Joy.. جينيفر لورنس وسندريلا التي تحقق أحلامها بدون أمير

تاريخ النشر: الأربعاء، 6 يناير، 2016 | آخر تحديث:
جينيفر لورنس في لقطة من فيلم Joy

يقال إن الجمهور يعشق مشاهدة رحلة الأبطال في الكفاح، أكثر من عشقه لمشاهدة مرحلة النجاح نفسها، باعتبارها طريقة منسجمة مع حياة أغلب البشر، الحالمين بتحقيق نجاحات استثنائية مستقبلا. لكن في الحقيقة لا توجد عادة قيمة جماهيرية لرحلة الكفاح وحدها، دون تتويجها دراميا بلحظة النجاح والمجد والوصول للهدف.

المقولة على أي حال، تتسق مع رغبات الجمهور، وتتسق أيضا مع فيلم المخرج ديفيد أوو راسيل الأخير جوي Joy المعروض حاليا.

الفيلم مقتبس كفكرة وخط عام من حياة جوي مونجانو. الأمريكية ذات الاصول المتواضعة التي انتقلت للثراء في منتصف الثلاثينات من عمرها، خلال عقد التسعينات، بفضل ابتكارها لأدوات تنظيف منزلية بسيطة وفعالة.

شاهد- الإعلان الدعائي لفيلم Joy (٢٠١٥)

أبرز تغييرات راسل بخصوص القصة، هو اختياره للممثلة الشابة جينيفر لورنس، التي لم تكمل بعد عامها السادس والعشرين لدور جوي، واضافته لتفاصيل وشخصيات روائية أخرى، خصوصا في المحيط العائلي للبطلة.

راسل مشهور بقدرته على صياغة قصة تجمع عدة شخصيات رئيسية بشكل جماعي متوازن، وهو ما حققه سابقا في أفلام مثل Three Kings - The Fighter - Silver Linings Playbook - American Hustle. هنا يغير اللعبة قليلا ويقدم قصة تتمحور حول شخصية رئيسية واحدة تشغل الشاشة أغلب الفيلم، لكن يوظفها أيضا لتصبح الحبل الذي يربط كل الشخصيات الأخرى ببعضها البعض.

جوي من المشاهد الأولى، هى الفتاة الطيبة التي لا تزال تسمح بتواجد طليقها المتعثر ماديا في منزلها (ادجار راميريز). وترعى والدتها العجوز التي لا تفعل أى شىء الا مشاهدة التليفزيون (ديان لاد). وتقبل أيضا استضافة والدها المتصابي المهمل في تجارته (روبرت دي نيرو). كل ما سبق مجرد جزء من علاقاتها بالأخرين وليس (كل)، وبدونها ينفرط الشمل.

لحظة الإستنارة والابتكار نفسها، تأتي في مشهد نرى فيه أغلب شخصيات الفيلم مشغولين بالاستمتاع واللهو فقط، بينما جوي مشغولة وحدها بتنظيف نتائج لهوهم!.. مشهد يراه بعضنا يوميا في الواقع، كطريقة تعامل غير عادلة مع الشخص الذي اعتاد منه المحيطون تقديم الكثير والكثير بانتظام، لدرجة اعتبارهم هذا الجهد حق مكتسب.

المقدمة السريعة تطرح أيضا جوهر شخصية جوي، كامرأة شابة مستقلة تكافح لرعاية أطفالها، ولا تبحث عن رجل منقذ ينتشلها من حياة الكفاح كحل. أو كما تردد وهى طفلة في أحد مشاهد الفلاش باك: "لا أحتاج الى أمير". ورغم أن رحلة الكفاح ستشهد مساعدات من بعض الرجال، صاغ راسل القصة بحيث يصبح مردود هذة المساعدة على أصحابها، يعادل ويفوق أحيانا مردودها الايجابي على البطلة نفسها.

جوي اجمالا شخصية نسوية أخرى مهمة من هوليوود ٢٠١٥. وما يجعل قصة نجاحها أكثر تأثير وإلهام من أفلام أخرى خلال العام، ليس فقط كونها قصة حقيقية، لكن طبيعة جوي المُلهمة نفسها. المرأة التي لم تثق في نفسها كمديرة أعمال وهى تُقدم على مشروعها، بقدر ثقتها في كونها قدمت بالفعل ما كانت تحتاجه هى شخصيا كربة منزل، ويحتاجه الملايين غيرها: أداة تنظيف أرضيات مثالية!

