نهال ناصر
نهال ناصر تاريخ النشر: الأربعاء، 27 مايو، 2015 | آخر تحديث:
فاتن حمامة

يوافق اليوم 27 مايو الجاري ذكرى ميلاد الفنانة الكبيرة الراحلة فاتن حمامة، وتستكمل جريدة "الشرق الأوسط" نشر مذكرات "سيدة الشاشة العربية".

وتروي فاتن حمامة ذكرياتها في المدرسة ومعلماتها اللاتي كن يلتففن حولها لسؤالها عن طبيعة التمثيل وكيف يقومون به، وبالطبع كانت أغلب أسئلتهن عن الفنان الكبير محمد عبد الوهاب الذي قام ببطولة فيلمها الأول "يوم سعيد"، وكنت دائما تسال نفسها لماذا لا يتحدثون عن المخرج محمد كريم فهي، كانت ترى أن الشخص الوحيد الذي يجب أن يسألون عنه هو محمد كريم فهو كان أستاذها و مُعلمها.

وتقول فاتن أن بعد انتهاء دراستها في المرحلة الابتدائية كانت من ضمن المتفوقات وأرادت أن تقدم الشكر لمدرساتها وأساتذتها الذين تُدين لهم بالشكر والعرفان فذهبت إلى المدرسة ومعها "صينية كنافة" وهي الحلوى التي اشتهرت والدتها بإجادة صناعتها، واحتفلت مع مُعلماتها وانهلن عليها بالقُبلات حتى من أستاذة لم تكن على علاقة قوية بها وكانت ذات ملامح قاسية فلم تكن تُحبها، لكنها اكتشفت حنيتها بعد ذلك الموقف.

عقدة أنيسة تلاحقها مجدداً
وحكت فاتن عن الشهرة التي اكتسبتها بعد الفيلم بين الناس وتحديداً في مدينة المنصورة وهي المدينة التي أمضت فيها سنوات عمرها الأولى، فقالت: "أذكر أننا سافرنا حينذاك إلى مدينة المنصورة في رحلة قصيرة، وما كدنا نغادر القطار حتى التف الناس حولنا في المحطة وراح الجمهور الصغير الذي تكدس أفراده حولي يصفق ويصيح "أنيسة.. أنيسة"، واستبد بي يومها الغضب فوجدتني أرد على «جمهوري» الأول باقتضاب ولم يجد أبي مخرجًا سوى حملي على ذراعه وجاهد طويلاً حتى وصل إلى الباب الخارجي".

وحتى مع وصولهم إلى منزلهم تبعهم الجمهور الصغير إلى هناك وبدأوا في الهتاف مطالبين برؤيتها، وفي بادئ الأمر خشي والدها عليها من كثرة الجمهور خاصة مع تواجد أعداد كبيرة وفرقة كشافة مدرسية تعزف موسيقى مع هتافات المتواجدين.

تابعت فاتن: "فطلب والي من خادم نوبي صغير كان يعمل لدينا الخروج لهم ومع خروجه ضحك الجميع ولكن ظلوا يرددون هتافهم مطالبين بخروج أنيسة"، ولأن فاتن لم تكن تحب مناداتها باسم الشخصية فخرجت لهم لتتكلم معهم في موقف أشبه بخطيب يلقي بخطبته.

وقالت فاتن حمامة عن تلك الوقعة: عن هذا الحدث: "خرجت إلى الشرفة أنظر بدهشة إلى الذين احتشدوا حول منزلنا ليروني وسألت نفسي.. لِمَ؟ وبقيت لِمَ سؤالاً بلا جواب حتى أدركت أن الناس تجذبهم الشهرة كما يجذب الرحيق الطيب بالزهور النحل. لقد خرجت إلى الشرفة والابتسامات على شفتي والابتسامات كان مصدرها فريق الكشافة قبل أي شيء آخر ويدي في الهواء تلوح للهاتفين وأشرت إليهم أن يسكتوا فأطاعوا الأمر ثم ولأول مرة في حياتي وقفت فيهم موقف الخطابة، فقلت لهم :إذا كنتم عايزيني انبسط وأحبكم.. قولوا عايزين فاتن، فاتن مش أنيسة، علشان أنا بأزعل قوي من اسم أنيسة".

وبالطبع صاح الجميع "تعيش فاتن.. تعيش فاتن" ثم علا صوت من بينهم يهتف "تعيش أنيسة" فردد الجميع الهتاف من بعده وهدموا على الفور ما جاهدت في بنائه، ولم تجد من الغيظ مهربًا إلا في الدموع فأطلقتها غزيرة وسارعت بالدخول إلى حجرتها، على حسب وصفها.

