يستدعي فرج.

كل هذ الرعب كان لابد أن ينعكس على وجه السندريلا وكانت هي قادرة على هذا بموهبتها فلم يشعر المشاهد أنها تدعي الرعب و لكن الرعب من التهديد بفقدان شرفها، الذي سيذبحه خالد صفوان "كمال الشناوي" بسكينة ضخمة الجثة تدعى فرج.

مشهد اغتصاب زينب طلب على بدرخان إعادته عدة مرات فوفق ما رواه لي في إحدى المقابلات قائلا "عدت المشهد عدد من المرات ولست أذكر كم مرة تحديدا ربما خمس أو ست مرات ولم ترفض سعاد إطلاقا رغم أن ملامحها كانت تكشف ألما شديدا وقهر حقيقي، عدت المشهد حتي بكيت وقتها قلت "ستوب" اطبع، لتدخل سعاد بعدها في حالة انهيار شديدة لم تفلح كل محاولاتي في إخراجها منها، كنت متخوفا أن اخبر سعاد بوقت تصوير المشهد أو يومه ولم أخبرها أننا سنصوره إلا قبله مباشرة.

ثلاثة مشاهد فقط ربما تكشف لك كيف كانت السندريلا تغوص إلى أعمق نقطة في الشخصية التي تؤديها ولم تكن فقط ممثلة تحاول أن تبرز موهبتها أو تستغلها في تقديم أداء متقن بل كانت تشعر أنها مسئولة عن العمل ككل وتسعى أن يخرج على أكمل وجه حتى ولو تسبب لها ذلك بأذى نفسي أو بعض الكدمات.