"الجزيرة 2".. فلول أم ثورة؟

تاريخ النشر: الخميس، 16 أكتوبر، 2014 | آخر تحديث:
الملصق الدعائي لفيلم "الجزيرة 2"

تحذير: السطور التالية بها تفاصيل وأحداث من فيلم " الجزيرة 2"، إذا لم تشاهده بعد، قد يتسبب هذا المقال في كشف تفاصيل الفيلم لك.

ربما لم يحدث من قبل أن تحدث أحد عن الانتماء السياسي لممثل أو كاتب أو مخرج كمقدمة للحديث عن الفيلم نفسه ومحتواه، لكننا دعونا نتذكر أن أبطال الفيلم خالد الصاوي، خالد صالح، أروى جودة وأحمد مالك يمكن نسبهم بمنتهى السهولة إلى ثورة 25 يناير، نظرا لأنهم كانوا من أول المنضمين لها.

كما لا يمكن نسيان أن التونسية هند صبري هي الأخرى وقفت بجانب ثورتها في بلدها تونس وتعاطفت بشدة مع الثورة المصرية، وقبل كل ذلك لا يمكن إغفال مؤلف الفيلم محمد دياب الذي عرف الناس شكله من كثرة ظهوره أيام الثورة، ومن تواجده المستمر في فعالياتها.

خالد الصاوي يغني للثورة

لقاء شهير لمحمد دياب في مواجهة عمرو مصطفى دفاعا عن الثورة

أما بطل الفيلم "أحمد السقا" فطرد من ميدان التحرير عندما حاول الاشتراك في الثورة.

تعقيب أحمد السقا على طرده من ميدان التحرير

قبل أي شيء الفيلم قائم على فكرة الترميز منذ اللحظات الأولي وحتى جملة النهاية على لسان هند صبري، وهو أمر سنتطرق إليه في عدة مواضع.

قضايا جدلية:
الفيلم يبدأ باقتحام السجون من قبل مجهولون والذي ينتج عنه هروب "منصور الحفني"، يقابل هذا المشهد في أحداث ثورة يناير، روايتين الأولي أن الداخلية هي من ساعدت على فتح السجون وهو الرواية الثورية، ورواية أخرى أن السجون تم اقتحامها من قبل عناصر من حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" الذراع العسكري لجماعة الإخوان في فلسطين، في الحالتين منصور خارج الأسوار عائدا للبحث عما ضاع منه.

"رشدي وهدان" الضابط الذي يأمر جنوده بإطلاق النيران على الأرجل ثم يغير رأيه عندما يجد أن الهجوم على مديرية الأمن عنيف فيأمرهم "بالضرب في المليان" وهو ما يقابله في الحقيقة وجهتان نظر، الأولي حول طبيعة المهاجمين للأقسام ومديريات الأمن وقت الثورة فبعد أن كانوا مجرد مواطنون غير مسيسين وقت الأحداث، أصبحت الرواية الآن أنهم كانوا من جماعة الإخوان المسلمين، وفي جميع الحالات تم محاكمة رشدي على قتل الثوار ثم تمت تبرئته.

الجدير بالذكر أنك كمشاهد تعرف تاريخ "رشدي" جيدا وتعلم أنه ليس بالضابط الشريف، وتذكر أن هذا كان انطباعك في نهاية الجزء الأول، حيث كان الطيب الوحيد في الفيلم هو "محمود عبد المغني" الوحيد الذي كان يبحث عن تطبيق القانون والعدالة، وغيابه عن الجزء الثاني أمر يستحق التأمل.

الجزيرة بلا رئيس تتخبط بين الطامعين فيها حتى وإن كانوا من المقربين، بعد أن تغيرت مقاليد القوة في الفيلم، أصبحت هند صبري الكبيرة، لتواجه منفردة عدة مشاكل منها حالة الركود في تجارة المخدرات، وحماية الجزيرة من "الرحالة" وحماية منصبها من الضياع بسبب عودة منصور الحفني، وحماية نفسها من مختلف الشخصيات الطامعة في (الزواج) منها.

الرحالة:
أجواء من المبايعات والتجارة المشبوهة وحمل السلاح، مزيج من الأفكار الدينية المتطرفة الخاصة بالجماعات الجهادية والأفكار الإجرامية الخاصة بعصابات تهريب السلاح والسيارات عبر (الأنفاق) بالإضافة إلى لهجة قد تبدو لك بدوية، كل هذا لخلق كيان جديد على أحداث الفيلم، بغرض إضافة تحالفات جديدة، مع عدم إغفال ذكر أن الرحالة كان بينهم وبين رشدي تعاون سابق لم يتم ذكره في الجزء الأول.

