عمرو شاهين
عمرو شاهين تاريخ النشر: الأحد، 9 أغسطس، 2015 | آخر تحديث:
هند رستم

كانت واحدة من ألمع جميلات السينما المصرية، بل من الممكن القول أنها كانت أحد مقاييس الجمال على الشاشة الكبيرة، ورغم جمالها الذي ساعدها كثيرا إلا أن طريقها لم يكن مفروشا بالورود، صعدت السلم من بدايته وراهنت على موهبتها وصدقها، فصدقها الجمهور وأحبها، فأصبحت من الخالدين في تاريخ الفن.

هي هند حسين مراد رستم بنت الإسكندرية التي ولدت في 12 نوفمبر 1929، وبعيدا عن البيوجرافيا التقليدية، والتي يمكن تلخصيها في أنها عانت مرارة انفصال أبويها، وهربت من سوء معاملة والدتها إلى منزل أبيها، الذي قرر أن يعتني بها عناية شديدة، فألحقها بإحدى المدارس الفرنسية، والتي مثلت ورقصت على مسرحها، ثم انتقلت للقاهرة لتبدأ رحلتها في الفن، إلا أن هند لم تكتفي بكونها فتاة جميلة وحسب، بل برهنت في العديد من الأدوار على أنها ممثلة من العيار الثقيل، وكانت دائما ما تنجذب للأدوار الصعبة.

البداية والإنتشار
من حبها للفن بدأت هند رستم حياتها ككومبارس صامت في العديد من الأفلام، إذ ظهرت في أفلام مثل "أزهار وأشواك"، و"الأب" في سنة 1947، و"الروح والجسد" في سنة 1948، و"على قد لحافك" و"جواهر" و"غزل البنات" بسنة 1949، بينما قالت أول جملها الحوارية في السينما في فيلم "صاحبة الملاليم" في نفس العام.

كانت الخمسينيات هي بداية هند رستم مع الأدوار الكبيرة نوعا ما، إن لم تكن قد وصلت إلى النجومية بعد، إذ قدمت بسنة 1950 دور "سونيا" في فيلم "بابا أمين" أول أفلام المخرج يوسف شاهين، ثم توقفت قليلا لتعود بعدد من الأدوار كان بعضها صغيرا، مثل دورها في "حب في الظلام" سنة 1953، ودورها المختلف في فيلم "الستات مايعرفوش يكدبوا" في سنة 1954، لتؤدي مشهدا وحيدا أما إسماعيل ياسين وشادية وزينات صدقي.

شاهد مشهد هند رستم الكوميدي والوحيد في فيلم "الستات مايعرفوش بكذبوا"

ويأتي عام 1955، لتقدم هند رستم فيه أول أدوار البطولة في مسيرتها، وذلك أمام كاميرا المخرج حسن الإمام في أحد أفلامه الميلودارمية، وهو "بنات الليل"، وشاركتها البطولة مديحة يسري، وفي العام نفسه تقدم ثاني أدوارها كبطلة في فيلم "الجسد" مع نفس المخرج وأمام كمال الشناوي الذي شاركها بطولة "بنات الليل".

هند رستم في لقطة من فيلم "الجسد"

لاشك أن هند استغلت جمالها وأنوثتها في حجز مكانا لها بين نجمات الصف الأول، وهو في رأيي سلوك مشروع، فجسد الممثل جزء أصيل من أدواته، وهو ما حصرها نوعا ما في أدوار الإغراء، ولكنها كممثلة تحاول أن تثبت جدارتها في كل الأدوار، فعملت على تنوع شخصياتها الفنية بشكل أو بآخر، فقدمت في سنة 1957 مع يوسف شاهين دور "نانا" وهو دور كوميدي في فيلم "أنت حبيبي"، ثم تعود للأدوار ذات الأبعاد النفسية المعقدة في فيلم "الحب العظيم" في نفس العام مع حسن الإمام، وفي عام 1957 قدمت هند رستم 8 أدوار تنوعت بيت التراجيديا والكوميديا والإغراء، فقدمت أفلام مثل "نساء في حياتي"، و"لا أنام"، و"صراع في النيل"، و"صراع مع الحياة"، و"رد قلبي"، و"ابن حميدو"، وهو نفس العدد تقريبا الذي قدمته في العام التالي 1958، ومن بينهم واحدا من أهم أدوارها على شاشة السينما، وهو دور "هنومة" في رائعة يوسف شاهين "باب الحديد".

شاهد هند رستم وعمر الشريف في مشهد طريف من "صراع في النيل"

شاهد هند رستم وأحمد رمزي في مشهد من "ابن حميدو"

وخلال فترة وجيزة، أصبحت هند رستم واحدة من ألمع نجمات السينما المصرية، لدرجة دفعت المخرج فطين عبدالوهاب للاستعانة بها بشخصيتها الحقيقية في فيلم "إشاعة حب" بسنة 1959.