اجمالا يبدو راسل هنا مفتونا ببطلته، كنموذج للكفاح الرأسمالي المستقل القائم على مبادرات فردية جريئة. أو كما تردد جوي نفسها في أحد مشاهد الفيلم، بعد نجاح شركتها لشابة أخرى: "لقد وصلنا الى هذة المكانة بالجد والتعب والصبر ليس الا. لذا تذكري دوما أن العالم غير مدين لك بأى شىء، لأن بعضنا للأسف يظن العكس بسبب مواقف نال فيها الكثير دون مشقة".

جينيفر لورنس تلمع هنا كنجمة سينما حقيقية رغم صغر سنها، وتثبت أن نجاحها في السنوات الأخيرة لم يتحقق من فراغ، بدور يفوق بكثير دور البطلة القوية المُصطنع، في سلسلة The Hunger Games التي انتهت منها مؤخرا.

هنا تصبح كنجمة وعاء للشخصية وأداة لخدمتها. يمكن بالتأكيد تخيل أخريات غيرها في الدور بنجاح، وأخص بالذكر مثلا إيمي آدمز. لكن يصعب انكار موهبة لورنس هنا في المزج المستديم بين المرح والقلق، وانتقالها أحيانا باقناع خلال ثوان معدودة في نفس المشهد، بين قمة الأمل والسعادة لذروة اليأس والاحباط. من الوارد جدا أن تشق طريقها لترشيح أوسكار أخر، كما فعلت في أخر فيلمين لنفس المخرج Silver Linings Playbook - American Hustle.

على النقيض منها، لم يقدم راسل كسيناريست ومخرج لروبرت دي نيرو الكثير هذة المرة، مقارنة بما قدمه له في نفس الفيلمين السابقين. الشخصية مكررة في مسيرته كممثل، ومشاهدها تخلو من التأثير الانساني الذي ميز دور الأب في Silver Linings Playbook أو التوظيف الجيد المرح لتاريخ دي نيرو في أفلام العصابات، الذي ميز ظهوره الشرفي في American Hustle.

نفس الشيء يمكن قوله عن دور برادلي كوبر لكن بدرجة أقل. على الأقل استفاد الفيلم هنا من وزنه كنجم، لأن الدور رغم مساحته الزمنية البسيطة، يتعلق بشخصية تتطلب حضور مغناطيسي، باعتباره الشخص التي سيُغير في البطلة الكثير والكثير، ونحتاج كمشاهدين من أول ظهور له، للتركيز والثقة فورا في نصائحه وقدراته.

بسبب هذة الملاحظات وغيرها، من الصعب تصنيف Joy كأفضل أعمال راسل، ويبدو اجمالا كخطوة أقل نسبيا في مسيرته كمخرج وسيناريست. توجد أيضا ثغرة غريبة في طريقة توظيفه لفكرة الراوي، لا أميل لشرحها لما تطرحه من حرق لبعض الأحداث، لكن غالبا ستثير احساس مماثل بالغرابة لأغلب المتفرجين.

رغم هذا يستعيد في كثير من المقاطع حيويته كمخرج، وأخص بالذكر مثلا مشهد التجربة الأولى للبطلة في تقديم فقرات الاعلانات عبر القنوات التليفزيونية. بصمته المميزة تظهر هنا بوضوح في المزج والانتقال بتناغم، بين التوتر والمرح والعواطف الجياشة.

قدرته خلال دقائق محدودة يستغرقها المشهد، على ربط القصة والمشروع ككل بمعارف البطلة، والطريقة التي يوظف بها موسيقى تصاعدية بسيطة، مع مونتاج متقن، كافية لخلق توحد بين المتفرج والبطلة، في لحظة حرجة جدا حسمت مستقبلها للأبد.

جوي لن أصنفه ضمن أفضل أفلام العام، لكن هذا المشهد بالتأكيد ضمن أفضل مشاهد العام. الفيلم نفسه أقرب لحياة بطلته جوي. مليء بالفوضى الذي يسببها الأخرون، بينما عليها هى وحدها التنظيف خلفهم!.. جينيفر لورنس تفعل طوال الفيلم نفس الشىء تقريبا مقارنة بباقي العناصر. النتائج غير مبهرة ولا تغير تصنيف للفيلم ككل، لكن غالبا كافية لتحب الفيلم وبطلته.


باختصار
خطوة أقل اجمالا في مسيرة ديفيد راسل كمخرج وسيناريست، لكن لا تخلو من مزايا أفلامه من حيث جودة التمثيل والتركيز على الشخصيات. مع أداء جيد جدا لجينيفر لورنس كفيل باصلاح بعض العيوب.

تابع حاتم منصور عبر Facebook