ما بين التمثيل والرقص الإيقاعي
بعد مرحلة الابتدائية التي أمضتها في المنصورة، انتقلت فاتن وأسرتها إلى محافظة الجيزة والتحقت هناك بمدرسة "الأميرة فوقية"، وهي مدرسة كان يوجد بها العديد من الأنشطة كالتمثيل والرقص الإيقاعي والذي اكتشفت فاتن أنها تجيده.

والتحقت فاتن بفريق التمثيل وكانت رئيسته وذلك بسبب دورها في فيلم "يوم سعيد"، وكان هناك وقعة حدثت معها في فريق التمثيل خاصة بعد أن تم الاستعانة بمدرب مسرحي متخصص.

وروت فاتن تفاصيل الواقعة: "عانيت كثيرًا من هذا المدرب، فقد كان لسبب لا أعلمه يضطهدني وينتقص من مقدرتي التمثيلية وقد قرر أن يقدم فريق المدرسة مسرحية "الهادي" ووقع عليّ الاختيار دون الطالبات للقيام بدور البطولة فيها وبدأت استعد لأداء الدور فحفظت حواره كاملاً وبت انتظر البروفات وفوجئت ذات يوم ولم يبقَ على العرض إلا بضعة أيام معدودة، بأن المدرب يسحب مني الدور ليهديه إلى تلميذة أخرى".

وتابعت: "ثُرت بسبب هذا القرار وشكوت الأمر إلى الناظرة وقلت لها إنني لا أري سببًا لمثل هذا التصرف، وقد أيدتني الناظرة فيما قلت واستدعت مدرب التمثيل الذي زعم لها أن صغر سني يحول دون قيامي بالدور الذي يتطلب فتاة أكبر وأطول قامة وقد حاولت الناظرة أن تثنيه عن عزمه ولكنه تشبث بالأمر واضطررت إزاء هذا التصرف العدائي إلى الاستقالة من الفريق".

ترك فاتن للفريق ظل حديث الفتيات في المدرسة لفترة، ومع اجتماعها معهن بدأت تقول رأييها عن المسرحية وتنتقد التمثيل بشكل دقيق، وتثبتت كلامها بطريقة عملية بتأدية كل أدوار المسرحية حتى الأدوار الثانوية وبعد أن انتهت وكما تروي تفاجئت بوجود المُعلمات والفتيات حولها.

ووصفت فاتن شعورها في هذه اللحظة: "ما أن انتهيت من التمثيل حتى فوجئت بعاصفة من التصفيق والتففت حولي لأجد الطالبات والمدرسات جميعًا كن قد بدأن يتجمعن حولي الواحدة تلو الأخرى، ولكني لفرط اندماجي في التمثيل لم أشعر بهم إلا لحظة انتهائي من التمثيل وانتحت بي إحدى المدرسات جانبًا وقالت: أنت بكرة حتكوني ممثلة كبيرة يا فاتن، ولا أدري إلى اليوم إذا كانت جملة مدرستي هذه كانت نبوءة أم مجرد عبارة إعجاب وتشجيع وكل ما أدريه أنني أصبحت ممثلة ناجحة أتذكر هذه الشهادة بين حين وآخر فأشعر بها تدفعني إلى الأمام".

أما بالنسبة إلى الرقص الإيقاعي، فساعد "سيدة الشاشة العربية" جسمها الصغير حتى أصبحت حديث المدرسة عن قدرتها في الرقص الإيقاعي، وتحكي فاتن عن هذا بأن في إحدى المرات أخبرها مدرب الرقص عن الملابس المخصصة له، وكانت متأكدة من موافقة والدها فهو كان دائما الداعم لها.

الخطوة الثانية في عالم السينما "رصاصة في القلب"
ثاني الأفلام التي شاركت فيها الفنانة القديرة فاتن حمامة هو فيلم "رصاصة في القلب" ومجدداً مع الفنان محمد عبد الوهاب ولهذا الفيلم أيضاً قصة، فوالد فاتن بعد انتهاء تصوير فيلمها الأول "يوم سعيد" قطع وعدا شفويا على نفسه مع الفنان محمد عبد الوهاب بألا تشارك في أي من أفلامه حتى لا يحتكر جهودها.

وعلى الرغم من عدم وجود أي عقود أو أوراق احتكار إلا أن والدها التزم بكلمته و لم يرضخ لأي عرض تقدم لها، ومع وجود العديد من العروض الكبيرة ورفض والدها، سمع عبد الوهاب بهذا الأمر ووجه لوالدها دعوة وقدم له عرضا بأن تظهر في أعمال من إنتاج شركته مقابل "42 جنيهاً".

