عمرو شاهين
عمرو شاهين تاريخ النشر: الجمعة، 8 يناير، 2016 | آخر تحديث:
حمدي أحمد

الموت و الاعتزال هما عدوا الجمهور الأول، فكلاهما يغيّب الفنان عن أعينهم فلا يستمتعون بما يقدمه من أدوار أو ما تفرزه موهبته من شخصيات، ولسوء الحظ فإن الفنان حمدي أحمد قدر مر بتجربة الاعتزال قبيل أن يخطفه الموت فجر اليوم 8 يناير عام 2016، فقد أعلن اعتزاله العمل الفني في مارس من العام الماضي متعللا بأن الساحة الفنية الآن لا تحترم الفنانين الكبار كما قال في حواره مع صحيفة الراي الكويتية.

بدايته في السينما كانت مع الفتوة ورائد الواقعية صلاح أبو سيف في أحد أهم وأبرز كلاسكيات السينما المصرية وهو فيلم القاهرة 30 الذي بدأ تصويره في عصر يوم الأحد الموافق 31 أكتوبر عام 1965 وعرض في 31 أكتوبر عام 1966، وربما كان من حسن الحظ أن المكتبة السينمائية بها كتاب وتجربة غاية في الثراء و الأهمية وهو كتاب "القاهرة 30.. يوميات فيلم" للناقد هاشم النحاس والذي كشف فيه كواليس إعداد وتصوير ومونتاج وطباعة فيلم القاهرة 30 يوما بيوم حيث أنه كان ملازما للمخرج صلاح أبو سيف وقتها.

هكذا ولد محجوب عبد الدايم

لم تكن بداية رحلة حمدي أحمد مع محجوب عبدالدايم وليدة أيام الإعداد للفيلم أو تصويره، بل سبقتها بأسابيع قليلة وتحديدا ليلة 16 أغسطس عام 1965، حينما سافر المخرج صلاح أبو سيف إلى الإسكندرية من أجل مشاهدة عرض "4 في زنزانة" والذي كان يقدمه حمدي أحمد، ولكن أبو سيف لم يكن ذاهبا للتسلية كان ذاهبا من أجل اختيار ممثل تابعه في أعماله المسرحية والتلفزيونية لدور البطولة في فيلمه القادم.

عشرون يوما مرت على مشاهدة أبو سيف لحمدي على خشبة المسرح قبل ان يطلب استدعاءه إلى مكتبه وبالفعل ذهب حمدي و قابل أبو سيف الذي طلب منه قراءة القصة على موعد بأن يناقشها معه بعد 4 أيام، وقد كان وبعد الأيام الأربعة وقع حمدي أحمد عقد بطولة فيلم القاهرة 30.

ولكن كيف استعد حمدي لهذا الدور؟ إجابة السؤال موجودة في طيات كتاب هاشم النحاس، والذي قال نقلا عن حمدي أحمد " أول ما فعلته هو أنني قررت عدم الارتباط بأي عمل آخر طوال تصوير الفيلم، ثم رويتها إلى عدد من أصدقائي الذين أثق فيهم لأعرف رأيهم ورؤيتهم لمحجوب وكنا نختلف كثيرا ولكننا كنا دائما نصل إلى فهم أعمق للشخصية."

وأضاف حمدي " بعدها شاورت أخي و الذي كان ميالا إلى أن محجوب مجرم ولابد أن يعاقب عقابا صارما، ليشتعل صراع بداخلي بين فرض أن محجوب هو ضحية مجتمعه أم أنه مجرم يستحق العقاب، ولم يفض هذا الاشتباك سوى حوار أجراه الأستاذ ألفريد فرج مع نجيب محفوظ وقال فيه إن محجوب عبدالدايم "متهم ووثيقة اتهام ضد مجتمعه" وكان هذا هو الرأي الذي وصلت إليه".

وقال أحمد إنه حرصا منه على دراسة الدور قام بقراءة روايات نجيب محفوظ بداية ونهاية والطريق والشحات و ثرثرة فوق النيل و التي كانت تنشر مسلسلة في جريدة الأهرام كل جمعة، وأيضا قرأ كتاب المنتمي للكاتب غالي شكري والذي تناول أعمال و شخصيات نجيب محفوظ بالدراسة".

