أحمد خالد
أحمد خالد تاريخ النشر: الاثنين، 23 مارس، 2015 | آخر تحديث:
لقطة من فيلم "Wild Tales"

من الصعب أن تصنع دراما وفيلم قوي في قالب كوميديا سوداء، الصعوبة ليست في أن كلاهما من الصعب أن يلتقيا، لكن الصعوبة تأتي من أنها تحتاج إلى مؤلف ومخرج وممثلين متميزين يستطيعون أن يروضوا الكوميدية السوداء ويقدمونها في فيلم درامي متميز. معادلة كيميائية تحدث كل فترة ليخرج لنا فيلم متميز يتعلق في الأذهان، وأخر نتائج تلك المعادلة تتمثل في فيلم Wild Tales.

فيلم Wild Tales سيعرض هذا العام في أمريكا وبريطانيا بالرغم أن الفيلم من إنتاج عام 2014، وترشح لجائزة أوسكار لأفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية لكنه خسر لصالح الفيلم البولندي Ida.

الفيلم يحكي ست قصص مختلفة بممثلين مختلفين في كل قصة من القصص غير المتصلة ببعضها البعض ولكن لديها نفس "التيمة" السينمائية، وهي كيف يقود الضغط بعض الأفراد إلى العنف؟

السطور التالية لن تحرق أي مفاجئات في الفيلم، فقط سيتم سرد فكرة كل قصة

- القصة الأولى
القصة الأولى تدور أحداثها في طائرة من خلال حديث يدور بين شابة ورجل، ويتصادف أن الرجل يعرف صديقها السابق والذي يدعي باستيرناك، ولكن لم تتوقف الصدف عند هذا الحد فقط.

- القصة الثانية
فتاة تعمل نادلة في مطعم على إحدى الطرق السريعة، وفي أحد أيام عملها يدخل إلى المطعم الرجل الذي أفسد حياة عائلتها، فتحاول زميلتها في المطعم إقناعها بالانتقام لعائلتها.

- القصة الثالث
رجل يقود سيارته في طريق سريع يقابل شخص أخر مريض بالعنف ويدور بينهما مشادة عنيفة.

- القصة الرابعة
خبير مفرقعات يعمل في إحدى الشركات يقوده الضغط إلى خسارة وظيفته وربما عائلته.

- القصة الخامسة
أب يحاول حماية ابنه الذي قام بدهس سيدة حامل بسيارته مما أدي إلى وفاتها، فيحاول بمساعدة محاميه أن يقنع أحد العمال أن يعترف بأنه من قام بالحادث مقابل مبلغ مالي كبير.

- القصة السادسة
أثناء زفافهما تكتشف الزوجة أن عريسها كان يخونها مع إحدى صديقاته في العمل التي حضرت حفل الزفاف، ليبدأ الانتقام.

لكن يبقى السؤال.. القصص تبدو بسيطة بل عادية، فما العظيم في الفيلم؟

عبقرية الفيلم تأتي من بساطة القصص، كل قصة تبدو سهلة للغاية ولكن استطاع مخرج ومؤلف الفيلم داميان سزيفرون أن يكتب لها سيناريو وحوار عبقري ليثبت أن الفكرة البسيطة يمكن أن تتحول إلى فيلم رائع إذا كان الكاتب متميز، والعكس صحيح. فيكفي أن تعرف أن كتاب أخرين يحولون قصة مبتكرة ومتميزة إلى فيلم هش وضعيف.

داميان سزيفرون يدخل إلى أعماق النفس البشرية في كل قصة، إلى الجانب الخير والشرير في كل شخصية، خاصة في القصة الخامسة التي تظهر الجانب الخير والقبيح في كل شخصيات القصة، وبالطبع تواجدت في باقي القصص ولكنها اقتصرت على الشخصيات الرئيسية في تلك القصص.

داميان سزيفرون ناقش مبدأ أخر وهو كيف يؤدي بك الحال والظروف والضغط فجأة إلى خيار واحد فقط لا بديل له وهو ارتكاب الجريمة، أو إيذاء الطرف الأخر؟ سزيفرون نجح بعبقرية في تلك الجزئية في كل القصص، فجعلك تتعاطف مع الشخص الذي يرتكب الجريمة والإيذاء، كما جعلك أيضاً تتعاطف ولو قليلاً مع المجني عليه، ليجعلك تقول نفس الجملة بعد نهاية كل قصة وهي "أصل مكنش فعلاً ينفع يتعمل غير كدة".

