عمرو شاهين
عمرو شاهين تاريخ النشر: الأربعاء، 20 يناير، 2016 | آخر تحديث:
يوسف شاهين

يوسف شاهين، اسم يعتبره العديد من جمهور ومحبي السينما في مصر بمختلف الأجيال علامة مسجلة. يعتبر واحد من أفضل المخرجين المصريين بل هو واحد من أفضل مخرجي العالم دون مبالغة، شاهين الذي دائما ما وصفت سينماه بالمشاغبة، سواء فنيا حيث الخروج عن العديد من قواعد الصورة و السرد السينمائي ليخلق تلك البصمة التي لا يمكن أن تخطئها العين، أو مخالفته لإرادة الدولة في طرح افكاره وقضاياه، والتي أدخلته في صدامات مباشرة مع السلطات الأمنية في مصر أو مع هيئة الرقابة على المصنفات الفنية، وفي بعض الأحيان وصلت تلك الصدامات إلى ساحات المحاكم.

١) "بابا أمين".. أول فيلم وأول صدام رقابي
عام ١٩٥٠ خرج للنور أول أفلام يوسف شاهين كمخرج، ومع بداية مسيرته في السينما بدات مشاكله مع الرقابة من الفيلم الاول.

حقصة الفيلم تدور حول رجل يتوفى، تظل روحه على الأرض ليشاهد مصير عائلته التي تدفع ثمن أخطاءه وإسرافه، وينتهي الفيلم بأن تستسلم الروح وتغادر الأرض إلى السماء، وهو ما أعتبرته الرقابة في ذلك الوقت تجديف وهرطقة دينية غير مقبولة، وطلبت الرقابة تغيير نهاية الفيلم.

ورضخ شاهين لطلب الرقابة وغيّر النهاية، فبدلا من وفاته يتم تحويلها إلى حلم يحلمه بطل الفيلم ليستيقظ بعد ذلك ليصلح كل ما أتلفه سابقا، في نهاية مثالية مبالغ فيها، لم تأتي من عقل صناع الفيلم، ولكنها جاءت فرضا عليهم.

٢) "ابن النيل".. "هذا الفيلم لا يليق بمصر"
الفيلم الذي قدمه شاهين عام ١٩٥١ لم تعترض الرقابة سوى على جملة حوارية واحدة وهي: “ماله الحشيش.. ملئ جيبك فلوس" ومشهد لأطفال مهلهلي الثياب يحتفلون بظهور القمر، ومشهد لرئيس العصابة يعتدي على رجال البوليس لحظة القبض عليه، وفقا لتقرير الرقيبة أمينة راضي الصادر في يونيو ١٩٥١.

ولكن الأزمة بدأت حينما ارسل الفيلم إلى شركة "هينجارو" بالمجر لبدء تسويق وعرض الفيلم هناك وذلك عام ١٩٥٩، وشاهده القائم بأعمال السفير المصري في المجر، وأرسل إلى وزارة الثقافة والإرشاد يطالبهما بمنع تسويق هذا الفيلم لأنه يسيء إلى سمعة مصر.

فرد أحمد بردخان وكيل الوزارة وقتها قائلا إن الفيلم مثل مصر في مهرجان كان عام ١٩٥١، ومؤتمر السينما بالهند عام ١٩٥٢، وأن الرقابة صرحت بعرضه وصرحت بتصديره.

فكان رد القائم بالأعمال في المجر، أنه عرض الفيلم عرضا خاصا في السفارة لأعضاء البعثة قبل إرساله لشركة "هينجارو" ورأى أنه "لا يصلح للعرض التجاري أو غير التجاري لما يحمله من أسوء صور الدعاية لمصر كما أن الفيلم قديم وإخراجه رديء، ومناظره لا تظهر أي مظهر من مظاهر تقدمنا في عهد نهضتنا الحاضرة والسفارة تعتقد ان من المصلحة العامة عدم عرضه في الخارج خشية إستغلال للإساءه بسمعة مصر" وفق ما جاء في لنص المخاطبات المتبادلة بين سفارة مصر في المجر ووزراة الثقافة والإرشاد والتي قدمها الكاتب محمود علي في كتابه "السينما والرقابة في مصر"، وهو الكتاب الذي حمل رقم ٤١ من سلسلة "أفاق السينما".

أما الرد النهائي لأحمد بدرخان كان أن الفيلم لا يتفق مع رغبة القائم بالأعمال في المجر، مستنكرا طلبه في أن تكون كل الأفلام دعائية وأن تكون قصصها موجهة توجيها معينا، وما يفعله عدد من موظفي مصر بالخارج من عرض للعديد من الأفلام مثل ما حدث في مهرجان السينما بمقدشيو ومنع عرض أفلام "نور الليل"، و"سيدة القصر" هو ما يتسبب في تضييق الخناق على توزيع الأفلام العربية في الخارج.

وفي النهاية طالب بدرخان صناع الأفلام وشركات الإنتاج ساخرا التوقف عن صنع الأفلام الجيدة والتوجه لصنع افلام دعائية إرضاءا لموظفي الدولة ، ولم يعرض فيلم شاهين في المجر لانه ببساطة يسيء لسمعة مصر كما يرى موظفي وزارة الخارجية.

