أحمد شوقي
أحمد شوقي تاريخ النشر: الثلاثاء، 27 أكتوبر، 2015 | آخر تحديث:
عاموس جيتاي

في قاعة جارتينباوكينو التاريخية الأنيقة (والمرهقة في المشاهدة بسبب مقاعدها غير المدرجة) في وسط العاصمة النمساوية فيينا، اجتمع مئات الحضور من ضيوف وجمهور مهرجان فينالي، لحضور عرض الفيلم الاسرائيلي "رابين: اليوم الاخير" للمخرج المخضرم عاموس جيتاي، والذي عرض عالميًا للمرة الاولى مطلع سبتمبر الماضي في مهرجان فينيسيا، وقوبل وقتها بحفاوة كبيرة نظرا لمستواه الفني وموضوعه الهام.

يسرد جيتاي في الفيلم تفاصيل مقتل رئيس الوزراء الاسرائيلي ايزاك رابين قبل عشرين عاما (٤ نوفمبر ١٩٩٥)، وينقل تقرير لجنة التحقيق التي راسها القاضي شامجار بكثير من التصرف، ليلقي الاتهام بوضوح على اليمين الاسرائيلي المتطرف، بانه كان السبب في مقتل رابين وبالتالي في توقف عملية السلام. فالفيلم يظهر الشاب المتطرف إيجال عامير بأنه كان مجرد أداة، ونتيجة لموجة من التكفير والتخوين وإهدار الدم قام بها الحاخامات ورجال الأحزاب اليمينية تجاه رابين الذي خان أرض الميعاد ويستحق القتل وفقاً لرأيهم.

شاهد- الإعلان الترويجي لفيلم Rabin, the Last Day للمخرج عاموس جيتاي

بطبيعة الحال اتسمت الندوة التي تلت الفيلم بالطابع السياسي. تحدث عاموس جيتاي فيها عن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وعملية السلام والأحزاب في الدولة العبرية، أكثر من حديثه عن أسلوب الفيلم الذي يستحق أيضاً المزيد من الدراسة. كنا في الندوة ورصدنا أهم ما قاله المخرج المخضرم حول فيلمه.

أسلوب إجباري
"قررت تقديم الفيلم بهذا الأسلوب لأنها كانت الطريقة الوحيدة المتاحة، رغبتي الأساسية كانت نقل تفاصيل ما دار في لجنة التحقيق، واستكماله أحياناً حسب ما أتصور حدوثه. تفاصيل التحقيقات غير معلنة، جلساتها غير مصوّرة، وما وصلت إليه ليس كل شيء، لذا كان علي أن أكتب ما يكمل فيلمي أولاً، وأقوم بتصوير هذه الجلسات بممثلين أتمكن من خلالهم بنقل ما أريده بدقة إلى الشاشة".

قراءة في الوضع الراهن
"في الفيلم جملة على لسان شيمون بيريز يقول فيها: لا يمكن أن أؤكد أن رابين لو ظل حياً كانت الأزمة ستُحل، لكن الأكيد أن الوضع كان سيصير أفضل بكثير مما نحن عليه الآن. هذا بالضبط ما أؤمن به حيال الوضع. إنجاز رابين الحقيقي هو أخذه القضية من مساحة الصراع الديني لتصير صراع بين عقول وسياسات، فمن يرون الأمور من منظور الدين يرفضون الآخر كلياً، يؤمنون أنهم أصحاب الحق الوحيد في التواجد، وهؤلاء موجودن بكثرة من الطرفين، ومعهم من المستحيل أن يوجد تسوية وسيستمر القتال. أما لو تم التعامل مع نفس الأمور بنظرة سياسية، يصير استيعاب الاختلاف ممكناً، وهو ما حاول رابين فعله قبل أن يغتالوه".

اليمين وآلياته
"قرأت حديثا تصريحًا مضحكًا لبنيامين نتنياهو، يتهم فيه الاسرائيليين بالتسبب في الهولوكوست. هذا تصريح بشع لأنه يفرغ القضية اليهودية من معناها، لكني في نفس الوقت أتفهم صدوره من نتنياهو الذي لا يفعل شيء طيلة الوقت سوى التلاعب بالإعلام لإحراز مكاسب انتخابية، ولا يتورع عن فعل أي شيء لتحقيق هدفه. عموما، هذا هو ميكانزم عمل اليمين المتطرف في كل مكان وزمان، لابد أن يشعروا الناس بوجود خطر خارجي يهددهم، لابد من وجود قوة ما نلقي عليها كل الشرور حتى نصبح مخوّلين من قبل الناس بالوقوف أمامها، هكذا يصعد اليمين ويبقى، لذلك لن يتوقف نتنياهو أبداً عن مثل هذه الأقوال".

عرض قريب واستهجان محتمل
"الفيلم لم يعرض في اسرائيل تجاريًا بعد، لكننا حضّرنا لعرضه بشكل موسع واحتفالي بدءًا من الرابع من نوفمبر، أي في الذكرى العشرين بالضبط لاغتيال ايزاك رابين. توقعاتي لاستقبال الاسرائيليين له؟ يمكنكم تخيلها بالطبع، هذا فيلم يمس قناعات الأغلبية الانتخابية ومخاوفهم التي أرساها اليمين في عقولهم، لذا فحدوث أزمة بسبب العرض أمر متوقع بشدة".

توقعات سيئة
"هل أنا متفائل أو متشائم تجاه الوضع؟ سأروي شيئاً. في الفيلم مزج بين الماضي والحاضر عندما ينهي القاضي تقرير اللجنة ويخرج ليمر أمام الدعايات الانتخابية، رغبة في التعبير عن أن قتل رابين هو ما أوصلنا للحظة الراهنة. كان علينا تصوير هذه المشاهد في فبراير الماضي، قبل شهر واحد من انتخابات الحكومة الاسرائيلية. كانت اللافتات الانتخابية تملأ الشوارع، واقترح أعضاء فريقي أن نصوّر المشهد أمام لافتات كل المرشحين أصحاب الفرصة في الفوز. وقتها تحديتهم وأصررت على تصوير المشهد أمام ملصقات نتنياهو فقط، وقد حدث ما توقعته وانتصر الليكود مجدداً وبقى على رأس الدولة، هذا هو شعوري الحالي.

رغم هذا لن أتوقف عن العمل. في الفيلم صورة تبدو الآن مثالية أكثر مما ينبغي، يوتوبيا ربما لم نكن نراها بهذا الوضوح وقت وجود رابين، لكن ما تعلمته في السنوات الماضية أنه لا يجب أن أتوقف عن الحلم، أن استمر في الحديث عن العالم الذي أريده لأبقي هذا الصوت متواجداً وسط كل دعاوي العنف والكراهية. قد يبدو ما أقوله ركيكاً أو حالماً أكثر مما ينبغي، لكني أؤمن به فعلاً وأنوى الاستمرار عليه".