"كدبة كل يوم".. نجاح متكرر وعيب مزمن

تاريخ النشر: الأربعاء، 27 يناير، 2016 | آخر تحديث:
أفيش "كدبة كل يوم"

عندما ينجح صانع أفلام في تجربة سينمائية ما نشيد به، لكن يبقى هامش بسيط في أن يكون الأمر مجرد صدفة، أو توفيق حالفه في العثور على سيناريو متماسك وممثلين محبوبين، أو أنه ـ في حالتنا ـ عمل كوميدي جيد جاء في زمن التعامل مع الكوميديا باعتبارها فن الاسكتش وقبول المتاح والرضا بأحد الخيارين: كوميديان لا يقل عن الخمسين يصر على التمسك بأذيال شعبية قديمة، أو مجموعة من الفقرات المستمدة من نكات وكوميكس إلكترونية بحجة أن هذا ما يضحك الشباب. فيصير هذا العمل هو "بيضة الديك" التي نشيد بها مرغمين لانعدام المنافسة.

حسنًا، نتحدث هنا عن المخرج خالد الحلفاوي، الذي يثبت بأكثر الطرق علمية أنه المخرج الأكثر بريقا في صناعة الكوميديا المصرية حالياً. والطريقة العلمية لإثبات صحة أي فرضية هي التأكد من ثبوتها مع تجريب متغيرات مختلفة، وهذا بالضبط ما فعله الحلفاوي في فيلمه الجديد "كدبة كل يوم"، والمعروض حاليًا في الصالات المصرية، من بطولة عمرو يوسف ودينا الشربيني ومحمد ممدوح ودرّة زرّوق وآخرين.

فيلمان وكثير من المتغيرات
المخرج الشاب قدم قبل أقل من العام فيلمه الأول "زنقة ستات"، والذي أعتبره أفضل فيلم كوميدي عُرض خلال ٢٠١٥، على مستوى جمعه بين جودة السيناريو ورزانة الإخراج، وبين الهدف الأسمى والأبسط لأي عمل ينتمي للنوع: أن يكون مضحكاً. النجاح الفائق للتوقعات للفيلم جعل من الطبيعي أن يأخذ الحلفاوي خطوته الثانية سريعاً، مع جهة إنتاج جديدة (الماسة - فورتريس فيلم كلينك - فيلم فاكتوري)، وبخلطة مختلفة على مستوى الدراما والنجوم وخطة الترويج من الفيلم الأول.

"زنقة ستات" كان من إنتاج أحمد السبكي وتأليف هشام ماجد وكريم فهمي، بما يمتلكه الأول من خبرة ترويجية خلقت للفيلم أغنية شعبية يغنيها أبطاله حتى لو لم يكن لها علاقة بالأحداث، وما ينتهجه الأخيران من تميز على مستوى خلق العوالم الغريبة، الذي يقوم الإضحاك فيها على شخصيات وتصرفات غير متوقعة، تمثلت في صورة ثلاث شخصيات ينتحلها البطل حسن الرداد لخداع ثلاث فتيات من بيئات مختلفة.

في "كدبة كل يوم" المعادلة مختلفة تمامًا، السيناريو الذي كتبه هشام منصور وشريف الألفي متجانس، يدور في عالم فيلمي واحد من بدايته لنهايته، بل أن تسعين بالمائة من الأحداث تقع في حيز مكاني وزماني واحد هو منتجع سياحي يذهب إليه الأبطال لحضور خطبة صديقتهم. لا يوجد أي أغنية أو حس شعبي في فيلم "هاي كلاس" حرفياً، ولا توجد أي عوالم غريبة أو شخصيات كارتونية البناء (باستثناء طليقي الأم، الدورين الداعمين اللذين يجسدهما فاروق الفيشاوي وبيومي فؤاد بخفة ظل مقبولة).

قاسم مشترك ومخرج رزين
المعطيات إذن مختلفة بين العملين، وما كان من الممكن أن يرتكن المخرج إليه في العمل الأول لم يعد متاحاً، خاصة وأن القاسم المشترك الوحيد بين معادلة صناعة "زنقة ستات" و"كدبة كل يوم" هو أن كل الممثلين تقريباً ليسوا متخصصين في الكوميديا، وباستثناء بيومي فؤاد الاسم المتكرر في العملين وإيمي سمير غانم في الفيلم الأول، يبقى جميع الممثلين الآخرين منتمين للأدوار الجادة أكثر من عالم الإضحاك. الأمر الذي يزيد من صعوبة مهمة المخرج والمؤلف لتعديل هذه الصورة الذهنية ولو مؤقتًا.

