من قلبي وعقلي- ركام المسلسلات العربية

تاريخ النشر: الخميس، 13 أغسطس، 2015 | آخر تحديث:
أبطال المسلسل الانجليزي Upstairs, Downstairs

نشر هذا المقال في جريدة الأنباء الكويتية، بتاريخ ١٩٨٣/٥/٠٩، ضمن سلسلة مقالات تحت عنوان "من قلبي وعقلي"، وأعيد نشره في كتاب صدر عام ٢٠٠٤ عنوانه "نور الشريف: مشوار في طريق الفن والفكر والسياسة" (تقديم د.فوزي فهمي وتأليف الكاتب والناقد المصري دسوقي سعيد، رئيس مؤسسة أصالة الدولية للفنون).

"الناس اللي فوق والناس اللي تحت" (Upstairs, Downstairs) الذي قدمه التلفزيون البريطاني في ستين حلقة، والذي تحدثت عنه قبلا يعتبر مثالا ودرسا في فن الميلودراما كما ينبغي أن تكون.

وفي رأيي الشخصي أن الميلودراما ليست سيئة دائما كمان قد يتبادر إلى ذهن القارئ من كثرة الهجوم عليها من الكتاب المتخصصين ومن النقاد. الميلودراما سيئة إذا كان الهدف منها جمع أكبر عدد من الفواجع والصدف في عمل واحد بغرض التأثير على الجمهور كما يحدث في بعض الأفلام الهندية.

والميلودراما تصبح جيدة إذا كانت مدروسة كما حدث في "الناس اللي فوق والناس اللي تحت".

فانتحار الخادمة "أميلي" سوف يبكينا كأن الفتاة قريبة لنا، ولكن هذا يحدث بدون أي تهويل في المواقف أو في سلوك الشخصيات مثلما يحدث في الميلودراما التقليدية القديمة.

وكذلك حكاية اللورد "بيلامي" وكيف انقلب المجتمع ضده، وكذلك الصحافة لأنه وهو رجل الحكومة قد اشترى بعض الأسهم من إحدى الشركات بحسن نية وكيف يحافظ الإنسان على كلمة الشرف ولو اضطر لدخول السجن من أجلها.

بعد كل حلقة كنت أجد نفسي مستغرقا في التفكير وقتا طويلا لما كانت تحمله من إتقان مدهش في الكتابة والتمثيل والإخراج والديكور والمفروشات والإكسسوارات.

وهذا التحليل الرائع الذي قدمه المسلسل للمجتمع الإنجليزي منذ نهاية القرن التاسع عشر وعلى امتداد ٥٠ عاما من القرن الـ٢٠، في حوالي ٦٠ حلقة دون أي افتعال.

وهذا المسلسل عرفت من خلاله الكثير من التاريخ والسياسة والحياة الإنجليزية؛ لقد عرفت عصرا بأكمله.

وللأسف الشديد لا نجد في مسلسلاتنا العربية سواء الاجتماعية أو التاريخية ما يقترب من هذا المستوى الرائع، ولكننا نشاهد ركاما ضخما من الكلمات المعادة المكررة، ومن الصمت غير المدروس والتنافر في ألوان الملابس والتضارب في المراحل التاريخية.

والأكثر خطورة هبوط مستوى التمثيل، لأن الإنتاج التلفزيون الخاص يفرض على المخرج أن يسجل في اليوم على الأقل نصف ساعة وهذا يعني أنه يتم تصوير فيلم كل ثلاثة أيام.. فمن أين بالله هذه القدرة على إبداع ساعة ونصف في ثلاثة أيام فقط.

أدعو الله أن تعود التلفزيونات الحكومية إلى دراسة خطة إنتاج الدراما بها حتى نتمكن نحن الجمهور العربي من مشاهدة أعمال تنمى أذواقنا وتكسبنا المتعة الفنية الحقيقية وتزيد معرفتنا بتاريخنا كما يفعل ملوك الدراما أقصد الإنجليز.