هل اختلقت السينما الرقص بالسكين؟ (رأي)

تاريخ النشر: الأحد، 11 أكتوبر، 2015 | آخر تحديث:
أحمد السبكي ووائل الإبراشي

ما هو الأصل ومن هي المرآة؟ هل تنقل السينما ما نعيشه في الواقع أم تختلق أفعالا وتصرفات غير موجودة به لتعرضه عليها؟ وإن كانت السينما تستلهم من الواقع مواضيعها وتفاصيلها لماذا إذن تعيد طرحه عليه؟ وما دور السينما في المجتمع وما تأثير المجتمع على السينما؟

حزمة من الأسئلة التي لن تنتهي ألقتها في وجهنا مرة أخرى حلقة الإعلامي وائل الإبراشي مع أحد المواطنين والذي يتهم فيها السبكي بأنه أفسد المجتمع وساهم في نشر الانحطاط فيه؛ أسئلة تفتح الباب أمام جدل بيزنطي لا ينتهي وهي مسألة مثارة منذ بداية السينما وستظل مثارة إلى نهاية الخليقة؛ إذن نحن لسنا بصدد وضع حد لهذه المناقشة التي لن يستطيع أي ناقد أو سينمائي وضع حدا لها ان أراد.

اقرأ أيضًا- كريم السبكي نافيا سب وائل الإبراشي على الهواء: صوت في الخلفية

حرية الاختيار
ما هو الهدف من الفيلم؟ يقول الناقد السينمائي أحمد شوقي في مقاله المنشور على موقع "عين على السينما" بعنوان :"عندما تغيب أسباب المشاهدة" عن فيلم "أوضة الفيران: "الأفلام بمختلف أنواعها وأشكالها وطموحها، تهدف لواحد أو أكثر من أربعة أسباب: إمتاع البصر، تحريك المشاعر، دفع العقل للتفكير، إثارة الفضول (وهذا أضعف الإيمان)"، وأنا بشكل شخصي من مؤيدي تلك النظرية، التي لم تجد بين طياتها كلمة المجتمع أو البيئة او القيم أو الأخلاق، فالسينما فن ترفيهي و إمتاعي في المقام الاول وربما من وجهة نظري أن هذه هي الرسالة الأولى والأهم للسينما وهي خلق المتعة.

ولكن هل السينما تربي مجتمع؟ ولنطرح السؤال بشكل أخر هل المجتمع بأكمله بكامل طبقاته وأفراده يدخلون نفس الأفلام بل هل يدخل الجميع إلى السينما؟ الإجابة بالقطع لا، وإذا فرضنا أن الجميع يدخلون السينما و هو فرض خيالي بحت، فأين إذا حرية الإختيار؟ تلك الحرية التي تتيح للمشاهد أن يختار فيلما دون أخر ليدفع فيه من عمره عدد معلوم من الدقائق ليحصل على متعة يفضلها، هل يجبر السبكي الجمهور على دخول أفلامه؟ -هذا طبعا بفرض ان السبكي مدان فيما يقدمه-، الإجابة طبعا لا، إذا أنت كمتلقي تختار بإرادة من المفترض أنها حرة أي فيلم تختار مما هو مقدم وإذا لم تجد فيلما يرضيك ويتوافق معك فستعود إلى منزلك وتنتظر فيلما آخر.

محمد رمضان في أحد مشاهد "عبده موته" (٢٠١٢)

وبالقطع يمكن الرد على ذلك أن الأفلام تعرض ليلا و نهارا في القنوات التلفزيونية، لأجيبك مرة أخرى بنفس الرد "حرية الإختيار"إذا كانت لا تريد مشاهد فيلم ما فأحب أن أبلغك أن العلم تطور كثيرا وأخترع جهازا لابد أنك تملكه ويدعى "ريموت كنترول"يمكنك في طرفة عين ان تغير المحطة وتشاهد شيئا يرضيك، فلا إجبار في الأمر، ولا تحاول أن تلصق بالسينما تهمة هي بريئة منها.

