"أهواك".. والفروق الأربعة بين الفيلم والفيديو كليب

تاريخ النشر: الأربعاء، 23 سبتمبر، 2015 | آخر تحديث:
أفيش فيلم "أهواك" بريشة "عمرو الصاوي"

حقيقتان قبل البداية
الحقيقة الأولى:المتابع لمسار صناعة الترفيه في مصر سيكتشف بوضوح أن الأغنيات المصوّرة أو الفيديو كليب، هي الصناعة صاحبة أسرع رحلة صعود وانهيار في تاريخنا الفني. ارجع عشر سنوات فقط للخلف، ستجد عشرات الفضائيات المخصصة بالكامل للفيديو كليب، ومئات الأغنيات التي كانت تنتج سنوياً، بميزانيات ضخمة لتعرض حصريا على هذه القناة أو تلك. إذا ما قارنا هذا الوضع بأعوام سبقته كانت الصناعة فيه وليدة محدودة الإمكانيات، وبوقتنا الحالي الذي اقتصر إنتاج الكليبات فيه على كبار النجوم (وليس بنفس الكثافة السابقة)، وأغلقت فيه معظم الفضائيات المتخصصة للأغنية المصوّرة، فسنرصد بذلك رحلة صناعة صعدت بسرعة الصاروخ وتوشك على الانتهاء بنفس المعدل.

وإذا كانت الصناعة تخفت تدريجيا، فحاجة نجوم الغناء لما تشبعه أغنية الفيديو كليب من رغبات لا يمكن أن تختفي. فأغنية الفيديو هي التي يقدم فيها المغني شخصيته الافتراضية: الوسيم أو خفيف الظل أو الرجل الناضج أو أي صورة أخرى. ما الطريق البديل الأنسب لتصدير الشخصية المختارة وإشباع رغبة النجم؟ بالطبع هي السينما!

الحقيقة الثانية: على مدار تاريخ السينما المصرية تواجد عشرات المغنيين والمغنيات أمام الكاميرا، بحجم نجومية وأدوار ونجاح متباين. لكن جميع نجوم الغناء ممن قاموا بالتمثيل يمكن تصنيفهم إلى مدرستين من التواجد. المدرسة الأولى هي المغني الذي يمثل لأنه نجم غناء، وبالتالي يُصاغ العمل كي يناسبه ويتحمل وجود أغنياته داخل سياقه. محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ مثّلوا كي يغنّوا. في كل فيلم سبعة أو ثمانية أغاني تتحرك الدراما كي تلائمها، ليستمتع الجمهور بصوت وصورة نجمه المفضل مع بعض التمثيل (الملائم غالباً لصورة النجم الافتراضية، في إرهاصة لفكرة الفيديو كليب). وهو المسار الذي انضمت له شيرين عبد الوهاب مؤخرا بمسلسل "طريقي" الذي ينطبق عليه نفس الشروط.

أما المدرسة الثانية فهي المغني الذي يمتلك مسيرتين مهنيتين متوازيتين. أمام الكاميرا هو ممثل فقط، لا يقوم بالغناء إلا نادرا وفي إطار درامي، وينتظر منه الجميع أداءً تمثيلياً احترافياً لأنه هنا ليس نجم الغناء المحبوب بل ممثل محترف. مدرسة انتمى إليها شادية وهدى سلطان ومدحت صالح في معظم أعماله، وانضم إليها في السنوات الأخيرة خالد سليم وهاني عادل وغيرهم. إلى أي المدرستين ينتمي تامر حسني وفيلمه الجديد "أهواك"؟ هذا ما سنحاول فهمه في هذا التحليل.

شاهد- إعلان فيلم "أهواك" بطولة تامر حسني وغادة عادل

بين النظرية والتطبيق
تامر حسني بدأ مشواره السينما من المدرسة الثانية، عندما قدمه المخرج سعد هنداوي ممثلًا لأول مرة في "حالة حب". وظهر وقتها بشكل مقبول إلى حد كبير كممثل محترف، لكن سطوع نجمه المدوي في عالم الغناء جعله يتراجع سريعاً ويقفز للمدرسة الأولى، مفضلاً تقديم أفلام خفيفة، يلعب فيها شخصيته المختارة: شاب خفيف الظل، متعدد العلاقات النسائية، لكنه في نفس الوقت محب مخلص يبحث عن فرصة حقيقية ليصير الزوج والحبيب المثالي وفارس أحلام أي فتاة. باختصار وكما ذكرنا هي أفلام تلعب بالضبط نفس دور الفيديو كليب في ترويج النجم وصورته الذهنية.