- التمثيل

الفيلم يضم مجموعة كبيرة من الممثلين، تباين مستواهم ما بين الممتاز إلى المتوسط، لكن هناك ثلاثة ممثلين استطاعوا خطف الأنظار بأدائهم الرائع في قصصهم.

أولاً: ريكاردو ديرن بطل القصة الرابع

ربما هو أفضل ممثل أرجنتيني حي، فهو بطل الفيلم الشهيرThe Secret in Their Eyes ، بالرغم من بساطة قصته إلا أنه بأداء رائع يستطيع بكل سهولة أن يكتسب تعاطفك، وكيف لا وهو استطاع أن يكتسب تعاطف الأرجنتين كلها في الفيلم، أداء لا يخرج إلا من ممثل "تقيل" وهو أفضل أداء في الفيلم، يخطفك منذ طلته الأولى.

ثانياً: ايريكا ريفاس بطلة القصة السادسة

إذا كان سزيفرون يتصف بالجنون بسبب كتابته وإخراجه لهذا الفيلم، فأداء ايريكا ريفاس التمثيلي تفوق على جنون شخصيتها التي كتبها سزيفرون .

شخصية رومينا التي قامت بتمثيلها ايريكا ريفاس هي من أكثر الشخصيات المجنونة التي ستشاهدها في أي فيلم، شخصية يقودها الغضب إلى الجنون الأعمى، أداء ايريكا جعلك تقتنع أنك تشاهد زوجة مجنونة فعلاً، تقمص للشخصية لا يصدق، تتقاسم مع ريكاردو ديرن الصدارة كأحسن أداء تمثيلي.

ثالثاً: أوسكار مارتينيز بطل القصة الخامسة

ممثل أخر مخضرم، ينتمي الى نوعية من الممثلين يمكن وصفهم بجملة واحدة " عندما يتكلم تجلس وتستمع بما يقدمه " ، تعامل أوسكار مع الضغط الذي تتعرض له شخصيته كان مذهلا، سواء في مواقف الضعف أو القوة، كان يعكس للمشاهدين مشاعره وتصرفاته بأداء عقلاني و ثابت. قوة أدائه تكمن في هدوئه في كل المواقف.

- التأليف

من الصعب تأليف فيلم مثل Wild Tales، كتابة ست قصص بنفس التيمة يعتبر شيء صعب جداً فلابد ألا تتشابه أحداث أي قصة بالأخرى، كما أن المشاهد بعد القصة الثانية سيفهم التيمة وسينتظر من المؤلف مستوى أعلى بكثير في تناولها بشكل معقد أكثر، ليبقى السؤال عن المشاهد "وريني بقى واقنعني ازاي هتخلي الغضب يخلى الشخصية تتجه للعنف"؟ وينتظر من المؤلف أن يقدم له إجابة جديدة في كل قصة وتكون مقنعة وترضى تطلعات المشاهد بالطبع.

ببساطة نجح داميان سزيفرون في ذلك بسبب الذكاء في تسلسل القصص، التي تدرجت من البسيطة ثم المعقدة ثم الأكثر تعقيداً.

- الإخراج

أداء الممثلين يعكس مستوى المخرج، سزيفرون استطاع اكتشاف أفضل أداء تمثيلي من الممثلين والتي تعتبر أحد أهم نقاط القوة في الفيلم.

إيقاع الفيلم سريع للغاية، لن تشعر بمرور ساعتان عليه، وزوايا الكاميرا لسزيفرون متميزة، توظيفه للموسيقى كان موفق، إخراج المشهد الأخير في كل قصة لا ينسى، خاصة في القصة الرابعة.

اختيار بيئة مختلفة لكل قصة كانت مخاطرة من الممكن أن تسبب نتائج سلبية للفيلم، لكن قوة التيمة وتأثيرها في أحداث القصص لم يجعل المشاهد يشعر بأي غربة.

- التقييم

الفيلم متميز، القصة الأولى كانت بداية جيدة للفيلم، القصة الثانية كانت تمهيد جيد للتيمة، القصة الثالثة كانت متميزة ومن أقوي القصص، القصة الرابعة متميزة أيضاً واستمدت الكثير من قوتها من أداء ريكاردو ديرن، القصة الخامسة تناولت التيمة بشكل مختلف قليلاً ولكنها كانت أيضاً رائعة، القصة السادسة مجنونة و متميزة.