"وأثناء البروفات كنت أراجع دوري في المنزل حتي حينما بدأنا التصوير كنت قد حفظت دوري كاملا ولم أرجع لمساعد المخرج إلا في التعديلات التي أضيفت حديثا على السيناريو و الحوار".

14 كوبا من الشاي من أجل التوقيع

في يوم 17 نوفمبر عام 1965 كان من ضمن جدول اللقطات التي ستصور فيه لقطة محجوب عبدالدايم وهو يتنفس خلف نافذة بيت الطلبة ثم يوقع باسمه على البخار المتراكم عليها، ولكن لأن الجو يومها كان دافئا داخل الاستوديو استحال تنفيذ اللقطة ليأمر صلاح أبو سيف بتأجيل التصوير إلى يوم آخر ونقل النافذة إلى خارج الاستوديو حيث البرودة.

وفي يوم 21 نوفمبر استكمل تصوير المشهد بعدما خرجت النافذة خارج الاستوديو ووقف خلفها حمدي أحمد ولكن لسوء الحظ كان الجو دافئ في تلك الليلة فلم يتكاثف البخار بالشكل المطلوب فافترح مساعد المخرج "أحمد فؤاد" - والذي أصبح مخرجا شهيرا في السبعينات و الثمانينات- أن يشرب حمدي أحمد شايا ساخنا يساعد على رفع درجة حرارة أنفاسه فيتكاثف البخار وبالفعل وقف حمدي أحمد وهو يشرب جرعات من الشاي المغلي وليتنفس في الزجاج فيعلن مدير التصوير أن البخار يتراكم بشكل جيد، فيأمر صلاح أبو سيف بتنظيف الزجاج استعدادا للتصوير، ولكن التصوير لم ينجح حيث لم يتكاثف البخار.

فاقترحت فريال كامل وهي إحدى طالبات معهد السيناريو والذي كان يرأسه صلاح أبو سيف وقتها، أن يتم مسح الزجاج بقطعة ثلج لتنخفض درجة حرارته إضافة إلى الشاي الساخن الذي يشربه حمدي، وبالفعل ولكن الثلج خلف قطرات ماء على الزجاج ولم ينجح تجفيفها بالقماش فاضطر صلاح أبو سيف للانتظار حتي تجف بعدما سلط عليها كشافات التصوير، وبعد العديد من المحاولات استطاع صلاح أبو سيف أن يلتقط المشهد الذي يريده، وبعدها وقع حمدي أحمد مريضا لأنه كان قد تناول 14 كوب من الشاي من أجل المشهد وأصيب بألم شديد في المعدة وقيء و تم نقله إلى إحدى حجرات الاستوديو لإسعافه.

سر الصفعات الستة التي تلقاها حمدي أحمد

في 13 ديسمبر كان من المقرر أن يتم تصوير مشهد افتضاح أمر محجوب أمام والده وأمام زوجة الوزير، والتي قدمت دورها الفنانة عقيلة راتب، وكان من المرسوم أن تقوم زوجة الوزير بصفع محجوب عبدالدايم، وأثناء البروفات كان عقيلة راتب تمثل أنها تصفع حمدي حتى جاء لها صلاح أبو سيف في البروفة الأخيرة وطلب منها ان تصفعة بالفعل، وقد كان واستقبل حمدي أحمد الصفعة الأولي على غفلة وبعدها طلب صلاح أبو سيف من عقيلة راتب أن تكرر ما فعلت أثناء التصوير.

ولكن أثناء التصوير لأول مرة، وبعدما تلقي حمدي الصفعة، نسيت عقيلة راتب الحوار فأعيد المشهد مرة اخري، فكان نفس الأمر ، والثالثة ايضا، في كل مرة ترتبك عقيلة راتب بعد الصفعة فتخطىء في نطق حوارها، لدرجة أن وجه حمدي أحمد تورم من صفعات عقيلة راتب القوية حتي جاءت المرة الخامسة و التي نفذتها عقيلة راتب دون أخطاء و انتهى المشهد.