FilFan.com
FilFan.com تاريخ النشر: الأحد، 8 مارس، 2015 | آخر تحديث:
لعزيزة أمير وفاطمة رشدي وآسيا إسهامات بارزة في صناعة السينما المصرية

لم يقم تاريخ السينما المصرية في عصرها الذهبي على أكتاف الرجال فقط كما يعتقد الكثيرون، وإنما تشهد صفحاته أيضا على إسهامات نسائية قد تكون الأبرز والأهم.

فما بين منتجة أحرقت أول فيلم لها، واكتشفت محمود المليجي وانتهت حياتها مشردة ووحيدة، وما بين شابة صغيرة علمت نفسها القراءة والموسيقى والسينما وأنتجت أول فيلم عربي على الإطلاق وكانت أول امرأة تعمل بالإخراج، وما بين أشهر منتجة عربية أفلست في سبيل إثراء أرشيف السينما تكمن قصص زاخرة ومثيرة ساهمت في ريادة "الفن السابع" وبطلاتها هن عزيزة أمير وفاطمة رشدي وآسيا.

أول مخرجة في العالم
عزيزة أمير هي خير نموذج للمرأة القادرة على النجاح وإثبات نفسها في مجالات غير معتادة إذا توافرت لها الفرصة أو سعت هي لتوفيرها لنفسها، فعزيزة التي ولدت في طنطا ونشأت في الإسكندرية بعد وفاة والدها الذي لم تعاصره سوى أسبوعين فقط كانت مثالا للمرأة القوية التي انتصرت في كافة التحديات؛ فلم تكمل تعليمها نظاميا ولكنها اعتمدت على نفسها لتتعلم اللغة الفرنسية والموسيقى، كما قرأت وثقفت نفسها في شتى المجالات.

وتزوجت عزيزة من شخصية سياسية مرموقة لم يُذكر اسمها في أي من المصادر التاريخية، ولكن هذه الشخصية ساعدتها على استكشاف أوروبا في سن مبكرة، وهناك قابلت المخرج الهوليوودي دافيدوارك جريفيت الذي عرفها على فنون السينما.

واستخدمت عزيزة أمير كاميرا السينما لأول مرة حينما مرضت واضطرت لملازمة الفراش، فاشترى لها زوجها الثاني أحمد الشريعي، وهو أحد أعيان الصعيد آلة عرض سينيمائي لتتسلى بها، إلا أنها لم تكتف بالمشاهدة وطلبت منه أن يشتري لها آلة تصوير سينمائية صغيرة لتصور بها أفلاما عائلية.

وبدأت عزيزة بتصوير فيلم مدته 5 دقائق ظهرت فيه مع أفراد العائلة والصديقات اللواتي كان من بينهن زينب صدقي وأمينة رزق وأمينة محمد، واللافت أن أمير كتبت في مقدمة الفيلم تصوير وإخراج عزيزة أمير، لتكون هذه هي أولى خطواتها في رحلة صناعة السينما.

ولم تكن عزيزة أمير فقط منتجة وبطلة أول فيلم عربي هو فيلم "ليلى" من إنتاج 1927، ولكنها أيضا أول امرأة تخوض تجربة الإخراج على مستوى العالم بفيلم "بنت النيل" من إنتاج سنة 1929 المأخوذ عن مسرحية "إحسان بك" لمحمد عبد القدوس.

وبرزت مرونة أمير حينما احتج الجمهور على نهاية فيلم "ليلى" بانتحار بطلته، فأعيد تصوير النهاية لتكون نهاية سعيدة ترضي الجمهور.

وشاركت عزيزة نجيب الريحاني بطولة أحد أفلامه، هو "بسلامته عايز يتجوز" من إنتاج سنة 1936،كما خاضت مع زوجها المخرج محمود ذوالفقار عدة أفلام، منها "بياعة التفاح" من إنتاج سنة 1939 وهو من تأليفها.

كانت عزيزة أمير مقتنعة بأهمية الدور الذي تقوم بها والرسالة التي تقدمها، وعبرت عن ذلك في افتتاحية كلمتها بأول مؤتمر للسينما المصرية الذي أقيم في سنة 1936 حين قالت: "يكفيني فخرا يا حضرات السادة أن صناعة السينما قد تقدمت هذا التقدم الكبير، وأن أكون أنا الفدية والقربان، ثم لم تستطع أن تكمل كلمتها وانهمرت في البكاء".

ولم تكن عزيزة أمير هي الوحيدة المقتنعة بسمو رسالتها، وإنما الاقتصادي المصري النابغ طلعت حرب أيضا، الذي هنأها عقب مشاهدته لفيلم "ليلى" في عرضه الأول، حيث صافحها بحرارة قائلا لها: "لقد حققت يا سيدتي ما لم يستطع الرجال أن يفعلوه".

وأنتجت عزيزة أمير عبر شركتها التي حملت اسم "إيزيس فيلم" 25 فيلما، ضمن أكثر من 28 فيلم شاركت فيهم بالتمثيل أو الإخراج أو الإنتاج.

وتوقفت عزيزة أمير عن الإنتاج بعد الخسائر المادية الكبيرة التي أصابتها بإنتاج فيلم "كفري عن خطاياك" حيث قُدم هذا الفيلم صامتا، بينما كانت الأفلام الأخرى ناطقة.

