محمد الشماع
محمد الشماع تاريخ النشر: السبت، 12 ديسمبر، 2015 | آخر تحديث:
يحيى وحياة في "قدرات غير عادية"

هوس المخرجين بأسماء أبطال أعمالهم واستخدامها أكثر من مرة ليس بجديد. فيوسف شاهين اختار اسم يحيى ليكون بطلا لمعظم أفلامه، خصوصا في أول أعمال سيرته الذاتية "إسكندرية ليه"، عندما جسد محسن محيي الدين شخصية شاهين في شبابه، وأسماها "يحيى"، وظل هذا الاسم ملاصقا للراحل نور الشريف في "حدوتة مصرية" ويوسف شاهين نفسه في "إسكندرية كمان وكمان"، ومحمود حميدة في "إسكندرية نيويورك".

وبعيدا عن رباعية سيرة شاهين تلك، نجد هوسه حاضرا باسم علي الذي اختاره لأحمد محرز في "عودة الابن الضال" ومحسن محيى الدين في "الوداع يا بونابرت".

أما عند داود عبد السيد فالأمر يبدو أكثر حضورا ووضوحا، نظرًا لأن أفلام داود في الأساس 9 لا غير، إلا أن ثنائية يحيى وحياة قد بدأت منذ فيلم "أرض الخوف"، فالراحل أحمد زكي كان اسمه يحيى المنقبادي أو يحيى أبو دبورة، وهو الاسم الذي سماه به داود في عالمه العلوي (عالم ضباط البوليس)، أما عندما هبط إلى عالمه السفلي (عالم تجار المخدرات) فسُمي بآدم.

وكانت رحلة يحيى في العالم السفلي رحلة شكوكٍ وقلقٍ ونزاع، تقترب في شكلها من رحلة الإنسان على الأرض، فهو لا يعلم هويته الحقيقية (ضابط أم تاجر مخدرات؟) بعد انقطاع صلته بمن جندوه في البداية، فصار مستهدفا من العدالة، ومن تجار المخدرات على السواء.

في هذه الأثناء، وبينما كان يحيى يعيش في "أرض الخوف"، كانت حياة بذرة في دماغ داود عبد السيد، تتشكل ملامحها، لتظهر في فيلم "مواطن ومخبر وحرامي"، بشخصية خادمة جسدتها هند صبري، حيث فتحت علاقتها بالمواطن سليم (خالد أبو النجا) كل طاقات الإبداع التي توقفت عنده، أثناء كتابته لروايته المحببة، فأنهاها وصار "خالي البال" كما وصفه داود على لسان راويه.

حياة وعلى الرغم من مراوغتها إلا أنها كانت طيبة القلب، هادئة، صامتة أغلب الوقت. حياة في "مواطن ومخبر وحرامي" كانت أشبه بالحياة فعلا، فهي من أقامت علاقة مع الحرامي شريف المرجوشي (شعبان عبد الرحيم)، وهي من جلبها المخبر فتحي (صلاح عبد الله) منذ البداية، إلا أنها في النهاية تزوجت من المواطن، حتى مع مرورها بنوبات من الاكتئاب والحزن غير معروفة السبب.

في الوقت الذي كانت فيه حياة تمر بهذه الحالات من الاضطراب، كان يحيى يمر بنفس الحالة في "رسائل البحر"، فهو مازال في رحلته للبحث عن الحقيقة والتي بدأها في "أرض الخوف"، لكنه في هذه المرة كان متلعثما، لا يستطيع مواجهة العالم. يبحث في خفايا الدنيا عن معنى الرسالة التي جلبها إليه البحر. يدرس معنى أن يكون البحر سخيا في أوقات، ثم يكون مقتضبا في سخائه وعطائه.

يلهو ويرقص مع موسيقى مجهولة المصدر، ويقيم علاقات مضطربة مع عاهرة، ويحب جارته بكل شذوذها النفسي والجسدي، ويقاوم مالك منزله القديم الذي يريد طرده. أزمة يحيى (آسر ياسين) في "رسائل البحر" كانت متشابكة أكثر من اللازم، إلا أنه أراد الراحة فذهب في "قدرات غير عادية" ولكن بصورة خالد أبو النجا، إلى ذلك الشاليه المدهش على بحر منطقة قريبة من الإسكندرية، والذي تمتلكه حياة أو نجلاء بدر.

في فيلم داود الأخير، يستمر يحيى في رحلة البحث عن حقيقة أن يكون في هذه الأرض من يملكون قدرات غير عادية. يلتقي يحيى للمرة الأولى بحياة التي يشك في أنها قد تحمل هذه القدرات، وورثتها لابنتها فريدة، إلا أن الشك يتسرب أيضا إلى نفس حياة التي تعتقد أن تلك القدرات يمتلكها يحيى أيضا.

رحلة يحيى في أعمال داود هي رحلة بحث عن الحقيقة، أما عن حياة فهي التي تمتلك ما تستطيع من خلاله أن تفجر طاقات يحيى.

حكاية يحيى وحياة، وإن جاز الترميز، هي حكاية الإنسان والدنيا، منذ أن هبط آدم من الفردوس إلى الأرض.