نظرياً، تامر يحاول في "أهواك" أن يعود مجدداً للمدرسة الثانية. بعد ثلاثة أعوام من الابتعاد عن السينما وإيقاف سلسلته الشهيرة "عمر وسلمى"، يعود مع مخرج نجح أكثر من مرة في تقديم أعمال درامية جذابة وجماهيرية هو محمد سامي، ليقدما فيلماً يلعب فيه تامر شخصية تدخل مغامرة مثيرة في حد ذاتها (طبيب تجميل يتعرف على فتاة ويكاد يرتبط بها حتى يقابل أمها فيقع في حب الأم الشابة الجميلة)، ولا يقوم خلال الفيلم بالغناء إلا لجسر درامي غنائي لا يتجاوز الثلاث دقائق في ذروة الفيلم. جسر يمكن قبوله في أي فيلم كوميديا رومانسية آخر حتى لو لم يكن بطولة مغنٍ.

باختصار المعطيات تبدو لأول وهلة صالحة لنشاهد تامر حسني ممثلاً في فيلم سينمائي وليس فيديو كليب مدته ساعتين. لكن التصور النظري شيء وتطبيقه على أرض الواقع شيء آخر. فهناك أربعة فروق جوهرية بين الدراما السينمائية ودراما الفيديو كليب كان على الفيلم أن يراعيها لكنه لم يفعل. سنرصدها معاً بالتفصيل.

تعرف على مواعيد وأماكن عرض فيلم "أهواك" عبر دليل السينما المقدم من FilFan.com

أولا: من الفكرة إلى البناء
فكرة الفيلم التي ذكرناها جذابة حقاً. من يستمع إليها سيرغب في الأغلب أن يعرف كيف ستسير على الشاشة. على الأقل ليرى شكل الفتاة وأمها وكيف يمكن أن يقع نفس الرجل في حبهما. نفس الفكرة يمكن تنفيذها في فيديو كليب مدته خمس دقائق أو في فيلم مدته ساعتين. ما يفرق بين الإحتمالين هو ذلك الشيء المدعو "البناء الدرامي"، الذي يحول الفكرة من مجرد مفارقة أو نكتة (والنكتة دائما من فصلين)، إلى حكاية لها بداية ووسط ونهاية (أي مثل أي فيلم لها ثلاثة فصول).

المفارقة هي: شاب صادق فتاة (فصل أول) لكنه قابل أمها فأحبها (فصل ثاني). والدراما هي شاب صادق فتاة (فصل أول) لكنه قابل أمها فدخل صراعاً مع الفتاة والأم ومع نفسه (فصل ثاني) حتى تمكن من الوصول لقلب الأم (فصل ثالث وذروة درامية). كيف يمكن أن يُخلق هذا الصراع؟ بأداتين رئيسيتين بديهيتين هما الفجوات والسببية.

ثانيًا: الفجوات الدرامية
الفجوة الدرامية هي فكرة بسيطة تقوم عليها أي حكاية يمكن أن يرويها شخص لآخر وليس فقط حكايات الأفلام. وهي باختصار أن العالم لو جاء لكل منّا بما يريده ويتوقعه فلا توجد دراما ولا يوجد ما يمكن حكيه. بينما تخلق الدراما من وجود اختلاف أو فجوة بين التوقعات والواقع، تجبر البطل على اتخاذ قرارات أصعب تتحول تدريجيا إلى مغامرة يمكن متابعتها. يمكن تطبيق الأمر حرفياً على أي حكاية في التاريخ. لكن ما يهمنا هنا هو تطبيقه على دراما "أهواك"، التي تمتلك فجوة واحدة ضخمة هي المذكورة في ملخص الفيلم: البطل يتوقع أن يوطد علاقته بالفتاة فيقع في حب أمها.

هذه الفجوة كان لابد وأن تتحول لمجموعة فجوات أخرى أكبر. أمثلة: أن يتصادم خيار البطل مع حب الفتاة له / أن تعلم الأم وترفض أن تجرح ابنتها / أن يشعر البطل بالذنب تجاه فتاة علقها به ويريد تركها من أجل أمها. كل هذه احتمالات واردة وغيرها الكثير، كان العمل على أي منها كفيلاً بإدخال الجمهور في دراما سينمائية حقيقية، يحاول أن يتخيل فيها النهاية ويسأل نفسه عن أمور تخص العلاقات والحب والإخلاص. لكن مؤلف الفيلم ومخرجه محمد سامي لم يرهق المشاهد كثيرا بهذا، ومن اللحظة الأولى جاء كل شيء واضح ومحلول ولا يحتاج للكثير من الخيال. الفتاة تعلن أنها لم تحب البطل أصلا، وهناك شاب في سنها يتقرب منها نعلم أنها ستحبه، والبطل طريقه مفتوح لقلب الأم اللهم من بعض عوائق كوميدية مناسبة لفكرة الفيديو كليب أكثر منها للسينما.

ثالثًا: السببية
لماذا نقول إنها أنسب للكليب وليس السينما؟ لأنها افتقدت الفجوات أولًا والسببية ثانيًا. السببية باختصار هي ترتيب الأحداث وفقا لمنطق السبب والنتيجة. هذا الفعل يؤدي لنتيجة تؤثر على العلاقة، فيتسبب الوضع الجديد في اتخاذ شخصية لقرار ما يدفع الأحداث جهة معينة، وهكذا يسير البناء الدرامي وفقاً لمنطق يمكن تصديقه. أما في الفيديو كليب، فيمكن أن يقفز المخرج بحرية بين الأماكن والأزمان، نرى حبيبان ثم نراهما منفصلان، لأن فكرة النوع نفسها لا تفترض السببية كما في الدراما السينمائية.