مكتشفة محمود المليجي
فاطمة رشدي هي علامة نسائية أخرى في تاريخ السينما المصرية، والتي تبلورت جرأتها حين لم يعجبها أول فيلم أقدمت على إنتاجه وهو "تحت ضوء الشمس"، فأحرقته وأسقطته من حسابها، وذلك في سنة 1928.

ولا يتعدى رصيد فاطمة رشدي السينمائي 15 فيلما، بدأتها بفيلم "فاجعة فوق الهرم" من إنتاج سنة 1928، وهو فيلم صامت من أفلام المغامرات للمخرج إبراهيم لاما ومن بطولتها.

وولدت فاطمة رشدي في الإسكندرية في سنة 1908، وكانت الشقيقة الرابعة لعزيزة ورتيبة وإنصاف رشدي العاملات أيضا بالفن، وفي العاشرة من عمرها بدأت كمغنية في فرقة أمين عطالله حتى أسند لها دورا ثانويا في أحد عروضه المسرحية.

وتعرفت فاطمة رشدي على الفنان عزيز عيد الذي علّمها القراءة والكتابة والتمثيل، ثم تزوجها بعد أن ضمها إلى فرقة رمسيس لتحصل على البطولة في عروض مسرحية مثل "الذئاب" و"القناع الأزرق" و"الشرف" و"ليلة الدخلة".

وكونت فاطمة رشدي فرقتها الخاصة التي حملت اسمها بعد انفصالها عن عزيز عيد، وقدمت في 7 أشهر فقط ما يقرب من ١٥ عملا، واكتشفت خلال هذه الفترة نجوما كمحمود المليجي حينما شاهدته مصادفة في مسرحية مدرسية تحت اسم "الذهب"، وأعجبت بموهبته واعتقدت أنه ممثل محترف، ولم يمض وقت كبير حتى بعثت إليه لتلحقه بفرقتها.

وأقدمت فاطمة رشدي على الإنتاج السينمائي في سنة 1928 بفيلم "فاجعة فوق الهرم"، وقامت ببطولة فيلم "العزيمة" الذي يعد واحدا من ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.

وكان لرشدي تجربة في الإخراج بفيلم "الزواج" الذي إنتج في سنة 1933، وبعد سنة 1969 اعتزلت الفن وانحسرت عنها الأضواء وتدهورت حالتها المادية والصحية.

وقيل إن فاطمة رشدي شوهدت في أواخر أيامها أمام باب مسرح الأزبكية بالقاهرة، وهي تلعن الفن الذي وصل بها إلى العيش في حجرة بأحد الفنادق الشعبية في القاهرة، إلي أن ماتت وحيدة في 23 يناير 1996.

"عميدة المنتجين" المفلسة
لقبت آسيا داغر بـ "عميدة المنتجين"، وذلك بسبب استمرارها في إنتاج الأفلام عن طريق شركتها "لوتس فيلم"، فيما أحجمت معظم الشركات الأخرى المعاصرة لها عن الإنتاج.

وبدأت آسيا حياتها كممثلة في لبنان، عندما قدمت فيلمها القصير "تحت ظلال الأرز" من إنتاج سنة 1922، وفي سنة 1923 سافرت إلى مصر، حـيث ظهرت للمرة الأولى في باكورة إنتاج عزيزة أمير "ليلى".

وفي سنة 1927 أسست آسيا شركة "لوتس فيلم" لإنتاج وتوزيع الأفلام، والتي تعد شركتها أقدم شركات الإنتاج السينمائي المصرية وأكثرها استمرارا.

وقامت آسيا بأول بطولة لها في فيلم "غادة الصحراء" من إنتاج سنة 1929، إضافة إلى أنه كان أول إنتاجها.

ولم يكن فيلم "ليلى" القاسم المشترك الوحيد بين آسيا وعزيزة أمير، وإنما أيضا المخرج التركي وداد عرفي الذي شارك في إخراج الفيلم، كما أنه من أخرج "غادة الصحراء"، وهو الذي من أقنع فاطمة رشدي بخوض تجربة الإنتاج.

وقدمت آسيا مخرجين جدد للسينما أصبحوا من الكبار فيما بعد، منهم هنري بركات، وحسن الإمام، وإبراهيم عمارة، وأحمد كامل مرسي، ويوسف معلوف، وعز الدين ذو الفقار، وحسن الصيفي، وحلمي رفلة، وكمال الشيخ.

كما قدمت آسيا إثنتين من أهم نجمات السينما، هما فاتن حمامة في فيلم "الهانم" من إنتاج سنة 1947، وصباح في فيلم "القلب له واحد" من إنتاج سنة 1945.

وعرفت آسيا باهتمامها بالأفلام التاريخية، أنتجت فيلم "شجرة الدر" في بداية مشوارها الفني، ثم فيلم "أمير الانتقام" الذي أخرجه هنري بركات في سنة 1950، كما لا ننسى فيلم "الناصر صلاح الدين" الذي عرض في سنة 1963، والذي تكلف إنتاجه 200 ألف جنيه، وكانت هذه هي أعلى ميزانية تخصص لإنتاج فيلم مصري.

وتسبب إنتاج فيلم "الناصر صلاح الدين" في استدانة آسيا من هيئة السينما، ومن ثم الحجز على عمارتها وأثاث بيتها وشركتها، وانتهى مشوارها الفني بإعلان إفلاسها.