هل أجاد بليغ حمدي فن الموسيقى التصويرية؟

تاريخ النشر: السبت، 12 سبتمبر، 2015 | آخر تحديث:
بليغ حمدي

في مثل هذا اليوم 12 سبتمبر عام 1993 توفي ملك الموسيقى بليغ حمدي بلندن عن عمر يناهز 62 عاما، قضى اغلبها في تقديم ألحانه لكل المطربين اللذين عاصروه تقريبا، ليؤكد في كل أغنية عن عبقرية موسيقية نادرة.

بليغ لم يترك بابا في الموسيقى لم يطرقه فلحن كل الألوان الموسيقية، ولكن الملفت للنظر انه على الرغم من عبقريته الفذة إلا أنه لم يقدم للسينما إلا عدد قليل من الأفلام بلغ 18 فيلما فقط، وهو أمر غريب على عبقرية مثل عبقرية بليغ، فهل أجاد ملك الموسيقي فن الموسيقى التصويرية للأفلام؟ للإجابة على السؤال دعونا نستعرض ثلاثة أفلام كتب بليغ موسيقتها التصويرية.

شيء من الخوف ورائحة فؤاد الظاهري
على الرغم من كون بليغ حمدي موسيقارا معروفا عام 1969 إلا انه لم يقم بوضع موسيقى تصويرية لأي فيلم مصري قبلها ولم تكن له إلا تجربة وحيدة مع الفيلم اللبناني "كرم الهوى" عام 1967، وقتها طلب منه المخرج حسين كمال بوضع الموسيقي التصويرية الألحان لفيلمه "شيء من الخوف" عن قصة ثروت أباظة وسيناريو صبري عزت وحوار صبري عزت وعبدالرحمن الأبنودي.

في البداية ورغم عبقرية بليغ الموسيقيه نجد أنه لم يدرك بعد كيفية إنتاج موسيقى تصويرية لفيلم فهو هنا يلجئ للتأليف الموسيقي الصرف، بموسيقى تتماشى مع الحالة العامة للفيلم، وظهر في موسيقى تيتر البداية تحديدا تأثر بطريقة فؤاد الظاهري التحديدا من استغلال الثقافة الموسيقية للمكان الذي تدور فيه الأحداث ليدخل إلى الموسيقى ولكن سرعان ما يتحرر بليغ من تأثره بالظاهري ليعود ليغرد وحدة.

كان بليغ من الذكاء بما يكفي لكتابة جمل موسيقية قصيرة يمكن إختيار بعضها حسب حالة المشهد ليتحايل بليغ بهذا الذكاء الفني على أزمة تأليف تنويعات موسيقية في مساحات زمنية قصيرة حسب حالة كل مشهد، ولكن في الوقت نفسه يتمرد بليغ على فكرة الموسيقى التصويرية السائدة و هي مقطوعة أن تكون الموسيقي مقطوعة واحدة ويتم توزيعها بتويعات مختلفة، وهو اساس من أسس الموسيقي التصويرية.

محاولة أولى للتعمق في الصورة
في عام 1974 كانت حصيلة بليغ من الأفلام التي وضع الموسيقى التصويرية 5 أفلام ليختاره المخرج محمد راضي لوضع الموسيقى التصويرية لأول فيلم حربي مصري بعد حرب أكتوبر وهو "أبناء الصمت" من تأليف مجيد طوبيا وهو الفيلم الذي تناول بجرأة شديدة حالة المجتمع المصري أثناء حرب الإستنزاف وحتي لحظات العبور الأولي.

في هذه المرة كان بليغ قد خبر كيفية تأليف الموسيقي التصويرية، ليبتعد عن الثقافة الموسيقية للمكان محيط الأحداث ليتعمق اكثر ويقدم تعبر عن حالة مشحون بالعديد من المشاعر المتباينة بين اليأس و الإستسلام و الإصرار والتخبط والتردد والأمل والفقد، ليفتتح بليغ الفيلم بمقطوعة موسيقية تثير فضول المشاهد لمتابعة الفيلم، وايضا تكشف عما سيواجهه المشاهد من مشاعر لا الأحداث.

اسمع- مقدمة فيلم "أبناء الصمت"

أما بقية مشاهد الفيلم فهي كعادة بليغ مقطوعات قصيرة متباينة المشاعر يمكن اقتطاع أجزاء منها لتليق على المشاهد المطلوب فيها خلفية موسيقية، ولكن الملفت للنظر رغم عبقرية الموسيقي التي وضعها بليغ إلا أنها كانت احيانا مجرد موسيقي جيدة لملئ مساحة زمينة قد تقترب من حالة الصورة المعروضة ولكنه اقتراب سطحي، ولم تصل ولا مقطوعة من مقطوعاته داخل الفيلم لنفس تماسك وقوة موسيقي تيتر البداية الذي وضعه بليغ، باستثناء الإنشودة التي اختتم بها بليغ الفيلم.

محاولة أخيرة للهروب
في عام 1979 يعود المخرج حسين كمال ليختار بليغ حمدي كي يضع الموسيقى التصويرية لفيلمه "إحنا بتوع الأتوبيس" عن قصة جلال الدين الحمامصي و معالجة وسيناريو وحوار فاروق صبري، وهو أحد الأفلام التي قدمت إنتقادا شديد اللهجة للممارسات الأمنية التي كان سائدة في الفترة الناصرية.

اسمع- موسيقى فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس"

هذه المرة يبتعد بليغ تماما عن فكرة وضع موسيقى تصويريةخالصة للفيلم خاصة مع فكرة حسين كمال بأن تغلف المشاهد بصوت شادية، فكل ما حدث ان بليغ لحن اغنيات شادية واقتطع منها جمل موسيقية بنفس التوزيع او بتوزيع مختلف ووضعها لملئ المساحات الزمنية المطلوبة، دون الوقوع في فخ تأليف موسيقى خاصه بالمشاهد، لذلك جاءت الموسيقى مناسبة تماما للمشاهد في إطار الرؤية التي إختارها حسين كمال من البداية وهي وجود صوت شادية في خلفية الاحداث.

وطيلة حياة بليغ الفنية قدم الموسيقى التصويرية لعدد قليل من الافلام، وهو ما يشير لعدم قدرة بليغ حمدي الموسيقية من فهم و استيعاب ماهية ووظيفة الموسيقى التصويرية، ولكن هذا لا يؤثر في عبقرية بليغ الموسيقية كموسيقار وملحن جدد وأضاف للموسيقى العربية، ولكن عبقريته تخاصمه إذا اصبح في مواجهة الصورة السينمائية فيقدم موسيقى غاية في الروعة ولكنها بعيدة تماما عن الصورة المصاحبه لها أو على احسن الفروض تجاريها من الناحية الشكلية فقط، لتكون بصمة بليغ المميزة في الألحان الغنائية، ويصبح دوره في الموسيقى التصويرية للسينما كأحد العابرين عليها دون أن يضيف لها جديد أو يطور فيها على عكس العديد من الأسماء لموسيقيين أسسوا وأضافوا وطوروا فن الموسيقى التصويرية.