عمرو شاهين
عمرو شاهين تاريخ النشر: الاثنين، 31 أغسطس، 2015 | آخر تحديث:

كالشهاب وهج خاطف ونهاية مأساوية.. كان هذا هو ملخص حياة فاتنة السينما المصرية في أواخر الأربعينيات كاميليا أو ليليان فيكتور ليفي، والتي قدمت للسينما المصرية 20 فيلما في الفترة من 1947 وحتى وفاتها المفاجئة في 1950.

ولكن حياة كاميليا لم تكن بالهدوء الذي قد يتخيله البعض أو توحيه ملامحها الفاتنة، بل كانت حياة صاخبة للغاية.. حياة حتى الآن لم تنكشف كل ألغازها، وربما أكبر دليل على تعقد وتشابك حياتها هو أن أكثر جملة استخدمت في تأريخ حياتها هي "قيل عنها".

في البداية كانت الألغاز
وُلدت كاميليا في 13 ديسمبر في سنة 1919، وهو عام من الأعوام الصاخبة في مصر، والتي شهدت اندلاع ثورة 19، ونفي سعد زغلول، وحالة احتقان في الشارع السياسي المصري، وتضاربت المعلومات حول نشأتها وأصله، إلا أنه من المؤكد أنها من مواليد الإسكندرية، ووالدتها هي سيدة إيطالة الأصل مسيحية الديانة كانت تدعى أولجا لويس أبنور، ويقال أنها حملت بكاميليا من علاقة كانت تربطها بمهندس فرنسي كان يعمل بقناة السويس، ويقال أيضا أن والدها كان تاجر أقطان إيطالي خسر ثروته في البورصة المصرية، إلا أنها نُسبت إلى صائغ يهودي كان يدعي فيكتور ليفي، ويقال أنه كان زوج والدتها، إلا أن أنيس منصور قال في مقالاته عن كاميليا والتي حملت عنوان "ماتت هي لأحيا أنا" أن فيكتور ليفي كان صديق لوالدتها لا أكثر.

عاشت كاميليا ووالدتها حياة فقيرة، إذ كانت والدتها تمتلك "بنسيون" أو فندق فقير في الإسكندرية، حتى شاهدها المخرج المصري أحمد سالم وجذبه إليها جمالها الشديد، فتعهد بأن يجعلها نجمة سينمائية، وبالفعل قام سالم باستقدام أساتذة في التمثيل و"الإتيكيت"، واشترى لها الثياب والمجوهرات كي يضعها على أول طريق النجومية، ويقال أن من ضمن أساتذتها كان الفنان الراحل محمد توفيق، والذي كان يعلمها الإلقاء والتمثيل، إلا أنه هرب منها سريعا كي لا يقع في غرامها.

وقدم أحمد سالم كاميليا في حفلات الفنانين ورجال السياسة والمجتمع، وسريعا ما كانت كاميليا هي نجمة السينما "المنتظرة"، إلا أن سالم تخاذل عن تنفيذ وعده لها، ولم يقدم لها فرصة للوقوف أمام كاميرا السينما، في ذلك الوقت كان يوسف بك وهبي يترقب الوضع من بعيد فانتهز تخاذل سالم وأقنعها بالعمل معه في فيلم "القناع الأحمر" في سنة 1947، بعدما دفع لسالم مبلغ 3 آلاف جنيه نظير ما دفعه سالم لكاميليا من دروس وتدريب وملابس ومجوهرات.

"صاحبة القناع الأحمر"
إلا أن كاميليا حتى بعدما بدأت مشوارها أمام يوسف وهبي لم تصبح نجمة، بل قدمت أدوارا صغيرة للغاية تصل أحيانا إلى درجة الكومبارس في أفلام مثل "منديل الحلو" في سنة 1949، وقيل إن سبب ذلك هو تقليد فرضه الملك فاروق حول كاميليا لكى تخضع له وتصبح واحدة من "حريمه"، وفق ما جاء في كتاب "الملكة فريدة ثائرة على عرش فاروق" للكاتب سمير فراج، ويقال إنها كانت من المقربات للملك فاروق، ويقال أيضا إنها كانت عشيقته.

ويروي سمير فراج في كتابه إنه في أواخر 1948 ذهب "بولي" وهو أحد أفراد حاشية الملك فاروق إلى كاميليا في منزلها، فوجدها في حالة فقر شديد، وطلب منها ارتداء ثيابه والاستعداد لمقابلة الملك، وبالفعل ذهبت كاميليا معه، وكان فاروق يتناول عشاءه، فما أن انتهى منه وخرج إلى الحمام حتى انقضت كاميليا على بقايا طعام الملك، وعندما شاهدها أخبرته أنها لم تأكل منذ أيام، وأنها مفلسة تماما، فأمر لها بعشاء وأعطاها بعض النقود، ووعدها بانفراج الأزمة قريبا، وهو ما حدث بالفعل، إذ عادت للعمل مرة أخرى وفي أدوار ذات مساحة أكبر.

ويقول فراج في كتابه والذي أفرد فيه صفحات مطولة لما أسماه بـ "فضائح الملك فاروق" إن صراع الملك على كاميليا بدأ بينه وبين أحمد سالم، ثم انتقل إلى الفنان رشدي أباظة، بعدما ربطته بها علاقة حب قوية، بل وكانا يستعدان لإتمام الزفاف.

جاسوسة للكل وضد الكل
وعلى الجانب الآخر، كانت كاميليا ضحية شائعات انضمامها للطابور الخامس التابع للوكالة اليهودية في مصر لكون أصلها يهودي، ولكن هذا أمر تم نفيه فور وفاتها، إذ أن والدتها صلت عليها بكنيسة القديس يوسف بالأنتيكخانة، إلا أنها اتهمت بأنها جاسوسة للإنجليز، فيما اتهمها الصهاينة بأنها جاسوسة تعمل لحساب مصر، ولكن هل كانت كاميليا جاسوسة فعلا؟ وهل كشفت حقيقة تخابر الفنانة راقية إبراهيم مع الوكالة اليهودية؟ كلها علامات استفهام لم تجد إجابات شافية كافية، رغم قيام عدد من الصحفيين بفتح ملف كاميليا، من أمثال إحسان عبدالقدوس الذي أثار هذا الملف على صفحات مجلة "روز اليوسف"، وأيضا الكاتب أنيس منصور في سلسلة مقالاته "ماتت هي لأحيا أنا".

قدمت كاميليا للسينما 20 فيلما فقط، وشاركت في فيلم أمريكي أسمه "الطريق إلى لقاهرة" كان من الممكن أن يكون بدايتها في العالمية، إلا أن انطلاقتها الحقيقية كانت في سنة 1950، عندما قدمت فيلم "إمرأة من نار"، وهو الذي بدأت منه قصة الحب بينها وبين رشدي أباظة، وفيلم "العقل زينة"، وفيلم "قمر 14"، وفيلم "المليونير" مع إسماعيل ياسين، وفيلم "بابا عريس"، و"آخر كدبة".

وتوفيت كاميليا في مثل هذا اليوم 31 أغسطس في حادث انفجار طائرة فوق محافظة البحيرة، وأشارت أصابع الاتهام وقتها إلى المخابرات البريطانية والمخابرات الإسرائيلية، وأيضا إلى الملك فاروق، ليعثروا على جثتها محترقة كشهاب سقط من علو شاهق.