التعاطف المفقود:
بمنتهى السلاسة تتحول خريطة التحالفات بين الأطراف المتصارعة في الفيلم، لكي نصل في النهاية إلى لجوء "كريمة" إلى منصور حتى يقف الجميع في وجه "الرحالة" وهو ما انتهى إلى أن تزف "كريمة" مرتدية الأسود إلى كبير الرحالة، وفي نفس اليوم تحدث عملية تصفية لأهلها وأقاربها لتنجو وحيدة من المذبحة بمساعدة منصور الحفني ورشدي، الشرطة والشعب كما حاول منصور أن يدعي، وهو ما لا يمكن قبوله نفسيا أبدا، الوحيد الذي كان من الممكن أن تتعاطف مع ظهوره كمثال جيد للشرطة كان الضابط طارق واختفى تماما من الجزء الثاني للفيلم، الجميع في هذا الفيلم أشرار، إلا أنك (قد) تتعاطف مع التحالف الأخير ضد الرحالة، أحيانا تقبل بوضع سيء لتجاوز وضع أسوأ.

العلاج بالصدمة:
"ثوار أحرار هنكمل المشوار" يقولها الهارب من حكم الإعدام "منصور" ومعه رجاله ضغطا على الضابط "رشدي" الذي لم يجد حل للهروب من ضغط منصور وكبير الرحالة عليه سوى اللجوء إلى تسليم نفسه إلى الشرطة، فما كان من مدير الأمن سوى أن يقول "انزل اتفاهم معاهم وبعدين سلم نفسك" ليفرح منصور ورجاله ويخرجون من المديرية حاملين الأسلحة مطلقين الأعيرة النارية فرحا مرددين "سلمية..سلمية" وهو ما أعتبره البعض سخرية من سلمية الثورة، لكن تذكر أن عائلة "دياب" قررت استخدام الصدمة كأسلوب علاج للجميع.

الضابط رشدي يزيح اللافتة الشهيرة "الشرطة في خدمة الشعب" ليقولها صريحة الشرطة مش خدامين حد، دعك من التهليل الذي يحدث في السينما مع هذا المشهد، وتذكر دائما أن "الشعب عايز كدة" ويهلل لذلك، هؤلاء نفسهم من سيهللون بعد ذلك عندما تطلق "كريمة" جملة النهاية في الفيلم، فبعد أن يرفض "علي" منصب الكبير مع ملاحظة أنه يظهر طوال الفيلم في دور العاطفي، ليترقب أهل الجزيرة قراره بشأن قبوله لمنصب الكبير أم لا في قلق واضح، تمسح زوجة أبيه الجديدة دموعه وبمساعدة "جمعة" ورجال منصور يلتف الجميع حول "علي" معلنين أنه الكبير، لتقول كريمة متأسفة "كبيرنا بقى عيل..الله يرحمك يا منصور ويرحمنا من بعدك".

النظام السابق لفق القضايا لمنصور الحفني لأنه معارض، كتبها "محمد دياب" على لسان منصور، وعندما ترى أحمد السقا يقولها لا تشعر أنه يسخر ولا تشعر أنه صادق، هو يردد ما يعرف أنه بكثرة ترديده سيصبح حقيقة، حتى أن الضابط رشدي لا يتوقف كثيرا أمام ذلك فهو الأخر سيردد قصة تخصه ومع كثر ترديدها ستتحول إلى حقيقة، تذكر أن منصور عرض عليه أن يحصل على العفو الرئاسي في حالة تعاونه مع الرحالة.

لنبحث جميعا عن الرموز ونفسرها كما نشاء، لكن عائلة دياب نجحت ببراعة في تحويل الكثير والكثير من المفارقات التي حدثت لنا مؤخرا إلى فيلم، يكفي أن دياب كان مغامر بما فيه الكفاية ليفسر رفض الناس لتواجد الرحالة بينهم حين وضع على لسان "جمعة" أهم جمل الفيلم على الإطلاق "المطاريد كانوا عايزين يدوبوا وسط الناس الرحالة عايزين الناس تدوب وسطيهم".

النهاية البديلة:
الفيلم قدم نهاية (ساذجة) جدا لا تليق بكل هذا المجهود الواضح في كاتبة الفيلم، لكن دعنا نقول أن الواقع قد حدث فيه ما هو أكثر سذاجة من هذا بكثير، نجحت عائلة "دياب" في عدة مواضع أن تأكد عليك أن ربط بين الفيلم وبين أشخاص أو رموز أو تنظيمات على أرض الواقع هو أمر يخصك وحدك، فالضابط يسهل عمليات المخدرات والسلاح بالتالي هو ليس رمز الداخلية النظيف الذي تبحث عنه كما أنه فقد عائلته في حادث إرهابي، والرحالة يتاجرون بأي شيء وكل شيء، وكريمة أضعف من أن تدير الأمور بمفردها غير أنها تهيم حبا بالمجرم منصور الحفني، وشعب الجزيرة ليس له موقف واحد ثوري مغاير لاتجاه الأحداث، شعب الجزيرة يسير مع التيار دائما، لا يقول "لا" أبدا، أما الابن العاطفي الحساس فقد قبل منصب الكبير في النهاية.

الفرحون بأن الفيلم يروي رواية قريبة من روايته، والفزعون من أن الفيلم يروي رواية بعيد كل البعد عن روايته، يجب عليهم جميعا أن يعرفوا أن السينما "خيال"، وأن أي رواية تحتاج إلى ترديدها كثيرا حتى تصبح حقيقة.