الستينيات: القدرة على الاختيار والمغامرة
جاءت حقبة الستينيات لتحمل "ملكة الإغراء" - وهو اللقب الذي لازمها طيلة حياتها وكانت ترفضه وتغضب منه بشد - إلى منعطف جديد في مسيرتها الفنية، إذ قلت عدد الأفلام واتسمت أدوارها بالتجديد والاختلاف والصعوبة، فقدمت أفلام مثل "شفيقة القبطية" في سنة 1962، وربما كانت المرة الأولى التي تقدم فيها ممثلة مصرية مراحل الإدمان بهذه البراعة مثلثما قدمتها هند في الثلث الأخير من الفيلم.

هند رستم في لقطة من "شفيقة القبطية"

شاهد هند رستم في واحد من أقوى مشاهدها في "شفيقة القبطية" من الدقيقة 3:28

وقدمت هند أيضا فيلم "الوديعة" في سنة 1965، والذي أدت فيه دور "نهى" الفتاة التي تتعرض لحادث سير مع أختها، فتصاب بالشلل وتقع في عشق صحفي عن طريق الهاتف بسبب خجلها من عاهتها، لتترك حبيبها يرتبط بشقيقتها ظنا منه أنها هي، وهو من الأدوار المعقدة التي كانت تفضلها هند طيل مشوارها الفني.

وفي العام الذي تلاه، قدمت هند فيلم "الزوج العازب"، إذ أدت دور "أزهار" المعلمة التي تقع في حب المعلم عاشور "فريد شوقي" المزواج الذي يخدعها لتصبح هي زوجته الرابعة، وهو دور ينتمى إلى الكوميديا، لتثبت مرة أخرى قدرتها على تأديه كافة الأدوار، وتأكيد على صدق موهبتها.

هند رستم في لقطة من فيلم "الزوج العازب"

أما التأكيد الأكبر على موهبتها الكبيرة، فقد جاء في سنة 1969، عندما قدمت فيلم "الحلوة عزيزة" مع مخرجها المفضل وأستاذها حسن الإمام، والذي قدمت في أحداثه دور "عزيزة" ذات الملامح المشوهة بفعل سكب ماء نار على وجهها، والتي تدير ملهى ليلى بمنتهى القسوة وانعدام الإنسانية، لتقدم لنا هند رستم فيه دورا لا يمكن نسيانه، دورا مختلف كل الاختلاف عن كل أدوارها المتنوعة التي قدمتها من قبل، فلا هي راقصة زال جمالها بفعل الزمن كـ "شفيقة القبطية"، أو فتاة لعوب، أو حتى صاحبة عاهة جسمانية، بل هي فتاة اضطرتها الحياة للتحول إلى القسوة حتي أصبحت تتبعها مع الكل، وعلى الرغم من كل هذا فإن هذه القاسية مازال بداخلها قلب يستسلم للحب.

هند رستم في لقطة من فيلم "الحلوة عزيزة"

قدمت هند رستم شخصية "عزيزة" بما فيها من تحولات كثيرة ببراعة تحسدها عليها نجمات التمثيل في عصرها، وكأنها كانت تخرج آخر ما في جعبتها قبل فترة السبعينيات القاحلة.

على مشارف الوداع
في حقبة السبعينيات، كانت هند رستم مقلة للغاية في أعمالها الفنية، فتارة لأنها أصبحت أكثر انتقائية لأدوارها، وتارة لأن السينما المصرية دخلت في مرحلة من مراحل تغير الجلد، وصعود نجمات جدد احتللن الصفوف الأولى مثل نجلاء فتحي وميرفت أمين، ولكنها على الرغم من قلة أعمالها إلا أنها قدمت أدوارا مميزة، كدور "ناهد" في فيلم "كلمة شرف" في سنة 1973، ودور "سعاد" في فيلم "الجبان والحب" بسنة 1975، وفي سنة 1979 قدمت هند رستم آخر أدوارها في فيلم "حياتي عذاب"، وبعدها اعتزلت التمثيل والعمل الفني نهائيا إرضاء لرغبة زوجها الطبيب محمد فياض، وظلت بعيدة عن وسائل الإعلام أو الظهور العلني فترة طويلة، لم يكسره إلا أحاديث صحفية وتلفزيونية نادرة، إلى أن توفاها الله في 8 أغسطس عام 2011.

هند رستم في فيلم "الجبان والحب"

هند رستم في فيلم "كلمة شرف"

طالع أيضا:
صورة نادرة لهند رستم في الأراضي المقدسة
بالفيديو: تطور "مزز السينما" من هند رستم إلى "أحبوش"
هند رستم ودعت صديقاتها قبل الرحيل بأيام وأوصت برعاية الحيوانات