هل تسبق السينما واقعها؟
ولنأتي إذن لما يقدمه السبكي من مشاهد بها غناء مهرجانات ورقص بالمطاوي و السكاكين وأفعال بلطجة و عنف وضرب، هل تسبق السينما الواقع و تتنبئ بما سيجري لتقدمه للجمهور أم ان تلك الأفعال جميعها تحدث فعليا على أرض الواقع من قبل سينما السبكي بسنين، بل و كان الجمهور سابقا يهلل لأفلام كان البطل فيها مجرم ويقوم بضرب العصابة طيلة الوقت، فوالله اتوقع أنه إذا كان "ملك الترسو" فريد شوقي مازال حيا إلى لحظتنا هذه ويقدم افلامه الشهيرة لكان هناك ألف صوت وصوت اتهمه بإشاعة البلطجة في الشارع المصري العفيف.

محمد لطفي في أحد مشاهد "حرب الفراولة" (١٩٩٤)

السينما بشكل عام وفي مصر على وجه الخصوص تنقل عن ولا ينقل منها بمعنى ان دائما المجتمع الذين تدافعون عنه هو الذي يختلق الفعل فتراه عين المبدع أو الفنان وتقدمه السينما وليس العكس، فحينما زادت ظاهرة الاغتصاب في المجتمع في النصف الثاني من الثمانينات واستمرت فترة طويلة بعدها للأسف ظهرت افلام مثل "المغتصبون، واغتصاب"، وحينما طفح الكيل بظاهرة الجماعات الدينية ظهرت أفلام مثل "الإرهابي" و "الناجون من النار" وغيرها الكثير، وكل ظاهرة تفشت في المجتمع المصري ظهرت أفلام ناقشتها مع تباين مستوى تلك الأفلام الفني، ولكن في النهاية المجتمع دائما يسبق السينما و ليس العكس.

وظاهرة الرقص بالسكين التي كانت محور الفيديو وحلقة الإعلامي وائل الإبراشي، يؤسفني أن اقول لكل من تحفز للدفاع عن الإعلامي و ضيفه و الفتاة ضد السبكي على اعتقاد ان السبكي هو أحد مخترعيها أنها ظاهرة قديمة للغاية فأغلب محافظات مصر في الأفراح يرقص المدعون بالسلاح سواء إذا كان سلاحا أبيضا أو سلاحا ناريا أو حتى "شومة" فالظاهرة للأسف لم تبتكرها أفلام السبكي كما يتوهم البعض، بل يمكن ان اصدمك مرة أخرى ان يحيى الفخراني رقص بالمطواه في احد مشاهد مسلسل "أوبرا عايدة" ولم يتهمه الناس بتدمير القيم والحث على العنف ونسف الأخلاق وتقويض دعائم المجتمع وما تلاه من قائمة اتهامات عشوائية تلقى جزافا عن عدم وعي وفي كثير من الأحيان عن جهل وفي بعض الحالات بغرض الحصول على نسب مشاهدة عالية.

المؤسف الحقيقي في الأمر أن نضيع وقتا في شرح عدد من "البديهيات" أو الدخول في سفسطة عقيمة لا تنتهي حول السينما والمجتمع، والمجتمع والسينما، و ننسى أو نتناسى ان لولا شركات إنتاج السبكي لكانت السينما المصرية كصناعة في حال يرثى لها حيث قبع العديد من المنتجين خلف ستارا ممزق من المقولات الجوفاء تاركين الاستديوهات مهجورة خوفا على رأس مالهم من خوض مغامرة بإنتاج فيلم سينمائي يصيبه الفشل لسوء الأحوال الأمنية وان كثيرا من المواسم السينمائية كانت كل الأفلام المعروضة تحمل أسم السبكي فقط دون غيره من المنتجين لتستمر عجلة تلك الصناعة في الدوران بدل من ان تتوقف ويعلم الله إن توقفت متى ستعود للدوران مرة أخرى.