محمد الشماع
محمد الشماع تاريخ النشر: الثلاثاء، 19 يناير، 2016 | آخر تحديث:
المخرج الراحل صبحي شفيق ووزيرة الثقافة الفرنسية السابقة كريستين ألبانيل

محلوظة المحرر: هذه الحكاية عهدةٌ على راويها، وليس لناقلها أي فضل في إضافة أو حذف أي أحداث منها.

جلس الرجل السبعيني مثل جلسته الدائمة، رث الثياب، مطلق لحيته بغير تهذيب كما كان دائما، رأسه التي اشتعلت شيبًا تحتوي على آلاف وآلاف من الحكايات والأفكار والاتجاهات المختلفة والجديدة، يقدمها بصوته النحاسي الهاديء.

يهرب منه كثيرون ويعتبرونه يثرثر، لكنه في الحقيقة يقدم أشهى وجبات الحياة والفلسفة.

لا يمانع أبدا من أن تعزمه على كوب من الشاي، وساندويتش، يأكله في نهم شديد صامتا، فيتحدث بعدها ويطيل الحديث.

الرجل قصير القامة، طويل التاريخ، كما كان يروى دائما، دارس في السوربون، بعد تخرجه من قسم اللغة الفرنسية من كلية الآداب، صنع أفلاما طويلة وقصيرة يعتبرها عظيمة، فيلمه الروائي الطويل الوحيد "التلاقي" والذي كتبه وأخرجه عام ١٩٧٤، لم ينجح جماهيريا، رغم توافر كل إمكانيات النجاح من نجوم بالوزن الثقيل، مثل محمود مرسي ومديحة كامل وسهير المرشدي، ورغم مشاركته في الإنتاج مع هيئة السينما والمسرح والموسيقى.

الفيلم لم يكتف بالفشل الجماهيري بل بالفشل في الصمود أمام زحام أفلام الموجة الجديدة التي كان يقدمها سعيد مرزوق وعلي عبد الخالق وأشرف فهمي في هذا الوقت.

أعماله القصيرة أكثر شهرة عند من تبقى من الأجيال القديمة في الوسط السينمائي الضيق، مساهمته في الصحافة مشهود لها ويتذكرها البعض لاسيما في الصفحة الفنية في الأهرام.

كان ضمن هيئة تحرير مجلة "المسرح والسينما" التي صدرت عام ١٩٦٨، وكان من مؤسسي جمعية نقاد السينما المصريين فى السبعينيات ثم صار رئيسا لها وبعدها غادر شفيق إلى فرنسا وأصبح من المراجع البارزة لتيارات السينما الفرنسية.

ترجم سيناريوهات أفلام منها "عاشت حياتها" الذي أخرجه جان لوك جودار عام ١٩٦٢ وأخرج شفيق أفلاما تسجيلية منها "الإيقاع" (١٩٦٧) و"صناع النغم" (١٩٦٨) و"القاهرة كما أراها" (٢٠٠٧) إضافة إلى مسلسلين تلفزيونيين في مجال الخيال العلمى هما "برج الهدهد" (١٩٩٥) و"قمرة وأمورة" (١٩٩٩).

هذه المقدمة مرشحة للطول أكثر وأكثر إذا تم التطرق لمأساته وطرده من شقته، والعبث الذي كانت تتعامل به مؤسسات الدولة معه، ومن ثم اعتماده على فتات الأموال التي تأتي له من جريدة هنا ونقابة هناك، وتنقله من شقة ضيقة إلى أخرى أضيق، ربما يتسع الزمن للحديث عنها فيما بعد.

هذه المقدمة دليل على أنك أمام هذا الرجل كان يجب أن تجلس لتستمع لا لأن تتكلم.

في إحدى حكاياته قال "كنت في باريس، أجلس في مكان للسهر، شاهدت فتاة غاية في الجمال، طلبتها للرقص، وبالفعل رقصنا لساعات عديدة، جلسنا لنتكلم وطال حديثنا، أعجبت بها وبذكائها وفطنتها وثقافتها الرفيعة التي كانت تميز بنات باريس، واتفقنا على الذهاب سويا إلى منزلي لنكمل ما بدأناه".

بالفعل ذهبت الفتاة الفرنسية رائعة الجمال رفيعة الثقافة إلى منزل الرجل المصري النابه في عاصمة النور، يضيف "جلست هذه الفتاة في بيتي لأكثر من 10 سنوات"، يروي ضاحكا "لقد تزوجتها".

لم يحدد في أي زمان حدث هذا الزواج، ولم يقل شيئا عن كيفيته، أو حتى إذا كانت قد أنجبت له أي أبناء، لكن من الواضح أن صورته وقتها كانت مختلفة كلية عن الصورة التي ظهر في آخر سنوات عمره.

المدهش في الحكاية هو الآتي، "منذ فترة وجدت الفتاة التي تزوجتها تحلف اليمين كوزيرة للثقافة الفرنسية". قال، والابتسامة تعلو وجهه.

لقاؤنا الذي قص فيه هذه الحكاية عمره نحو ٨ سنوات تقريبا، ربما قصّها علىّ فقط، وربما قصّها على البعض ولم ينتبهوا.

إذا صحت رواية الرجل، فإن الوزيرة كريستين ألبانيل التي تولت الوزارة في ١٨ مايو ٢٠٠٧، وخرجت منها في ٢٣ يونيو ٢٠٠٩، هي المقصودة.

هذا الرجل اسمه صبحي شفيق الذي غاب عن دنيانا وحيدا منذ يومين في شقته الصغيرة التي كان يستأجرها بمنطقة فيصل.