عمرو شاهين
عمرو شاهين تاريخ النشر: الجمعة، 21 أغسطس، 2015 | آخر تحديث:
المسرحي بديع خيري

أن تكتب عن بديع خيري كأن تحاول اختزال أغلب تراثنا المسرحي والغنائي والسينمائي في عدد من الكلمات مهما زاد لن يوفي هذا الرجل ولو جزء يسير من حقه، فمن الأغاني إلى المونولجات الخفيفة إلى المسرحيات إلى الأفلام، ولأن الفن عمل تراكمي في الأساس، فكل ما وصل وسيصل إليه المسرح الغنائي أو فن المونولوج أو الأغاني يعود فيه كثير من الفضل إلى البديع بديع خيري.

ولد بديع عمر خيري في 18 أغسطس 1893 بالقاهرة وتخرج في معهد المعلمين عام 1905 وعين مدرسا للجغرافيا واللغة الإنجليزية، بدء بديع تعلقه بالشعر وكتابته في الثالثة عشر من عمره، فبدء بكتابة الزجل تحت اسم مستعار وهو ابن النيل ثم بدأ في الكتابة في عدد من الجرائد والصحف.

ابن النيل
بدأ مشواره الفني حينما انضم لجماعة التمثيل العصري، وقتها كتب أولى مسرحياته بعنوان "أما حته ورطة" سنة 1908، وفي نفس السنة كتب أولى مونولوجاته، وفي عام 1912 كان أحد أصدقاء بديع خيري قد مدح في ملحن سكندري شاب جاء إلى القاهرة وقام بتلحين مسرحية اسمها فيروز شاه، فذهب بديع لمشاهدة المسرحية وبعد انتهاءها أصر على مقابل الملحن الشاب "سيد درويش" وقام باحتضانه وسط دهشة درويش العارمة الذي كان من أشد متابعي كتابات بديع خيري ومن هنا بدأت شراكة فنية بين بديع خيري وسيد درويش قدما خلالها عدد من الأغاني سويا من بينها "سالمة يا سلامة"، و"الحلوة دي قامت تعجن" و"دنجي دنجي" و"الوارثين"، وفي عام 1916 انضم نجيب الريحاني لهما ليكونوا ثلاثي قدم عدد من الأوبريتات المسرحية الراقصة وكانت هذه هي المرة الأولى لظهور نواه ما يمسى بالمسرحيات الاستعراضية، فقدموا أوبريتات مثل "العشرة الطيبة" و"الجنية المصري" و"البرنسيس" و"أيام العز" و"لو كنت ملك" و"مجلس الأنس" وغيرها.

لم تكن صداقة الريحاني ببديع قد نشأت وكل ما كان بينهما وقتها زمالة فنية لدرجة جعلت أحد أصدقاء بديع يقدم مسرحياته للريحاني على أنها أعمال هو من قام بكتابتها، ولكن سرعان ما انكشف الأمر حينما طلب الريحاني تعديل بعض الأجزاء فعرف أنها من تأليف بديع خيري الذي كان مشغولا في تلك الفترة بإنشاء فرقة مسرحية مع سيد درويش عام 1922 وقدما من خلالها أول رواياتهما سويا وهي "الطاحونة الحمراء" ولكنها هوجمت بشده فعاد بديع إلى الريحاني وقدما أوبريتات "الليالي الملاح" و"الشاطر حسن".

ومع بدايات السينما في مصر اهتم بديع بهذا الفن الجديد الذي بدء يجذب الجمهور فكتب عدد من سيناريوهات الأفلام بدء من عام 1918 ومن أشهرها، "المندوبان"، وحينما تحولت السينما الصامتة إلى ناطقة كتب بديع العديد من الأفلام وإن كانت بدايته في فيلم "حوادث كشكش بيه" عام 1934.

"بالضحكة بحس إني عايش"
قدم بديع خيري عدد كبير من المسرحيات والأفلام من بينها "سلامة في خير"، "ملكة المسارح"، "نفوس حائرة"، "بحبح باشا"، "العزيمة"، "خلف الحبايب"، "سي عمر"، "انتصار الشباب"، "عاصفة في الريف"، "البؤساء"، "نادوجا"، "شهداء الغرام"، "ليلى بنت الفقراء"، "عروسة للإيجار"، "لعبة الست"، "ليلى بنت الأغنياء"، "أحمر شفايف"، "سي عمر"، "أبو حلموس"، "فاطمة"، "حب وجنون"، "نرجس"، "غزل البنات"، "لهاليبو"، "عنتر ولبلب"، "حكم قراقوش"، "خطف مراتي"، "كدبة أبريل"، "الستات مايعرفوش يكدبوا".

في الحقيقة أن المتبحر في فن بديع خيري يجد أن أغلب ما يتم تداوله هذه الأيام على أنه من التراث المصري يحمل بصمة بديع خيري سواء في المسرح أو السينما أو الغناء.

وكان لبديع خيري عدد من المواقف التي تزيح الستار عن شخصيته ومنها على سبيل المثال أنه كان معتادا على كتابة الأغاني وإهدائها إلى زملائه الشعراء، ومن بين تلك الأغاني التي كتبها وأهدها إلى زميل له هو نشيد "بلادي بلادي" الذي أصبح النشيد الوطني لمصر، والذي من المعروف أنه من تأليف الشيخ يونس القاضي في حين أكد الفنان عبد الوارث عسر قبل ذلك في احد اللقاءات أنه من تأليف بديع، كما أكدت تلك القصة أيضا حفيدته عبلة عادل خيري.

وفي عام 1941 وأثناء تصوير فيلم "سي عمر" حصل خلاف حاد بين مخرج الفيلم نيازي مصطفى والفنان نجيب الريحاني بسبب بعض الأمور الفنية، وحاول بديع التدخل لتهدئة الأوضاع بينهما إلا أن كلا منهما تمسك برأيه لدرجة دفعت الريحاني لعرض رد ما استلمه من مبالغ مالية واعتبار ما قدمه من مشاهد هدية لأستوديو مصر، إلا انه تم الاتفاق على تشكيل لجنة من الأستوديو لحل الخلاف وإصدار قرار حول الأمور التي اختلف عليها الريحاني ونيازي وجاء رد اللجنة أن كل ما طلبه الريحاني أفضل وأصح و تبنت اللجنة وجهة نظره واستمر العمل في الفيلم بعد أن أوشك على التوقف تماما.

وفي عام 1939 كاد طلعت باشا حرب أن يوقف تنفيذ فيلم "العزيمة" فذهب إليه بديع خيري ليسأله عن السبب فأجابه طلعت حرب أن الفيلم بعيد عن الطراز الأمريكي الذي كان يجذب الجمهور وقتها وحينها كان رد بديع إننا لا نستطيع أن ننافس السينما الأمريكية ولكن يجب أن يكون لنا طرازنا المميز وبهذا فقط نستطيع المنافسة في مجال السينما، واستطاع إقناع طلعت حرب برأيه ليتم تنفيذ فيلم "العزيمة" أحد أهم الأفلام الكلاسيكية في السينما المصرية.

في 3 فبراير عام 1966، ودعنا البديع بديع خيري، ليترك لنا إرثا لا يقدر بثمن من الفن والمتعة والضحك الذي كان يؤمن أنه الدواء الوحيد لكل الناس، وكان دائما ما يقول "الضحكة هي اللي فيها الدوا، أنا بحب أضحك الناس علشان من ضحكتهم بحس إني عايش".