"٣) باب الحديد".. الرقابة توافق والداخلية تعترض
هو الفيلم صاحب المصير الأكثر غرابة بين أفلام شاهين، الفيلم الذي طرح في السينمات عام ١٩٥٩، لم يرضِ الجمهور لدرجة جعلت أغلبهم يهاجم كل نجومه ووصل الأمر إلى أن عددا من الشباب إلى ذهب مكتب فريد شوقي في وسط البلد ليسألونه: هل يقع في ظروف مادية سيئة؟ عارضين عليه جمع تبرعات أو طباعة طوابع عليها صورته بدلا من يقدم تلك الأفلام السيئة في إشارة لفيلم "باب الحديد"!

ولكن بعيدا عن ردود الفعل حول الفيلم وقتها، فبعد أن وافقت الرقابة على قصة الفيلم في البداية وسمحت بتصويره، إلا أنها فوجئت بخطاب من وزارة الداخلية لرئيس الرقابة وقتها نعمان عاشور يطلب منه عدم التصريح بعرض الفيلم.

والسبب كان خوف الداخلية من الحركات العمالية التي كانت متأججه وقتها خصوصا بعد احتجاجات العمال في كفي الدور والتي اسفرت عن إعدام اثنين من العمال هناك، وبالفعل ماطلت الرقابة في استخراج تصريح بعرض الفيلم ليدخل شاهين في صراع مع الرقابة ينتهي بالسماح بعرضه.

"العصفور".. الصدام الأعنف بين شاهين والرقابة
دخل شاهين في صراع عنيف مع الرقابة لإجازة سيناريو وحوار فيلم "العصفور" في عام ١٩٧١، وهو الفيلم الذي رفضته الهيئة مرات عديدة وقدم شاهين بشأنه العديد من التظلمات إلى أن تمت الموافقة على تصويره، ليفاجئ شاهين بقرار برفض الفيلم أثناء التصوير أيضا ليدخل في صدام أخر مع الرقابة حتى ينتهي من تصوير الفيلم الذي أصبح جاهزا للعرض في عام ١٩٧٢ ولكن الرقابة كان لها رأي أخر.

قررت الرقابة ان الفيلم ما هو إلا هجوم مباشر على ثورة يوليو ونظامها ورموزهاوقررت أن الفيلم لا يصلح للعرض العام في ظل الظروف التي تمر بها البلاد في تلك الفترة حيث الإحتلال الإسرائيلي لسيناء و ظروف سياسية داخلية وخارجية متخبطة، وكان القرار بمنع عرض الفيلم وعدم التصريح بعرضه نهائي، ولكن بعدما تغيّر الوضع في أكتوبر ١٩٧٣ دخل شاهين في مناوشات مرة أخرى مع الرقابة لتسمح اخيرا بعرضه في ٢٦ اغسطس ١٩٧٤، أي بعد عامين ويزيد من إنتاج الفيلم.

"المهاجر".. حينما تكون الدولة لأول مرة في جانبك
في ٢٦ سبتمبر عام ١٩٩٤ عرض فيلم "المهاجر"، وهو الفيلم الذي تم عرضه في ظروف مجتمعية عصيبة كان تيار الإرهاب يعصف بمصر وبالتالي لن يرضى أحد من الجماعات الإسلامية عن الفن بالأساس فما بالك بفيلم ليوسف شاهين يتناقض مع قصة نبي الله يوسف.

لم يمض على عرض الفيلم الذي أجازته الرقابة والأزهر ووزارة الثقافة أسبوعين حتى تقدم محامي بدعوي قضائية يختصم فيها مخرج الفيلم ومنتجه وشيخ الازهر ووزير الثقافة ومدير الرقابة على المصنفات الفنية وقتها للسماح لهم بعرض الفيلم.

واتهم المحامي شاهين بتشوية التاريخ المصري، والخوض في الأديان وتجسيد الأنبياء على الشاشة والسخرية منهم والمساس بالدين، الغريب أن الأزهر بالفعل وافق على سيناريو "المهاجر"، ولكن في المرة الثانية التي تقدم بها شاهين، تقدم في البداية بسيناريو يحمل اسم "يوسف وأخوته" ويروي فيه جانبا من رحله يوسف إلى مصر، ولكنه رفض بسبب قرار منع تجسيد الأنبياء على الشاشة، ليعود شاهين و يعمل على السيناريو ويخرج فيلم "المهاجر" كما قدم ويحصل على موافقة الأزهر عليه بعدما جعل الأشقاء سبعة لا أحد عشر كما هو موجود وغير الكثير في الأحداث بحيث اصبحت القصة مستلهمة كما قال في مقدمة الفيلم من التراث الإنساني، أو كما قال في التنوية الفرنسي "كيوسف ابن يعقوب في الكتب السماوية يواجه الشاب رام ضراوة الطبيعة وقسوة أهل قبيلته فيسافر إلى مصر الفرعونية بحثًا عن العلم وعن النور".

وفي النهاية كان حكم القضاء في القضية التي شغلت الرأي العام في مصر والسينمائيين في الكثير من دول العالم برفض دعوة الحسبة (دعوى الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله) المقدمة من المحامي واستمرار عرض الفيلم، ليربح شاهين معركته كالعادة.