خالد الحلفاوي يكرر نجاحه في هذا التعديل، انطلاقا من سيناريو متماسك في فصليه الأول والثاني، ينطلق من موضوع يمس غالبية الجمهور إن لم يكن جميعه هو مشكلات الزواج والفارق فيه بين التخيل والواقع، عبر رسم جيد لشخصيات متباينة التكوين النفسي والاجتماعي بالرغم من وجودها الحالي في نفس المستوى، فيصير لدينا تنويعة درامية دالة على وجهة نظر العمل في منظومة الزواج، دون أن تفقد خفة ظلها وقدرتها على الإضحاك القائم في أغلب الأحوال على الفروق في استقبال نفس الأفعال والأقوال بناء على الخلفية المتباينة التي جاء منها كل شخص.

الأهم في حالة الحديث عن المخرج من السيناريو ـ وهو أحد مسؤوليات الإخراج بالطبع ـ هو العثور على الإيقاع المناسب لنقل هذا النص إلى الشاشة، سواء على مستوى التصاعد العام للحكاية ككل، أو في الزمن المتاح لكل جملة مضحكة "إيفيه" كي تحدث تأثيرها بلا زيادة تحول المشهد إلى اسكتش راكد درامياً، أو نقصان يفقد الإيفيه وقعه وتأثيره لدى المشاهد. الاختيار الذي كان العظيم فطين عبد الوهاب هو أستاذه التاريخي يظهر للمرة الثانية بتوفيق كبير في أفلام الحلفاوي، والذي اختار ـ وفقا لطبيعة الحكاية ـ أن تكون صورته هذه المرة إعلانية برّاقة، لكنه برزانة كافية لأنه تجعله طابعاً بصرياً وليس مجرد استعراض بلا طائل.

عيب مزمن للنوع
نجاح "كدبة كل يوم" في بناء حكاية شيقة ومتماسكة ومضحكة على مدار الفصلين الأول والثاني يفشل للأسف في تحقيق نفس النجاح في الفصل الختامي، والذي يأتي الحل فيه في صورة خدعة، بخلاف كونها مزروعة بفجاجة في البداية على طريقة الزرع والحصاد Foreshadowing، فهي أيضًا غير منطقية ولا يمكن الاعتماد عليها كوسيلة للحل، حتى بمنطق العمل الكوميدي.

والحقيقة أن هذا عيب مزمن يمكن إيجاده في نسبة لا بأس بها من الأفلام الكوميدية المصرية، التي تفترض أنه طالما كان العمل يهدف للإضحاك فإن المشاهد يتنازل تلقائيًا عن المنطق.

المشاهد يفعل ذلك بالفعل لكن عندما يكون الفيلم معتمدًا بالأساس على الإضحاك غير المنضبط (كمعظم أفلام محمد سعد على سبيل المثال)، لكن عندما يكون العمل كوميديا موقف تمتلك بناءها الدرامي والمنطقي المتماسك، يصير هناك إتفاق ضمني بحد أدنى من العقلانية في الحل يجب أن يلتزم به الفيلم.

لاحظ أن غياب منطقية الحل (الذي لن نذكره هنا تفاديًا لحرق الأحداث)، لا يؤثر فقط على استقبال الحكاية، لكنه يُستخدم أيضًا لتغيير النبرة العامة للعمل فيما يتعلق بالزواج، فبعد أن كان كاشفاً لعيوبه وعبثيته يتحول في النهاية مناصرًا له. ولصناع العمل الفني بالقطع الحرية الكاملة في انتهاج ما يناسبهم من آراء لاسيما في موضوع لا يوجد فيه صواب أو خطأ، لكن الأزمة هنا أن ضعف الحل يخل تقائيًا بتماسك نبرة الختام، ويعطي شعورًا بأن صناع الفيلم قد استسلموا دراميًا من أجل الوصول لنتيجة لا تبدو مقنعة ـ حتى لأنفسهم ـ على مستوى الطرح الفكري للفيلم!

لكن كل هذا لا ينفي أننا نتحدث عن تناسب الطرحين الدرامي والفكري في عمل كوميدي، وهي علامة على نجاح حقيقي يواصل المخرج خالد الحلفاوي تحقيقه، بتقديم أعمال كوميدية خفيفة الظل، متقنة الصنع، بعيدة عن التهريج الذي ظل قرابة العقدين هو السمة المميزة لمعظم أفلام النوع.

(ملحوظة أخيرة لممثل موهوب: محمد ممدوح "تايسون" شق طريقه بدأب ومثابرة حتى صار الجميع يشهد له بالموهبة والحرفة والنجاح، لكن ممدوح لا يزال يُدغم مخارج ألفاظه عند إلقاء بعض الجمل بصورة تجعل الجملة غير مفهومة لأذن نسبة كبيرة من المشاهدين، وإيفيه "أفاتار" الموجود في إعلان الفيلم تسائل كل من في قاعة العرض تقريباً عما قاله فيه، ليفقد الممثل الموهوب تأثير جملة ممتازة فقط لأن الجمهور لم يسمعها جيداً. ربما عليه أن يهتم بهذه التفصيلة في أعماله المقبلة).

شاهد- الإعلان الدعائي لفيلم "كدبة كل يوم"

تعرف على أماكن عرض فيلم "كدبة كل يوم" في دور العرض المصرية