مجددا تسير الأمور وفقًا لمبدأ السببية حتى فجوة حب الأم: البطل يستجيب لضغوط شقيقته ويتعرف على الفتاة الجامعية، فيؤدي تعارفهما لصداقة تجعلها تدعوه لمنزلها في زيارة تعارف بطعم الخطوبة، فيتسبب وجوده بالمنزل في مقابلته للأم التي يقع في حبها. حتى هذه اللحظة الأمور تسير بانضباط، لكن فجأة يتحول الأمر إلى مزاح يستحيل تصديقه بأي منطق. الأم توافق على أن يأتي رجل غريب لا تطيقه معها ومع ابنتها إلى الجونة بدون سبب. ثم توافق على عودة الابنة والصديقة للقاهرة وعلى أن تبقى مع الرجل وحدهما في المنزل بدون سبب يجبرها على البقاء، وهكذا للنهاية.

أي متفرج سيضع نفسه مكان الشخصيات سيكون من المستحيل أن يهديه تفكيره (والقائم فطريًا على مبدأ السبب والنتيجة) إلى نفس قرارات الشخصيات. وذلك لأن الشخصيات تتصرف دون أي منطق سببي اللهم إلا رغبة المخرج والمؤلف والنجم في أن تسير الأحداث في اتجاه يسمح بوضع الإيفيهات الكوميدية والمشاهد الرومانسية التي يرغبون في وضعها على الشاشة بغض النظر عن منطقية وقوعها. وهذا يقودنا للفارق الرابع بين الفيلم والفيديو كليب.

رابعا: التفكير بالمشهد أم بالفيلم
أي فيديو كليب هو تجميع لعدد من المشاهد. قد يكون لها سياق درامي أو لا يكون. لكن الأهم هو أن يكون كل مشهد مصنوع بشكل براق ومبهر في حد ذاته. أما في الفيلم السينمائي فالمشهد هو وحدة بناء، مهما كانت جودته على مستوى الكتابة أو الكوميديا أو التصوير أو التمثيل، فوجوده داخل الفيلم لا يكون له معنى إلا في سياق بناء العمل ككل. وكم من مخرج كبير روى أنه اضطر لحذف مشهد اعتقد عندما صوّره أنه مشهد رائع، لكنه لم يجد له في النهاية مكانا منطقياً داخل بناء الفيلم، ليصبح قراره هو التضحية بالمشهد لحساب وجود الفيلم ككيان متماسك.

ما يحدث في "أهواك" هو العكس تمامًا. فالفيلم به حرفة إخراجية واضحة، وإنتاج سخي وأماكن تصوير مبهرة ولقطات جمالية تصلح كإعلانات، وبعض المشاهد الكوميدية مضحكة وخفيفة الظل فعلاً. لكن معظم هذه المشاهد للأسف خارج أي سياق يجعل منها كيان متجانس، لا على مستوى الدراما وتدفق الحكاية، ولا على مستوى امتلاك الفيلم لهوية بصرية واضحة في طريقة تصويره أو إيقاع المشاهد واللقطات.

الأمر أشبه بتجميع عدد من النزوات. المخرج يريد تصوير هذا المكان الجميل، والمؤلف تعجبه فكرة هذا المشهد المضحك، والنجم يريد أن يقول هذه الجملة أو يظهر بهذا الشكل. كل نزوة تتحول لمشهد ويتم ضبط دراما الفيلم كيفما اتفق بحيث تحتوي كل هذه المشاهد. هل يذكرك هذا بشيء؟ بالضبط هو مثل خلق سياق درامي لاحتضان سبع أو ثماني أغنيات كما يحدث في المدرسة الأولى للمغني الممثل. لكن الجمهور في هذه الحالة يفتقر حتى لمتعة سماع الأغاني!

في النهاية
المؤسف حقاً أن "أهواك" ليس فيلمًا صنع بمنطق استغلال نجومية تامر حسني تجاريًا، وليس فيلمًا مصنوع بتعجل أو عدم اكتراث. بل على العكس من الواضح تمامًا أنه فيلم بُذل فيه مجهود كبير، من نجم لديه الرغبة في أن يقدم نفسه كممثل ناجح بعيدًا عن الغناء، ومخرج قادر على صنع مشهد جيد وخفيف الظل، ومنتج لم يبخل على فيلمه. لكن عدم الاهتمام بالتفاصيل الأولية التي تجعل من الفكرة حكاية ومن الحكاية فيلمًا، تسبب في أن تنتهي كل النوايا الطيبة على صناعة أطول فيديو كليب في مسيرة نجم الفيلم.