عمرو شاهين
عمرو شاهين تاريخ النشر: الأحد، 16 أغسطس، 2015 | آخر تحديث:
هدى سلطان توارت مسيرتها في مجال الطرب خلف نجاحها في مجال التمثيل

تزخر السينما المصرية بالعديد من المطربات اللواتي احترفن مجال التمثيل، لتفيض الأفلام بأغانيهن وأدوارهن، ولكن من بينهن قليلا ما أحرزن نجاحا في مجال التمثيل يوازي نجاحهن في مجال الغناء ويزيد عليه، وعلى رأسهن جاءت الفنانة هدى سلطان، التي ولدت في 15 أغسطس سنة 1925.

هدى والتي وُلدت لعائلة احترف 3 من أبنائها الغناء والموسيقى، بدء من شقيقها الأكبر الموسيقار الكبير محمد فوزي، ووصولا إلى شقيقتها المطربة هند العلام، والتي لم تنل من الشهرة ما ناله فوزي وهدى.

هدى التي بدأت حياتها الفنية بصدام مع شقيقها محمد فوزي، الذي سبقها وتمرد على العائلة باحترافه للفن، إلا أنه رفض بشدة احتراف شقيقته هدى للفن، بل وتزعم جبهة الرفض مع باقي أشقاءه، ولكنه سرعان ما عدل عن رأيه، وأصبح أحد الداعمين لها في مسيرتها الفنيةز

وقدمت هدى سلطان في مسيرتها الفنية حوالي 119 عملا فنيا تنوعت بين السينما والتلفزيون والمسرح، والتي تميزت فيها هدى سلطان بشكل كبير، لدرجة جعلت مسيرتها في مجال الطرب تتوارى خلف نجاحها في مجال التمثيل، ومن بين كل تلك الأعمال التي قدمتها هدى هناك أدوار كانت نقاط تحول في حياتها الفنية:

"لواحظ".. شهادة ميلاد فنية
قدم المخرج عز الدين ذو الفقار في سنة 1958 فيلمه المتميز "امرأة على الطريق"، والذي كتب قصته عبدالحي أديب، وسيناريو وحوار أديب بالمناصفة مع محمد أبو يوسف، وكان عز اختار هدى سلطان لأداء دور البطولة أمام رشدي أباظة وشكري سرحان وزكي رستم، وقتها كانت هدى قدمت عدد من الأفلام والأدوار المتميزة، كما كانت بدأت شراكتها الفنية والحياتية مع "ملك الترسو" فريد شوقي.

وجاء دور هدى سلطان بالفيلم مختلفا تماما عن مسيرتها في السينما وقتها، إذ قدمته بشكل متميز للغاية وبقدرة كبيرة على فهم واستيعاب الشخصية، وفرض حضورها أمام نجوم في قامة زكي رستم ورشدي أباظة وشكرى سرحان وعبدالغني قمر.

وقدمت هدى سلطان في "امرأة على الطريق" دور "لواحظ"، والتي أثبتت من خلالها أنها ممثلة من طراز خاص، كما أكدت على كونها من صاحبات المواهب الكبيرة، والتي تستطيع بسهولة تأدية أدوار صعبة ومركبة كأعتى فنانات هذا العصر، لتصبح "لواحظ" هي شهادة ميلاد فنية لهدى سلطان، ونقطة تحول هامة في مسيرتها الفنية.

شاهد هدى سلطان مع رشدي أباظة في مشهد من فيلم "امرأة على الطريق"

"تفيدة"
أما الوجة الآخر الذي قدمته هدى سلطان، فكان أمام كاميرا المخرج الكبير كمال الشيخ في سنة 1971 في فيلمه الهام والمميز "شيء في صدري"، والمأخوذ عن رواية إحسان عبدالقدوس وسيناريو وحوار رأفت الميهي، لتعود مرة أخرى هدى سلطان لتقدم واحدا من أدوارها المميزة أمام "الثنائي" رشدي أباظة وشكرى سرحان.

وقدمت هدى في الفيلم دور "تفيدة" زوجة "محمد أفندي"، والتي يرحل عنها زوجها فتقع فريسة لـ "حسين باشا شاكر" صديق زوجها المتسلق الوصولي، والذي يحاول طيلة الوقت تدمير ما بناه صديقه، أو تدمير قيمة الشرف في الأساس، حتى لا يشعر بمدي فساده، فتقع أسرة محمد أفندي عقب وفاته في براثن الباشا عدا ابنته "خديجة" التي تشبه والدها إلى حد كبير، وكان أول الساقطين في فخ حسين شاكر زوجته، وهو الدور الذي قدمته هدى سلطان باقتدار شديد جعلنا ندرك أننا أمام موهبة أيضا تتخطى الزمن، وتستطيع أن تتأقلم مع كل المراحل العمرية وتبدع فيها، حتى بعد أن رحلت عنها أدوار الفتاة الجميلة، وانتقلت إلى أدوار الأم.

أم الابن الضال
لم تكن المرة الأولى التي تقف فيها هدى سلطان أمام كاميرا العبقري يوسف شاهين، فقد قدمها في فيلمه "نساء بلا رجال" في سنة 1953، ثم في فيلمه الرائع "الاختيار" بسنة 1971، وقدمت في الفيلمين دورين هامين ومتميزين، ولكن أهم أدوارها في سينما شاهين جاء في فيلم "عودة الاين الضال" من إنتاج 1976، وهو عن رواية أندرية شديد، وسيناريو وحوار صلاح جاهين ويوسف شاهين، ومن بطولة محمود المليجي، وشكري سرحان، والجزائري سيد علي كويرات، ورجاء حسين، وأحمد محرز، وهشام سليم، وماجدة الرومي.