وقالت فاتن عن العرض: "ظل هذا المبلغ ظل يحيرني بعد ذلك، فلماذا 42 جنيهًا؟ ولما لا ينص العقد مثلاً على أن المبلغ 40 جنيهًا أو 50 جنيهًا؟ أو حتى 45 جنيها، سؤال لم استطع الإجابة عنه رغم أنني فكرت فيه طويلاً، ولكن في النهاية وقع والدي على العقد بالموافقة دون أن يعترض على شيء مما جاء فيه. وترتب على ذلك أنني بعد مدة من الوقت قد تكون امتدت لعدة أشهر دعيت للظهور في ثاني أفلامي مع عبد الوهاب وكان يحمل اسم "رصاصة في القلب" وكان عمري في ذلك الوقت أحد عشر عامًا".

فاتن في هذا الوقت باتت تشعر أنها كبرت وأصبحت فتاة شابة لكن المخرج محمد كريم ظل يعاملها كالطفلة وهو ما أغضبها كثيراً، واحتجت على الأمر، فأعتذر المخرج وهو يحاول منع نفسه من الضحك وأصبح يناديني بـ "الآنسة" وهو ما أرضاني".

القصص الرومانسية جعلتها مستشارة في الحب
سمعت فاتن لأول مرة كلمة "حب" من زميلة في الفيلم فكانت تتحدث عن الحب وتضحيات البطلة وأول ما عرفت عنه كانت جملة "الحب وحش"، وعلى الرغم من وجود كلمة تصف الحب "بالوحش" إلا أنها اهتمت بمعرفة ماذا يعني الحب فبدأت بمشاهدة الأفلام الرومانسية العاطفية ولم يمانع والدها ذلك".
وتقول أنها بدأت تتحدث عن الحب مع صديقاتها ولكن كانت أحاديثها به سذاجة، ففي مرة جلست برفقة زميلات أكبر منها وتحدثت معهم في صفات الحب وأعطت رأيها ويبدو أنه كان ساذجاً مما أضحك زميلاتها.

حزنت فاتن كثيراً من هذا الموقف وخجلت لأنها لا تعرف جيداً عن الموضوع، فحكت لصديقة لها والتي بدورها كتبت لها أسماء مجموعة من الروايات الرومانسية الشهيرة، وبالفعل بدأت فاتن في قرأتها كلها ولكن هذه الرويات دائماً كانت تخبأ في أدراج مغلقة حتى لا يراها والديها، فدائماً ما كان يُرفض في البيوت المصرية في هذا العصر مثل هذه الروايات.

وبعد إلمامها بالروايات وقرأتها لدروس في الحب أملاها سقراط على شاب تقدم إليه يشكو بغضه لزوجته، وقصة الرسام الإيطالي الذي أحب امرأة متزوجة فعاش عمره يتعبد في محراب فلما ماتت بعث صورتها في كل لوحاته، وكتابات يوسف السباعي أصبحت تُعطي لها نصائح وإرشادات.

تحكي فاتن عن المشكلات العاطفية: "أذكر من بين المشكلات التي أُفتيت بها مشكلة فتاة كانت تكبرنا بأعوام ثلاثة، وعلى الرغم من أنها لم تكن بين تلميذات مدرستي، فإنها لجأت إليَّ لما بلغها عني من ذيوع في عالم النصح والإرشاد، فقالت لي الصديقة "إن مشكلتها تتلخص في حبها لشاب وسيم كل همه الإيقاع بأكثر عدد من الفتيات ثم المجاهرة بالأسماء وبعدد الضحايا".

وتابعت: "نصحت الفتاة بأن تكتم عواطفها وأن تتجاهل هذا المغرور لأن غروره يعميه عن كثير من حقائق الحياة، وفوجئت بها بعد أسبوع واحد أنها عادت لتشكرني فقد عملت بنصيحتي وشعر الفتى أنها لا تأبه بجماله ولا بسحره فجن جنونه وكعادة الرجل في مثل هذه الحالة لم يجد أمامه طريقًا لامتلاكها سوى الطريق الطبيعي والشرعي فتقدم إلى والدها يطلب يدها، وحقيقي يسعدني أن أقول إن الزواج بينهما تم بعد تخرج الشاب من كليته وأنهما إلى اليوم لديهما أسرة سعيدة وتربطني بها صلة الصداقة القوية".