وقدمت هدى سلطان دور الأم، والتي تحاول السيطرة على أملاك العائلة التي ضيعها زوجها محمد المدبولي "محمود المليجي" قبل ذلك، واستردتها العائلة بنهب ثروة فاطمة "سهير المرشدي" وشقيقتها الكبرى، والتي تزوجت من الابن البكري طلبة "شكري سرحان"، هي الأم الراغبة في السيطرة وإدارة الأمور وفقا لمصلحتها الشخصية، والتي ترى أنها مصلحة العائلة، كان بداخلها صراع بين عقلها الذي يميل إلى طلبة العنيف الذي يحافظ على ما تملك العائلة رغم كل انحرافاته وانجرافاته، وعلى رأسها اغتصاب "فاطمة"، و بين قلبها الذي يميل لابنها الأصغر "علي"، والذي كانت بينه وبين فاطمة علاقة حب، ولكنه هرب من جحيم العائلة بحثا عن حلمه، وبين الشقيقين يقع في دائرة الصراع حفيدها إبراهيم وزوجها محمد المدبولي.

كانت هدى سلطان مفاجأة قوية في الفيلم، إذ أن الدور في غاية التعقيد والتركيب، والذي يتطلب أيضا سهولة وسلاسة في الأداء، وهي معادلة صعبة لا تقدر عليها أي ممثلة، وهو ما تصدت له هدى سلطان وقدمت هذا الدور ببراعة تحسد عليها، فلا هي انجرفت إلى فخ الأداء المصطنع، ولا هي وقفت أمام الدور حائرة ومرتبكة، بل استطاعت أن تفهم شخصية الأم بكل تفاصيلها لتخرج منها هذه الحالة التي رأينها على الشاشة.

"أمينة" بشكل مختلف
أن تعيد أداء دور ارتبط في أذهان المشاهد بممثلين آخرين، فأنت تدفع بنفسك إلى مغامرة غير مأمونة العواقب، خصوصا وإذا كان العمل الفني الذي تعيد تقديمه أحد أهم كلاسكيات السينما المصرية، بينما تحاول أنت أن تقدمه في قالب درامي، وهذه هي المغامرة التي خاضها المخرج يوسف مرزوق عندما أعاد إخراج "ثلاثية" نجيب محفوظ في مسلسلات درامية بدأها في سنة 1987 بمسلسل "بين القصرين" وفي سنة 1988 بمسلسل "قصر الشوق"، وبعدها توقف المشروع دون تقديم الجزء الثالث "السكرية".

هدى سلطان وتيسير فهمي في مسلسل "بين القصرين"

واختار يوسف مرزوق محمود مرسي لتقديم شخصية "سي السيد"، وهدي سلطان لتقديم شخصية "أمينة" والتي أفرد لها صاحب المعالجة الدرامية والسيناريو و الحوار مساحة أكبر بكثير مما أفردت لها في "ثلاثية" المخرج حسن الإمام، لتقدم هدي سلطان دور "أمينة" في جزئي "بين القصرين" و"قصر الشوق" كأفضل ما يكون، بل وأفضل مما قدمته الفنانة آمال زايد في "ثلاثية" حسن الإمامز

هدى سلطان التي تفهمت حقيقة دور "أمينة" الذي كتبه نجيب محفوظ وقدمه السيناريست محسن زايد بشكل مختلف كثيرا عما قدمه يوسف جوهر في الفصل الأول من "الثلاثية"، ثم ما قدمه بعدها محمد مصطفي سامي في "قصر الشوق" و"السكرية"، حيث قدمت دور أمينة الخاضعة ظاهريا والقوية المسيطرة على بيتها وعلى أولادها وأولاد زوجها سيطرة أمومية، لا سيطرة سلطوية كما يسيطر زوجها "السيد أحمد عبدالجواد".

"فاطمة ثعلبة"
ومرة أخرى مع الدراما التلفزيونية ووجه جديد لهدى سلطان، التي أصبحت بلا شك فنانة قديرة بكل ما تحملة الكلمة من معاني، ففي سنة 1996 قدم المخرج أحمد النحاس عن قصة وسيناريو وحوار خيري شلبي مسلسل "الوتد"، وهو المسلسل الذي ضم كوكبة من نجوم الدراما وقتها مثل يوسف شعبان، وفادية عبد الغني، وعبد الله محمود، وهالة فاخر، ومجدي فكري، وفتوح أحمد، والمطرب حسن فؤاد وآخرون.

هدى سلطان في مسلسل "الوتد"

وقدمت هدى سلطان في المسلسل دور "فاطمة ثعلبة" كبيرة العائلة مترامية الأطراف، والتي تقود أولادها وبناتها وأزواجهن وزوجاتهم بتناغم ما بين الشدة واللين والعطف والقسوة.. تقودهم ببصيرة أم وحكمة تعلمتها من سنين عاشتها، وبعيدا عن تقليدية شخصية الأم التي قدمت مرارا وتكرارا على شاشة السينما أو التلفزيون، فإن هدى سلطان تقدم "فاطمة" خارج كل الأطر التي كان من المتوقع أن تقدم من خلالها تلك الشخصية، لينجح المسلسل على المستوى الجماهيري نجاحا شديدا، بل ويلازمها اسم "فاطمة ثعلبة" حتى آخر يوم في عمرها، إذ لاقت وجه ربها الكريم في 5 يونيو 2006 بعد مسيرة حافلة ومليئة بالأدوار المميزة والمضيئة.